الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فرج فودة.. خطة القتل خرجت من سجن طرة

أفكار فوق حبل المشنقة (الأخيرة)

فرج فودة
فرج فودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل اغتيال فرج فودة بعشرة أيام وبالتحديد فى 27 مايو 1992 قال الشيخ محمد الغزالى فى ندوة بنادى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عن فرج فودة وعن فؤاد زكريا «إنهم يرددون كلام أعداء الإسلام فى الخارج.. ربنا يهديهم.. وإن ماهداهمش.. ربنا ياخدهم»، وكانت هذه، مع بيان ندوة علماء الأزهر، بمثابة رسالة التكليف بالقتل. ونشرت جريدة النور فى يوم 1 يونيو 1992، أى قبل اغتياله بأسبوع واحد، بيانا لجبهة علماء الأزهر (ندوة علماء الأزهر وقتها) برئاسة عبدالغفار عزيز ونائبه محمود مزروعة يكفر فرج فودة تكفيرا صريحا بدعوة أنه مرتد ومن ثم يستوجب القتل، وأفتى عمر عبدالرحمن بدوره بكفره، وتوالت بعد ذلك فتاوى تكفير فرج فودة فقال وجدى غنيم «قتله هو الحل»، وانتشرت دعوات تكفيره وقتله فى عشرات المنابر الإسلامية المختلفة.
وقد جاء بالفعل تكليف القتل سريعا من صفوت عبدالغنى من داخل محبسه، والذى كان مسجونا بتهمة اغتيال رفعت المحجوب، ونقل التكليف بقتله من داخل السجن فى علبة كبريت.
هل تصدقون أن قاتل فرج فودة أشرف سعيد رمضان، كان أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وأن مساعده أبوالعلا عبدربه يعمل نجارًا، وهو يفك الخط بصعوبة؟
فى كتابه «نكون أو لا نكون» ناقش فرج فودة، أسباب ظهور الإرهاب، وكتب فى مقدمته، «إلى زملاء ولدى الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقا لمقولة آبائهم عني، إليهم حين يكبرون، ويقرأون، ويدركون أننى دافعت عنهم وعن مستقبلهم، وأن ما فعلوه كان أقسى عليَّ من رصاص جيل آبائهم».
يروى فرج فودة فى الكتاب أن سبب التدين السطحى هو تلك الخرافات التى صنعها البشر، مثل مولد يقام فى بلدته لشيخ يسمى «سيدى الأحباس»، وهو شخصية اختلقها فودة بنفسه مع أصدقائه فى مرحلة الصبا، وادعى حينها أن تلك الشخصية زارته فى المنام، وأمرته بإقامة مولد لها، فصدقهم رجل ممن يهوون الخرافات، وبالفعل أصبح لسيدى الأحباس مولد.
بل ويزيد فودة ويقول: «والأكثر طرافة أن بعض من شاركونى فى اختلاق القصة، شاركوا فى سنوات تالية بحماس فى الاحتفال بالليلة الكبيرة للقطب العظيم سيدى الأحباس».
عد النتيجة العكسية للهدف الرئيسى من التنوير المتمثل فى «تمدين الريف»، أى نشر التفكير العلمى المعمق لجوهر الدين، هو الذى سيقضى على التفكير الخرافى المؤدى إلى التدين السطحى.
ودأب فودة فى العديد من مقالاته، وكتبه مثل كتابى «الملعوب» و«قبل السقوط» اللذين صدرا عام ١٩٨٥، على التحذير من انتشار ظاهرة شركات توظيف الأموال، وما سمى وقتها تجربة البنوك الإسلامية، محذرا المستثمرين فيها من ضياع أموالهم.
بداية الصدام الحقيقى لفودة مع الجماعات المتطرفة، حين طالب علانية بعلمانية الدولة فى كتابه الثانى «حوار حول العلمانية»، وكتب فى تعريفها: «إن تعريف العلمانية يشوبه الكثير من الغموض، مما ساعد أنصار الدولة الدينية على إشاعة أنها مفهوم إلحادى يتراوح بين الكفر الضمنى إلى الردة التى لا شبهة فيها».
استباح قتلة فرج فودة دمه باعتباره علمانيا متطرفا يهاجم الدين الإسلامى فى كتاباته، وفق فتاوى الشيخ عبدالغفار عزيز، ومحمد الغزالى، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبى، رغم أنه كان يناقش ظاهرة الإرهاب، ويضع تصورات للخلاص منها، وتنبؤات وقع أغلبها الآن.
«عبدالشافى أحمد محمد رمضان» ٢٦ عاما، يعمل بائع سمك، و«أشرف السيد إبراهيم صالح» ٢٩ عاما، وأبوالعلا عبدربه، نجار، كانوا يراقبون الرجل، بعد أن حكم عليه المشايخ بالردة، وقرروا حرقه بـ(الجاز)، لكن صفوت عبدالغنى رفض ذلك وطالبهم بقتله بالرصاص.
يقول أشرف فى التحقيق: «إن صفوت عبدالغنى طلب من المحامى منصور، اختيار أى أخ شجاع لقتل فرج فودة، ومنصور ساكن جنب مسجد الحسن والحسين، يتردد على المحامين ويرسل لنا أخبارهم، وكنا بنسأله عن بعض الأشياء ليسأل عنها صفوت عبدالغنى، وقال صفوت لمنصور شوف حد من الزاوية لو ينفع ينفذ العملية دى، فمنصور فاتحنى فى الموضوع، فقلت له إنى ممكن أقوم بالعمل، لكن لما منصور أبلغ صفوت، رفض دون إبداء أسباب، وأنا استنتجت أنه رفض لأنى أقوم بأعمال الدعوة فى المنطقة، لكنى قلت لمنصور أنا عايز أنفذ العملية وأعرض على الشيخ صفوت تانى فى الزيارة، فلم يرفض فى المرة الثانية ووافق على أن أنفذ أنا العملية، وفاتحت أشرف فى الموضوع بعدما جاءنى الإذن، وأشرف وافقنى الرأى وبدأنا الرصد والمراقبة». 
