الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الدستور "مفيهوش" مصالحة مع الإخوان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل هناك قوى خفية داخل الدولة تريد تحضير جماعة الإخوان للمشهد السياسى؟ أم أن هناك ضغوطا خارجية لفرض المصالحة معهم؟
لماذا تتكرر دعوات المصالحة فى أعقاب زيارات قيادات التنظيم الدولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟
ما الذى يريده وزير الشئون البرلمانية والقانونية وبعض النواب من تفسيراتهم الخاطئة لقانون العدالة الانتقالية؟.. هل تم إعداد مشروع القانون؟.. إذا كان هذا قد حدث فلماذا لم يتم عرضه للنقاش المجتمعى؟.. وماذا جرى فى الكواليس؟
هذه التساؤلات المشحونة بالدهشة والصدمة، فرضت نفسها بقوة على خلفية المعلومات المتناثرة، بشأن المصالحة مع الجماعة، المارقة عن الصف الوطنى، العابثة بأمنه واستقراره، وحفزت فى نفس الوقت، على توجيه سهام الاتهامات صوب الحكومة، بالتواطؤ، وعدم القدرة على مواجهة الرأى العام، سواء بنفى أو تأكيد المعلومات، الأمر الذى فتح بوابات التكهن بتورط الحكومة فى صفقات مشبوهة، ينطبق عليها ما هو شائع «مفيش دخان من غير نار».. فهذه المقولة، يتم ترديدها لحسم الجدل فى القضايا التى تختلط فيها الشائعات بالحقائق، فهى تؤكد أن الدخان لا ينبعث فى الهواء، إلا إذا كانت هناك نار موقدة.
المقولة الرائجة فى الأدبيات الشعبية، تؤكد حقيقة، مفادها بأن الأشياء لا تولد من العدم، أى لا بد أن يكون لها أصل، أو بمعنى أكثر دقة، أى معلومة تتطاير هنا أو هناك، أو أى حديث يتردد حول قضية ما، لا يمكن الاستمرار فى ترديده، حتى الملل، إلا إذا كان هذا الحديث منطلقا من حقيقة ثابتة.
تذكرت هذا كله أثناء متابعتى «للمسخرة»، التى يطلق عليها مجازا فى الأوساط السياسية والإعلامية، مصطلح المصالحة مع الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء من جماعة الإخوان، على خلفية ذلك الترويج الزائف، انطلقت بعض الأبواق فى ترديد النغمة النشاز بطريقة تبدو متقنة وممنهجة، دون الأخذ فى الاعتبار أن المنتمين إلى الجماعة إرهابيون بالتكوين، ويباركون جميع الجرائم التى جرى ارتكابها، ويؤمنون بنفس الأفكار، وينفذون ذات التعليمات التى تصدر من قيادات التنظيم، وهذا يعنى أن عقولهم ملوثة بجميع المصائب التى لحقت بنا.
إن تكرار الحديث يؤكد أن النية تتجه نحو الاستمرار فى تلك «المسخرة»، ولولا وجود هذه النية ما جرى ترويج التفسير المغلوط لمفهوم قانون العدالة الانتقالية وترويجه، كمقدمة، القصد منها المصالحة مع الجماعة المارقة، فالقانون نص عليه الدستور فى المادة ٢٤١، والمادة ذاتها حددت الإطار العام للقانون، وأصبح هذا الإطار ملزما للكافة، منذ نفاذ العمل بالدستور، ولا يجوز بحال من الأحوال الخروج عنه لأى سبب، كما لا يجوز الالتفاف عليه تحت أى دعوات أو مواءمات، وهذا نص المادة «أن يكفل القانون كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا وفقا للمعايير الدولية، وألزم مجلس النواب بإصداره فى دور الانعقاد الأول له».
لذا أقول لكل جهابذة الإفتاء من محترفى العهر السياسى، إن الدستور «مفيهوش إخوان»، بمعنى أنه أكد وحدد بوضوح لا يقبل التأويل، على المصالحة الوطنية، أى مع قوى وطنية، أؤكد مرة أخرى، المصالحة مع قوى وطنية، وليس المصالحة مع أعداء الوطن، بل ألزم بكشف حقيقة ما ارتكبوه من جرائم إرهابية فى حق المجتمع وتعويض ضحايا الإرهاب والشهداء من المدنيين وضباط وجنود الجيش والشرطة. 
