الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في عشق صاحبة الجلالة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتحت للألوان صفحات قلبَك، وصُحُفَكْ، لكى تصافح الناس عند كل إشراقة شمس، وتزف النبرة الرشيقة، وتشع الفكرة المتفائلة.
آمنت بأن الصحافة فن، وليست صناعة، فسعيت دومًا لتطعيمها بمختلف فنون الإبداع، ليكتمل الشكل مع المضمون، وتتحول الصفحات الجرداء إلى واحات خضراء، وجنات من الألوان والظلال.
أدركت أن الجمال ينبغى أن يكون لغة التفاهم بين الناس، لأنه اللغة التى تنفذ مباشرة إلى القلوب، فكنت رسولاً رائعًا للجمال -شكلاً ومعنى- متجسدًا فى معانى الحق والحب والحرية! 
فهمت أن الناس متى تذوقوا الجمال، فإنهم يدمنونه، ومتى أدمنوه، فإنهم لا يتخلون عنه، بعد أن أصبح جزءًا من كيانهم، وبعضًا من طبيعتهم.
نعترف لك بالفضل، لأنك فتحت فى الصحافة نافذة للفن والجمال، تطل منها على الناس، لكننا نعتذر لك، لأننا لم نستطع ملاحقة خطواتك العملاقة، وطموحك الجامح، وأخيرًا نودعك بغير دموع، فقد كنت تكره الدموع، وتتمنى لو تجف من عيون كل البشر إلى الأبد.
هكذا نعى الفنان التشكيلى «حسين بيكار» الكاتب الصحفى أيقونة الحب والتفاؤل فى الصحافة المصرية - الراحل «على أمين».
كنت لا تستطيع أن تفرق بين أسلوبى التوأمين «على أمين» و«مصطفى أمين»، وفى حديث للكاتب الصحفى الراحل «مصطفى أمين»، قال: «كان على إذا بدأ هو يكتب مقالاً، أستطيع أن أُتِمُّه، دون أن أسأله، ماذا كان يريد أن يقول، وكان هو يفعل نفس الشىء».
كتب «مصطفى أمين» فى عموده «فكرة»: «يا ولدى لا تتوهم أن الشهادة التى تحملها هى نهاية العلم، بل هى بداية المعرفة، فالفرق بين العالم والجاهل ليس فى شهادة يحملها، بل هو عدد الكتب التى قرأها، ولا تبحث عن الثروة السريعة، فالذى يجىء بسرعة يذهب بسرعة، ولا تحلم بالمستحيل، بل اصنع المستحيل».
وفى سياق مختلف: «هل نحن فى عصر الفلوس؟! فى الماضى كانت قيمة الإنسان بما فى رأسه، فهل أصبحت قيمة الإنسان بما فى جيبه؟! إن الدنيا تغيرت، فأصبحت الشيكات أنفع من الدرجات العلمية، والرصيد فى البنوك أكثر احترامًا من المؤلفات والمجلدات والأبحاث والفلسفات، لكن الذى لا شك فيه هو أن القلب عندما يمتلئ بالعاطفة يكون أسعد ألف مرة من الجيب وهو ممتلئ بالأموال».
وكتب «على أمين» بعد نصر أكتوبر: «الشمس أشرقت، وستبقى مشرقة، وعلى الذين لا يصدقون أن يفتحوا أعيونهم». 
وفى سياق آخر: «إننى أسعد بكل فرقة «كوميدية» جديدة، لأن معناها أن ضحكات جديدة ستملأ سماء بلادى، وابتسامات كثيرة سترتسم على الشفاه الحزينة بعد سنوات من القهر والدموع، فمن الحقوق الجديدة التى بدأ يتمتع بها الشعب المصرى حقه فى أن يضحك».
وكانت آخر كلماته: «بينى وبين المرض حرب شعواء! لا أنا أستسلم أو أرفع الراية البيضاء، ولا هو يتركنى أعمل كما أريد، أو أعيش كما أريد! إن معاركنا معًا لا تنتهى، مرة أغلبه، ومرات يغلبنى». 
«غادرنى خمسة أطباء، أحاطوا بفراشى، يريدون منى أن أحنى رأسى أمام هذا الطاغية الجبار، وأنا أصر على مقاومته، وتحديه، وإلقاء كل الأدوية من النافذة، والقفز من فراشى، وارتداء ملابسى، والعودة إلى مكتبى!».
«عندما ارتفعت درجة حرارتى بالأمس إلى أربعين درجة، كنت «أخطرف»! فأذكر الصفحات والبروڤات والأعمدة والأخبار، وأتحدث وأنا مغمض العينين إلى محررين وهميين، وعندما انتهت هذه «الخطرفة»، عدت أفكر فى الكتابة من جديد، وكأننى أتوسل إلى المرض أن يتركنى لحظات، ليمنحنى دقائق أؤدى واجبى، لأكتب إلى القراء الذين أحبهم».
«عندما أمْسِك بالقلم فى يدى، تخف آلامى، وأحس أن الحياة دبَّت فىَّ من جديد، كأن الحبر هو إكسير الحياة، وكأن القلم سلك كهربائى، يَحْمل إلى جسدى كهرباء غريبة، تدير كل الخلايا الموجودة فيه».
«كنت دائمًا أحب أن أكون رأسماليًا فى آلامى، فأحتفظ بها كلها لنفسى، واشتراكيًا فى أفراحى، أوزعها على الناس، ولكننى اليوم أحس أن بينى وبين قرائى شِرْكَة، وأن من حقى عليهم أن يقاسمونى الخسائر، كما يقاسموننى الأرباح».
وكتب فى حبيبته: «إن «أخبار اليوم» هى حبيبتى، لا أستطيع فراقها يومًا واحدًا، أدق بابها فى الصباح المبكر، أحيانًا قبل السعاة والفراشين، ولا أتركها فى المساء إلا بعد أن ينصرف أغلب الزملاء!».
وكانت عباراته الشهيرة عن أجمل ما فى «مهنة الصحافة»: «يشعر الكاتب أن القراء هم أهله، وإخوته، وأشقاؤه، وأبناؤه، ويحس أنهم يهتمون به، كما يهتم بهم، وأنه قطعة منهم، وهم قطعة منه، وهذا ما جعلنى أحس برغبة دائمة أن ألقاهم كل يوم، وأن أصافح كل يد، كأننى أقول لكل واحد منهم «صباح الخير»، فهذا الشعور العجيب الذى يربط الكاتب بقرائه هو أجمل ما فى مهنة الصحافة».
تلك هى القصيدة الملهمة والمتجددة فى عشق «صاحبة الجلالة»، أو وجه الصحافة المشرق، الذى كان يصافحنا عند كل صباح، والذى تغير -الآن- إلى مجرد مهنة جوفاء، تعانى من علة العجز والتقزم، بعد أن أصابها خلل الشكل والمضمون، فتحولت الحدائق المثمرة إلى صحراء قاحلة، خالية من كل فنون الإبداع، وأناقة الفكر، وجمال الروح.