الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

المصريون فئران تجارب لشركات الأدوية

أطباء يعترفون: سجلنا براءات اختراع بالخارج وأجرينا اختبارات على المرضى

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شركة كندية سويسرية أجرت تجارب لعقار يعالج فيروس «سي» على مصريين بالتعاون مع جامعة أورشليم فى إسرائيل
مؤسسات سويسرية عاملة فى القاهرة تجرى تجارب سريرية فى مجال أدوية السرطان الحديثة
عزة صالح: الدستور يشترط موافقات معينة قبل إجراء أى تجارب طبية أو علمية
خبراء: عدم وجود تأمين صحى يدفع الآلاف للمشاركة فى الجريمة على أمل الشفاء من أمراضهم
«الأطباء»: الشطب النهائى عقوبة المشاركين فى العمليات
«أخلاقيات البحث العلمي»: علاقة الباحث تنتهى بمجرد تقديم ملف الدواء للجهة المختصة ولا يحق له نهائيًا إجراء التجارب السريرية
مافيا داخل الجهاز الحكومى تساعد الشركات فى العمليات غير القانونية فى غياب المسئولين


فى مصر فقط كل شيء مباح، من بيع الوهم للبسطاء، حتى تحويل المرضى لفئران تجارب، مرورًا بالتحايل والتلاعب فى المركبات الدوائية وبيعها كمكملات غذائية، وتهريب الأبحاث العلمية لشركات عالمية.
وما بين هذا وذاك يظل المصريون أرضًا خصبة لكل أنواع العبث، نحن أمام واحدة من أخطر الكوارث والجرائم التى ترتكب علنًا فى حق المصريين، من خلال إجراء تجارب على المرضى لصالح شركات الدواء العالمية، الغريب أن هذه التجارب التى جعلت من المصريين فئران تجارب للأجانب، يقوم بها باحثون مصريون على المرضى والأصحاء، يمارسون خلالها أبشع الطرق الاحتيالية، وأكثرها غرابة، عبر خطوات يبدو ظاهرها «بحثى علمى»، أما باطنها فهو «بيزنس مشبوه»، تحكمه وتتحكم فيه «مافيا» دولية، تسيطر على صناعة وتجارة الدواء فى العالم، يطلق عليها «الشركات عابرة القارات». هذه الشركات تفوق فى نفوذها الاقتصادى، وتأثيرها على القرار السياسى الدولى، تأثير ونفوذ شركات «صناعة وتجارة السلاح»، فقوة شركات احتكار الدواء، تكمن فى القدرة على تنفيذ استراتيجيات الدول الكبرى، الرامية لإفقار شعوب البلدان الفقيرة ونهب ثرواتها عبر توظيف إمكانياتها المالية، فى إجراء البحوث على البيئة الملائمة لنشر الأمراض فى الدول، وابتكار الأدوية لعلاج تلك الأمراض بعد توطنها، وللوصول إلى تلك الأغراض التى تقف وراءها أبعاد سياسية، تدعمها حكومات وأجهزة استخبارات، تبدأ حلقات شراء النفوس، قبل تمويل براءات الاختراع، والتى لا تنتهى بتحويل المصريين لفئران تجارب. قبل البدء فى سرد تفاصيل الكارثة، علينا التطرق إلى ما يعرف بمرحلة «ما قبل التجارب»، وتتمثل فى الخطوات التى تتم داخل المعامل البحثية، مرورًا بإجراء التجارب على الحيوانات، ثم الفئران، أما المرحلة الأخيرة فتكون على الإنسان، وتتم عادة داخل أحد مراكز التكافؤ الحيوية المعتمدة رسميًا، وفق الاشتراطات الدولية، وذلك لقياس فاعلية وسمية الدواء ومدى خطورته على المرضى وهى المرحلة الأخيرة وتسمى «التجارب السريرية»، التى لا يجوز إجراؤها بحال من الأحوال إلا بعد الحصول على موافقة من لجنة أخلاقيات البحث العلمى التابعة لوزارة الصحة، وهى تتطلب اشتراطات طبية معينة، تعتمد على معرفة أبحاث الدراسة والدراسات السابقة لنفس الموضوع، وجهة تمويل البحث وبوليصة التأمين على المرضى الذين سيتم تجريب الدواء عليهم. 