أما المثير للاشمئزاز فهو محاولات القفز على الحقيقة المقصودة فى الدستور بطريقة توصف بـ«العهر السياسى»، خصوصا أن التشريعات تخرج إلى النور مجردة عن الأهواء، لا تستهدف فردا بعينه، أو فئة بعينها، أو جماعة بعينها. 
لكن ما أثار دهشتى هى السخافة فى ترديد تلك الـ«هرتلات»، وتجاهل أمورا أكثر أهمية، مثل ضرورة إصدار قانون يستهدف تطهير مؤسسات الدولة من العناصر المنتمية للجماعة.
فى هذا السياق، يلزم التأكيد على جملة من الحقائق، مضمونها يشير إلى أن أطرافا داخل الدولة، وفق المعلومات المتداولة، تلعب أدوارا غامضة تسير فى اتجاه دعم الجماعة المارقة فى إطار ما يسمى بالمواءمات السياسية التى تندرج تحت لافتة الصفقات المشبوهة، دون إدراك أن هذه المحاولات مرفوضة شعبيا، كما أن الحديث عن وجود شخصيات قريبة من دوائر صناعة القرار منسوب لها القيام بهذا الدور، يساهم فى فقدان ما تبقى من ثقة فى هذه الدوائر.
اللافت للأنظار أن الحديث عن المصالحة مع الجماعة المارقة، لا يأتى مصادفة، غالبا يأتى فى سياق متزامن مع قيام الإدارة الأمريكية بعقد لقاءات ومشاورات مع قيادات التنظيم الدولى للإخوان فى واشنطن، بهدف الضغط على الدولة المصرية، هذه الحقيقة لا يمكن لأحد مهما بلغت براعته، القفز عليها أو تجاهلها، فالإدارة الأمريكية جعلت الجماعة منذ عدة عقود إحدى أوراق الضغط التى تلوح بها فى وجه الدولة المصرية، فضلا عن أنها أهم أدواتها فى تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية، أصبحت المنطقة بأكملها تعانى ويلات الإرهاب الأسود الذى خرجت تنظيماته على اختلاف مسمياتها من رحم تنظيم الإخوان «الجماعة الأم» التى أسست ودربت وخططت لكل أشكال الخراب فى المنطقة بأكملها.
المروجون للمصالحة منحوا أنفسهم حق الوصاية على المجتمع، كما أنهم تجاهلوا عمدا أهم طرف فى معادلة الاستقرار، وهو الشعب الذى يدفع يوميا ثمن الإرهاب عبر سقوط الشهداء من خيرة أبنائه من ضباط وجنود الجيش والشرطة، منحوا أنفسهم هذا الحق بدون دراية بأن غالبية المجتمع لم تفوض أحدا بالمصالحة، سواء نواب البرلمان، أو كبارا وغيرهم من وزراء أو مسئولين فى جهات تدير المشهد من خلف الستار.
الغريب فى الأمر أن تلك النمازج المهووسة بالظهور أمام الفضائيات وإطلاق التصريحات بمناسبة ودون مناسبة، يعرفون بحكم مواقعهم حقيقة الصفقات المشبوهة بين الإخوان ودوائر صناعة القرار الأمريكى، ولديهم دراية كاملة بالمخططات الرامية إلى توسيع نطاق الإرهاب، سعيا لإرباك الدولة المصرية، كما يعلمون أكثر من غيرهم أن الشعب لن يسمح لهم بتمرير مثل هذه الأمور.
إن القراءة المتأنية لجوهر الأطروحات العبثية تؤكد أنها ليست بريئة بالمرة، والواقع أيضا يؤكد بما لا يدع مجالا لأى شك أن غالبية المصريين بتنوع شرائحهم الاجتماعية وتباين مواقفهم السياسية فى القضايا التى تخص الشأن العام يرفضون أى أحاديث تتضمن مجرد التلميح عن المصالحة مع جماعة قامرت بالوطن على موائد الشيطان، وشربت نخب فضائحها فى حانات واشنطن والدوحة وإسطنبول، فهل يمكن أن تذوب هذه الجماعة التى استباحت الدماء وعاثت فى الأرض فسادا فى نسيج الوطن، قطعا لا أمان لمن تربى فى بيت الأفاعى.