الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فشل الانقلاب وسقطت الدولة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عنوان هذا المقال فيه تلخيص موجز لما حدث فى تركيا. لأن الانقلاب إذا كان قد فشل - بحكم عدم إجماع قادة القوات المسلحة التركية على القيام به - إلا أنه ترتب عليه سقوط الدولة التركية بالمعنى الدقيق للكلمة!. 
والغريب أن هذا السقوط التدريجى لم يحدث باعتباره إحدى نتائج الانقلاب الفاشل بل إنه يحدث الآن نظرًا للسياسات الانتقامية الحمقاء التى اتخذها رجب طيب أردوغان!. 
وهذه القرارات تضمنت إقالة عشرات الألوف من الموظفين فى أجهزة الدولة المختلفة، من بينهم مائة عميد لكليات جامعية متعددة، بالإضافة إلى عشرات الجنرالات والضباط والجنود الذين تم القبض عليهم تمهيدًا لمحاكمتهم على أساس ضلوعهم فى الانقلاب، وذلك بغير تحقيقات موضوعية نزيهة. 
ومعنى ذلك أن الموظفين وأساتذة الجامعات وضباط الجيش التركى أصبحوا يعاقبون بالشبهات، وليس نتيجة تحقيقات قانونية موضوعية. 
ويلفت النظر حقا أن «أردوغان» قرر حل الحرس الرئاسى بالكامل. ويبدو أنه يريد فى المستقبل القريب الاعتماد على «أهله وعشيرته»، إذا استخدمنا هذا التعبير الذى كان أثيرًا لدى الرئيس المخلوع دكتور محمد مرسى. 
قد لا يبدو هذا القرار يمثل خطورة ما لأن أردوغان حرّ فى أن يشكل الحرس الرئاسى الخاص به من مجموعات تدين له بالولاء المطلق، مع أن ذلك مضاد للتقاليد المرعية فى كل دول العالم. وهذه التقاليد تقوم على أساس أن الحرس الجمهورى لرئيس الجمهورية يتشكل أساسًا من القوات المسلحة وليس من مدنيين يتم تسليحهم لحراسة الرئيس!. 
غير أنه أخطر من ذلك كله أن أردوغان قرر القيام بعمليات تطهير واسعة المدى فى كل مؤسسات الدولة، لإقالة من يعتبرهم ممثلين للدولة «العميقة» والذين هم فى رأيه ينتمون إلى حركة الخدمة التى يرأسها خصمه التاريخى كولن. 
وهذه العمليات التطهيرية ستتم فى كل مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها القوات المسلحة والقضاء والمؤسسات الجامعية وغيرها من المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى الجهاز البيروقراطى للدولة. 
ومعنى ذلك أن «أردوغان» يظن وهمًا أنه يستطيع بقراراته المنفردة إعادة صياغة المجتمع التركى بمؤسساته المختلفة على هواه!. 
غير أن أخطر قرارات أردوغان التى أعلن عنها أنه قرر إعادة هيكلة القوات المسلحة حتى يطهرها من العناصر غير الموالية له. 
وهذا القرار يدل على جهل عميق بعملية تشكيل القوات المسلحة فى المجتمعات المعاصرة. فهذه العملية تقوم أساسًا على المواريث التاريخية لنشأة القوات المسلحة، بالإضافة إلى التراكم التدريجى للتقاليد التى تحكم سلوك الضباط وصف الضباط والجنود. وفى مقدمة هذه التقاليد الاحترام الشديد للتراتب، والانضباط الصارم والتدريب العسكرى الراقى الذى لا يتوقف عن التطور، أخذًا فى الاعتبار الأسلحة الجديدة التى تدخل الخدمة، والتى تحتاج فى مجال استخدامها وإدارتها إلى مواصفات علمية خاصة فيمن يتولون تشغيلها. 
وإذا أضفنا إلى ذلك الأهمية القصوى للعقائد القتالية للقوات المسلحة والتى تتشكل وتنمو تاريخيا بحكم تقديس قيم الوطنية، واعتبار الدفاع عن حدود الوطن واجبًا أساسيًا يمكن الاستشهاد فى سبيل تحقيقه، لأدركنا أن تفكيك القوات المسلحة كما يفكر أردوغان وإعادة هيكلتها سيؤديان بالضرورة إلى السقوط التدريجى للقوات المسلحة وعجزها عن القيام بدورها الرئيسى فى الدفاع عن البلاد ومواجهة الأعداء. 
وإذا كان «أردوغان» يظن أنه يستطيع الاستغناء عن الضباط المحترفين ممن تلقوا تدريبا عسكريا راقيا ومروا بدورات تدريبية متعددة لصقل مهاراتهم، والاعتماد أساسًا على مجموعات من «أهله وعشيرته» لكى يشكل بدلا من القوات المسلحة التقليدية ما يشبه الحرس الثورى الإيرانى، فهو فى الواقع يوقع نفسه فى فخ تاريخى سيؤدى إلى فشله السياسى المطلق. 
ويكفى فى هذا الصدد أن نشير إلى القرارات المدمرة التى اتخذتها قوات الاحتلال الأمريكية، حين احتلت العراق بعد سقوط النظام العراقى فيما يتعلق بحل الجيش العراقى. وذلك لأنه ترتب على هذا القرار كوارث كبرى فلم تستطع الدولة العراقية التى تشكلت بعد الاحتلال إعادة بناء الجيش مرة أخرى بعد أن تمت تصفيته من كبار قادته، وبعد أن خسر أبرز ضباطه. ولعل انهيار الجيش العراقى الجديد أمام قوات تنظيم داعش الإرهابية دليل مؤكد على خطورة تفكيك الجيوش الوطنية. 
فقد استطاعت العصابات الإرهابية الداعشية احتلال «الموصل» وغيرها من مدن عراقية كبرى، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من بغداد عاصمة الدولة. ومن هنا يمكن القول إن القرارات المتسرعة الحمقاء التى اتخذها «أردوغان» ستؤدى إن عاجلًا أو آجلًا إلى السقوط التاريخى للدولة التركية!.