وحال إتمام جميع الاشتراطات السابقة يكون الابتكار أو «الاختراع»، مجرد فكرة أجريت عليها تجارب أولية، بعدها تأتى مرحلة الترويج لها عبر الصحف عن اختراعات دوائية تقضى على الأمراض المزمنة، لكن اشتراطات «مرحلة التجارب السريرية» باتت وهمًا غير موجود بسبب «الفراغ التشريعى والقانونى» الذى يجرّم مثل هذه الممارسات.
وبعيدًا عن أعين أجهزة الدولة، دخلت الشركات العالمية على الخط مستغلة حالة الفقر التى يعانى منها عدد غير قليل من المصريين للمتاجرة بأمراضهم، حيث يتم إعطاء العلاج «الابتكار» للمرضى لمدة ٣ شهور، يتم خلالها إجراء التحاليل وإرسالها للشركات العالمية التى تتولى عملية دعم البحث منذ بداية إجراء التجربة.
الغريب أن الباحث نفسه الذى يجرى التجارب على المرضى، لا يعلم النتائج النهائية، لأنه يتحول إلى سمسار لصالح شركات الدواء التى تعجز عن إجراء مثل هذه التجارب السريرية فى بلدانها التى تجرم قوانينها مثل هذه الأفعال، فتلجأ لدول العالم الثالث ومنها مصر عبر الباحثين الذين يتحايل بعضهم على القوانين واستثمار التداخل فى مسئوليات الوزارات المختلفة.
المثير للدهشة، أن جميع الأبحاث العلمية والتجارب المعملية التى أجريت على ابتكارات أدوية لعلاج مرضى «فيروس سى» وأمراض التصلب المتعدد ومرضى «التوحد»، جميعها تمت خارج إطار المعايير الدولية رغم الضجيج الإعلامى الذى صاحب تلك الابتكارات عن وجود أدوية حديثة لعلاج الأمراض التى نهشت أجساد المصريين، كما أنها أجريت فى مراكز وهمية من الناحية العلمية.
أطراف القضية هنا هم باحثون مصريون يمتلكون براءات اختراع لأدوية فى غاية الخطورة، من بينها أدوية الالتهاب الكبدى الوبائى « فيروس سى» والسرطان والتصلب المتعدد والإيدز.
أما المجنى عليهم فى تلك الجريمة، فهم مواطنون مصريون ضاقت بهم السبل، لكنهم يرفضون البوح عما إذا كان تجريب الأدوية عليهم تم بمقابل أو بدون، كما أنهم لا يعلمون ما يدور فى الخفاء من ترتيبات بين الباحثين وشركات الدواء العالمية، لأنهم ببساطة لا حول لهم ولا قوة، يعيشون على بصيص من أمل فى الشفاء من أمراض نهشت أجسادهم، فاستجابوا لطرق التحايل عليهم من بعض الأطباء «الباحثين» الذين استخدموا أساليب غير أخلاقية لتجريب الدواء عليهم.
تبدأ أولى خطوات النصب على المرضى بقيام الباحثين - بمساعدة من مافيا داخل أروقة الجهات الحكومية - من تسجيل المركب الدوائى باعتباره مكملًا غذائيًا وليس «دواء»، ما يمكنهم من تصنيعه تحت هذه اللافتة القانونية التى حصلوا عليها، بعدها تبدأ التجارب الأولية قبل إرسال النتائج إلى الشركات الأجنبية، ويتم ذلك سرًا فى دهاليز المراكز الطبية الخاصة أو الحكومية، أما لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة فهى آخر من يعلم، رغم أنها طرف أصيل فيما يسمى بالموافقة المستنيرة التى تعنى عدم إجراء أى تجربة على أى مريض إلا بعد توقيع المريض بالموافقة على المشاركة فى البحث.
سيناريو تسجيل الباحثين لبراءات اختراع لأدوية جديدة لعلاج السرطان وفيروس سى، يبدأ بمشهد تقدم الباحث لتسجيلها فى مكتب براءات الاختراع التابع لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، وفى حالة رفضها، يلجأ الباحثون لتسجيلها فى أحد المكاتب الدولية التى لا تحتاج سوى دفع رسوم لا تتجاوز ٥٠٠ دولار كتأمين للبحث، شريطة أن يفصل فى الفكرة فى فترة لا تتجاوز ١٨ شهرًا، فى حين أن مكتب تسجيل براءات الاختراع فى مصر قد يحتاج إلى ٦ سنوات للحصول على براءة الاختراع.

فئران تجارب
الدكتور مخلوف محمد إبراهيم، الباحث الكيميائى بقسم الهستولوجى، بكلية طب بجامعة الأزهر، صاحب براءة اختراع علاج السرطان بجزيئات الأكسجين المذاب، قال إن اختراعه يعتمد على فكرة أن «الخلايا السرطانية خلايا لاهوائية لا تعيش إلا فى حالة نقص أو انعدام الأكسجين»، فيتم تعويض الخلايا المصابة بالأكسجين الناقص عبر تركيزات ونسب محددة، الأمر الذى يؤدى للشفاء من الخلايا السرطانية.
ولفت إلى أن الفكرة مستمدة من العالم الألمانى «أوتو توبرج» والتى حصل بموجبها على جائزة نوبل، وأجريت عليها عدة أبحاث تجريبية على الحيوانات استمرت لمدة ١٦ عامًا فى جامعة الإسكندرية وكلية طب وعلوم وصيدلة والمركز القومى للبحوث ومعهد الأورام القومى، وتم تسجيل الفكرة فى أكاديمية البحث العلمى، وتم تجريب العقار على الشرائح البشرية بالمعهد القومى للأورام، وحصلنا على نتائج إيجابية فى علاجات سرطان الكبد والمثانة وعنق الرحم والقولون والدم، كما تم زرع خلايا سرطانية فى كبد الفئران وبعد تجريب العلاج حصلنا على نتائج إيجابية.
وأضاف: بعد ثبوت نتائج وفاعلية الدواء فى التجارب المعملية، كان لا بد من إجراء التجارب السريرية لمعرفة درجة الأمان والفاعلية على الإنسان، وبالفعل تقدمنا بطلبات للحصول على الموافقة من لجنة أخلاقيات البحث العلمى لوزارة الصحة باعتبارها آخر محطة للتصريح قبل إجراء التجارب، لكن الطلب قوبل بالرفض، وفشلت جميع المحاولات لتجريب العلاج على ١٠٠ مريض فى مستشفى الحسين الجامعى، ولم يعد أمامى سوى التحايل عن طريق تسجيل العقار كمنتج غذائى فى إحدى الوزارات المعنية مثل وزارة الصحة، وقمت بتجريبه على المرضى وحصلت على نسب شفاء تتعدى ٧٠٪، بعد تناول الحالات للعقار.
الدكتور شريف صلاح، استشارى التحاليل الطبية، والباحث فى علم الفيروسات، ومدير مركز الرحاب التخصصى، أكد أن لديه براءة اختراع لعلاج فيروس سى، ونشرها فى مجلة علمية متخصصة وهى «hy pothesis journal».
وأوضح أن العقار مستخلص من مواد طبيعية وبيولوجية مثل العلاج الكيمائى والعلاج بالأجسام المضادة، مضيفاً: «أجريت تجارب سريرية على مصريين وكانت النتائج متقدمة، كما أن العقار بصدد الإعلان عنه مع شركه عالمية».
وأكد أنه لجأ للتنسيق مع شركة عالمية لطرح العقار الجديد بعدما فشلت جميع محاولات تجريب الدواء وتسجيله، نتيجة لرفض اللجان المتخصصة بوزارة الصحة.
وأضاف: «عندما وصل الأمر للدكتور سعد المغربى، رئيس إدارة المؤسسات العلاجية غير الحكومية قال لي: ابعد عن عش الدبابير».
ويمتلك «صلاح» براءة اختراع أخرى لعلاج التصلب المتعدد وقد أجريت عليه تجارب أولية ومعملية أعطت نتائج إيجابية- حسب قوله.
الدكتور «شريف. ص»، اعترف بإجراء التجارب النهائية لابتكاره على البشر وحققت نتائج نجاح ١٠٠٪ وتم تطوير العلاج وتجريبه على المصريين لصالح شركة «كندية سويسرية مشتركة» بالتنسيق مع جامعة أورشليم فى إسرائيل، التى أضافت إلى المركب مادة مستخلصة من الأرز الأبيض فى إحدى جزر اليابان.
«شريف» أكد أن غانا وأوغندا من الدول التى تنشط فيها تجارب علاج الإيدز، وتحولتا إلى حقول تجارب للشركات العالمية التى تستغل حالة الفقر فى البلدين لتجريب العقارات الجديدة مقابل دفع الدولارات.
وبرر قيام الباحثين بمثل هذه الأفعال وعلى رأسها التحايل على القانون واللجوء لشركات الدواء العالمية، بسبب عدم وجود مراكز بحثية متخصصة ذات جودة عالمية أو احترافية فى صناعة الدواء لديها القدرة على نقل الأبحاث المعملية والأوراق البحثية وبراءات الاختراع التى تسجل أفكارًا لصناعة الدواء، مشددًا على عدم وجود بحث علمى حقيقى فى مصر، وعدم وجود داعمين أو تمويلات للأبحاث العلمية، أو تأمين على المرضى، كما لا توجد وزارة لـ«التطبيق العلمى» تتولى تنفيذ المشروعات البحثية وتحويلها لدواء.
«شريف» قال إن البحث العلمى غير موجود فى مصر، كما لا يوجد أى اهتمام أو وضع ميزانيات لدعم تحويل الأبحاث المكتبية لعقاقير ودواء، موضحًا أنه منذ ١٠ سنوات بدأ تسجيل براءات الاختراع فى مكتب خاص بأكاديمية البحث العلمى التابع لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، وظلت الأوراق حبيسة الأدراج لقرابة ٨ سنوات، وهى مدة كبيرة جدًا تدفع الباحثين لتسجيل براءات اختراعاتهم فى المكاتب الدولية والتى تتطلب فقط ١٨ شهرًا فى مقابل تسديد رسوم ٥٠٠ دولار.
وأكد «شريف» أن لديه براءات اختراع فى علاج أمراض «فيروس سى والتصلب المتعدد أو المتناثر والإيدز» وحصل على شهادات تكريم من مؤتمرات دولية، مشددًا على أن براءات الاختراع لا تمثل سوى خطوة أولى فى صناعة الدواء، وتتطلب بعدها إجراءات وخطوات متتابعة وميزانيات تتعدى مئات الملايين من الجنيهات تعجز الدولة المصرية عن توفيرها، ما يتسبب فى ضياع أكثر من ٣٠٠ براءة اختراع سنويًا دون جدوي.
التجارب المخالفة للأدوية «تحت التجريب» دفعت وزارة الصحة لإغلاق مركز الرحاب التخصصى وفقًا للقانون رقم ١٥٣ لسنة ٢٠٠٤ الذى ينظم المؤسسات العلاجية غير الحكومية والتى يسهل من خلالها إجراء مثل هذه التجارب السريرية من وزارة الصحة.

تجارب سريرية
«البوابة» حصلت على نسخة من تقرير «بيرن» الذى ذكر أنه تواترت الأخبار عن إجراء تجارب سريرية دون معرفة وزارة الصحة، والتى تكشف عن إجراء عدد من التجارب بالتنسيق مع عدد من الشركات الكبرى، ناهيك عما نشر فى دوريات طبية وهى منظمة «إعلان بيرن»، وهى منظمة دولية معنية بالحفاظ على قانون التجارب السريرية، و«إعلان هلسنكى سنة ١٩٤٩»، والذى ينظم التجارب الطبية على البشر ويضع عددًا من الشروط والضوابط لإجرائها.
وذكرت المنظمة على موقعها الإلكترونى أن اثنتين من الشركات السويسرية العاملة فى مصر تقومان بإجراء تجارب سريرية فى مجال أدوية سرطان حديثة تستخدم فى مصر، الأمر الذى أثار العديد من الشكوك، واعتراضًا من جهات علمية فى سويسرا التى قدمت إليها نتائج الدراسات، وسبب اعتراضها عدم وجود قانون للدراسات السريرية حتى الآن فى مصر، والتشكيك فى قدرات جهاز وزارة الصحة المصرية فى إشرافه على أى تجارب سريرية فى ظروف غير مناسبة، أو مطمئنة للجهات العالمية، وأوصت هذه الجهات بوقف أى تجارب سريرية فى مصر وعدم الأخذ بما تم إجراؤه بأثر رجعى.
المنظمة قالت إن هذه التجارب تمثل انتهاكًا كبيرًا لميثاق هلسنكى، ومواثيق حقوق الإنسان فى عدد من دول العالم الثالث، وفجرت المنظمة قنبلة حيث تقول إن الشركتين السويسريتين لم تسجلا هذه الأدوية فى أوروبا أو سويسرا».

لا مانع من إجراء التجارب بشروط
الدكتورة عزة صالح، رئيس الإدارة المركزية للتنمية والبحوث الصحية القومية، نفت أى خلافات بين لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة، والباحثين المتقدمين للحصول على موافقة إجراء التجارب السريرية، مضيفة: «لكن الأمر ليس سهلًا ويتطلب مجموعة من الاشتراطات تسمى ترتيب الملف الدوائى للعقار وكلها اشتراطات وخطوات تهدف لقياس أمان الدواء قبل التصريح بتصنيعه».
«صالح» أكدت أن من يقوم بعمل أبحاث على البشر لا بد له من الحصول على موافقة من الجهة التابع لها سواء كان مركزًا بحثيًا أو جامعة، ولا يمكن إجراء أى تجارب سريرية إلا بعد موافقة لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة، بعد استيفاء الأوراق المطلوبة، بعد دراسة التأثيرات الجانبية للعقار، علاوة عن بوليصة تأمين على المرضى المشاركين فى التجارب.
وأضافت أن الموافقة على إجراء التجارب السريرية تتطلب الحصول على ما يسمى «الموافقة المستنيرة» التى بموجبها يوافق المبحوث أو الشخص المريض على إجراء التجارب عليه، وهى أمور لا تتم إلا بعدما يكون الباحث قد انتهى من إجراء التجارب المعملية، والتى تتم فى المعامل المتخصصة على الحيوانات وفئران التجارب.
وتابعت: التجارب السريرية على الإنسان تمر بأربعة مراحل أولاها إجراء التجارب على أصحاء تمامًا، ويكون العدد محدودًا لقياس مدى سمية العقار ومدى فاعليته ودرجة الأمان وأفضل طريقة لتناول الجرعة وكمياتها والأعراض الجانبية، وهذا يحدث إذا كان الدواء مصريًا، وغالبًا إذا كان مستوردًا تشترط وزارة الصحة أن تجرى هذه التجارب فى بلد المنشأ.
المرحلة الثانية تتطلب تجريب العقار على عدد محدود من المرضى عددهم يصل لعشرات أو مئات وتتابع النتائج، تليها المرحلة الثالثة تجريب الدواء على شريحة واسعة من المرضى، قبل الانتقال للمرحلة الرابعة وهى الموافقة الرسمية لنزول العقار للسوق.
وأوضحت أن الموافقة على العقار تكون لمدة سنة واحدة فقط، وتتطلب متابعة دورية كل ٣ شهور وفى حالة حدوث أى مخالفات أو أعراض جانبية يسحب الدواء من السوق ويصدر به منشور دورى من الإدارة المركزية للصيادلة.«صالح» أكدت أن الدستور المصرى يجرم إجراء التجارب على البشر فى مادته رقم ٦٠ التى تنص على «لا يجوز إجراء أية تجارب طبية أو علمية إلا بعد موافقة الشخص نفسه»، لافتة إلى أنه منذ عام ٢٠١١ يجرى وضع مسودة قانون بالتعاون بين وزارتى الصحة والتعليم العالى والبحث العلمى والأزهر ومجلس الدولة وممثلين من منظمة الصحة العالمية، وهو ما لم يتم حتى الآن.

15 عاما لتصنيع الدواء
الدكتور عمرو يوسف، سكرتير لجنة أخلاقيات البحث العلمى بوزارة الصحة قال: هناك فرق شاسع بين براءة الاختراع وصناعة الدواء، فمن المفترض أن تنتهى علاقة الباحث بمجرد تقديم ملف الدواء للجهة المختصة، ولا يحق له نهائيًا إجراء التجارب السريرية أو الإكلينيكية، ولا يقبل الملف إلا بعد استيفاء الشروط من التمويل والتصنيع الجيد وفحص «العينات» من أطباء متخصصين فى مجال الدواء، موضحًا أن تصنيع الدواء قد يستغرق من ١٠ إلى ١٥ عاما وليس كما يظن الباحثون من ٣ إلى ٥ سنوات.
يقول الدكتور أحمد السواح، الخبير الدولى فى مجال صناعة الدواء، إن التجارب السريرية غير مقننة حتى الآن وهناك مشروع قانون لم ير النور، لافتًا إلى أن الدكتورة نادية زخارى، وزيرة البحث العلمى السابقة، شددت فى محاضرة لها فى مارس ٢٠١٦ على «عدم جواز إجراء أية تجارب سريرية قبل إقرار القانون، فضلًا عن عدم وجود قانون فى مصر حتى الآن».
ويضيف «السواح»: لا يجوز لأى من المراكز البحثية فى مصر، إجراء التجارب السريرية قانونًا ولكن الشيء الممكن الوحيد عمله الآن هو تأكيد النتائج التى أقرت عالميًا بعد الموافقة على الدواء، وذلك على المرضى المصريين للاطمئنان على مطابقته لجينات الشعب المصري.
وعن موقف المراكز البحثية فى المستشفيات العامة والخاصة أو التعليمية، قال «السواح» إنه موقف «مائع» وليس له أى بروتوكول رسمى من الدولة وما تفعله المراكز هو الحصول على البروتوكولات العالمية من الشركات المنتجة للدواء وتطبيقها بشكل غير قانوني.
وأضاف: أما المريض، فلا حول له ولا قوة ولا يستطيع اتخاذ أى إجراءات تحميه إذ أنه يقوم بالتوقيع على موافقته بإجراء تلك التجارب قبل تناول الدواء وظهور النتائج أو الأعراض، وهذا التوقيع فقط يضيع حق المريض ولكن لا ينفى التهمة.
وتابع: أما إشكالية الأطباء المسجلين لبراءات اختراع فى أمريكا أو كندا، ثم يبدأون بالترويج لها فى الصحف باعتبارها علاجات لأمراض مثل فيروس سى والسرطان، ويعلن عنها فعليًا، وبعد ذهاب المريض يتحجج بأنه لديه مشاكل مع وزارة الصحة ويبدأ فى تجريب الدواء، وبالطبع لا نستبعد أن هذه التجارب تجرى بشكل دورى لإرسالها لإحدى الشركات العالمية فى إجراء «غير قانونى وغير أخلاقى».
«السواح» قال إن شركتى نوفارتيس وروش السويسريتين هما أكبر شركتان استخدمتا المصريين فى تجارب الدواء على البشر، حيث سجلتا منذ أوائل ٢٠١٦ فقط ٢٨ تجربة من أصل ٥٧ لتحتل مصر المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا فى ترتيب الشركات المتعددة الجنسية فى القارة الإفريقية حول إجراء مثل هذه التجارب بحسب ما كشفه تقرير مؤسسة بيرن السويسرية غير الحكومية، والتى أكدت أن أغلب هذه التجارب كانت لعلاج السرطان، لافتًا إلى أن سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود تأمين صحى لأكثر من ٥٠٪ من المصريين يجعل هذه التجارب المشبوهة الفرصة الوحيدة للآلاف من المصريين للعلاج.

الشطب عقوبة المخالفين
استنكر الدكتور رشوان شعبان، أمين عام مساعد نقابة الأطباء، مشاركة عدد من الأطباء فى تلك التجارب على المرضى دون التنسيق مع لجنة أخلاقيات البحث العلمى، مضيفًا: فى حالة ثبوت الجريمة على الطبيب يحال على الفور للجنة آداب المهنة، ويتم عقابه بالجزاء بداية من اللوم وحتى الشطب النهائى من نقابة الأطباء، وسبق بالفعل توجيه إيقاف عضو لمدة عام بسبب التجارب السريرية غير الأخلاقية، وبعدها تم شطبه نهائياً؟
المكتب الفنى بالإدارة المركزية للصيادلة نفى تسجيل أى عقاقير لعلاج السرطان والتصلب المتعدد، بأسماء الأطباء الواردة أسماؤهم فى التحقيق، مؤكدًا أنه طبقًا للإجراءات والقواعد التى يتم العمل بها فى الإدارة المركزية للشئون الصيدلية لتسجيل المستحضرات الصيدلية يتم التقدم بطلبات التسجيل من قبل مصانع مرخصة أو شركات مقيدة بوزارة الصحة، وذلك لضمان توافر مكان آمن للتصنيع ولإحكام الرقابة على المستحضرات الصيدلية، كما أنه لم يسبق أن تقدم أفراد لتسجيل أى من المستحضرات الصيدلية، ما يكشف أن الأدوية الموجودة بالسوق لعلاج السرطان والتصلب المتعدد غير مسجلة. 

مراكز غير مرخصة
مصادر مسئولة أكدت وجود ١٤ مركز «تكافؤ حيوى» فى مصر مرخصة من وزارة الصحة، ولكنها غير معتمدة دوليًا، مشيرة إلى أن ترخيص هذه المراكز وإجراء دراسات التكافؤ الحيوى بها يتم طبقًا للمعايير الدولية والقواعد العالمية، وفى إطار التعاون مع الأردن فإنه يجرى التنسيق مع هيئة الغذاء والدواء الأردنية «JFDA» لاعتماد بعض مراكز التكافؤ الحيوى بجمهورية مصر العربية، الأمر الذى يسهم فى تسهيل إجراءات التصدير للخارج. 
المصادر أكدت أن تسجيل براءة اختراع الأدوية يتم طبقًا لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ من خلال مكتب براءات الاختراع المصرى، أما فيما يخص تسجيل المستحضرات الصيدلية بوزارة الصحة حتى يسمح لها بالتداول بالسوق المحلية فيتم طبقًا لقانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ والقرارات الوزارية المنظمة لذلك، ولا يشترط حصول المستحضر على براءة اختراع حتى يتم تسجيله بوزارة الصحة.