اغتيال «فودة» بالرصاص، لم يكن السيناريو الأول لتنفيذ العملية، لكن سبقه سيناريوهان آخران للتنفيذ، جرى استبعادهما، والاستقرار على استخدام النار الحى، هما الاغتيال بواسطة «السلاح الأبيض»، ثم التفكير فى «الحرق بالبنزين». 
«عبدالشافى» قال أمام نيابة أمن الدولة العليا: «بدأت أنا وأشرف نتدرب على السلاح الأبيض، على أساس أنى فكرت أنفذ العملية بالسلاح الأبيض، وكنت باروح أنا وهو، عند واحد اسمه باسم معانا فى الجماعة الإسلامية، وعنده شقة فى شارع ترعة الجلاد، متزوج ومقيم فيها ولم يكن يعرف لماذا نتدرب، ولكنه مع الوقت استشف أن هناك عملية، وكان معانا محمد إبراهيم، وده منضم للجماعة جديد وبيصلح غسالات وساكن فى الشارع اللى فيه مسجد الجمعية الشرعية فى الزاوية، وكان بيدربنا على الكاراتيه، لأنه بيعرف يلعب كاراتيه، وأحيانا كنا نجرى أنا وهو وأشرف فى الشارع وحول القصر الجمهورى بحدائق القبة، وكان فى الأول ما يعرفش إحنا بنتدرب ليه، لكن مع الوقت قلت له على سبب التدريب، وعرضت عليه يشترك معانا فوافق»، مستدركا: «لكن بعد كده استبعدته لأنى غيرت أسلوب التنفيذ، لأن أشرف قال لى إن إحنا ممكن نتمسك لو نفذنا القتل بالسلاح الأبيض، وقال إن إحنا ممكن نقتله بطريقة تانية بأن ندلق عليه جردل بنزين».
باع أشرف ثلاجته لشراء فرد خرطوش بـ١٥٠ جنيها لأن صفوت رفض إعطاءهم أى أموال إلا بعد التنفيذ، واقترض من أشرف عبدالرحيم، تاجر بلاستيك ٩٠٠ جنيه، وأحضرا البندقية التى قتلا بها فودة من أبوالعلا محمد عبدربه.
قام أشرف بسرقة موتوسيكل من شخص قال إنه مسيحى، وبدأ رصد تحركات الدكتور فرج فودة، وعرفا عنوانه عن طريق دليل التليفونات، فى شارع أسماء فهمى.
انتظر القتلة فودة، يوم ٨ يونيو، باعتباره قبل العيد بيوم، الساعة ١٠ صباحا، حتى نزل الساعة ٦ مساءً وبجواره ابنه أحمد، وصديقه وحيد رأفت زكى، فأطلقا عليه الرصاص فظل حيا حتى مات بعد ٦ ساعات فى غرفة الإنعاش.
حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر «يعلم الله أننى ما فعلت شيئا إلا من أجل وطنى».
هرب الشيخ عبدالغفار عزيز إلى الكويت بعد مقتل فرج فودة فاستدعت المحكمة نائبه محمود المزروعى للشهادة فقال أمام المحكمة إن «فرج فودة مرتد بإجماع المسلمين ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده، وهو مستوجب القتل». 
تطوع محمد الغزالى من تلقاء نفسه وذهب للشهادة، وقال فى شهادته «إنهم قتلوا شخصا مباح الدم ومرتد وهو مستحق القتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعى عن كاهل الأمة، وأن تجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، ولا توجد عقوبة فى الإسلام للافتئات على الحاكم. إن بقاء المرتد فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام، فيجب على الحاكم أن يقتله، وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس». 
لم يكتفِ محمد الغزالى بذلك بل نشر بيانا مساندا لمحمود المزروعى وقع عليه وقتها من الشيوخ المعروفين محمد الغزالى، ومحمد متولى الشعراوى، ومحمد عمارة، وذلك قبل أن يهرب المزروعى هو الآخر للسعودية بعد عملية القتل بشهرين.
المتهم الأول أشرف، الذى نفذ فيه الإعدام فى قضية محاولة اغتيال صفوت الشريف قبل انتهاء محاكمته فى قضية فودة، قال إن فرج قفز بالعلمانية ٨٠ عاما للأمام. 
حينما سأله المحقق، أجاب: «قتلته بسبب أنه علمانى متطرف يهاجم الدين الإسلامى فى كتاباته، ويحمل لواء العداء للإسلام، ويرفع شعارات الهلال مع الصليب التى تظهر المسلم والمسيحى كأنهما متساويان فى الحقوق والواجبات، وأنه مع مبدأ فصل الدين عن الدولة، لكن الإسلام دين ودولة».
تقرير الكشف لجثمان الدكتور فرج فودة، بعد وفاته، أنه وصل إلى المستشفى السابعة مساء، وكان يعانى من جروح نافذة إثر طلقات نارية بالبطن، ٤ إصابات من الجهة اليمنى، ومنها واحدة فى منطقة السرة، وأيضا بالذراع اليمنى وجرح آخر فى الفخذ من أعلى الجانب الأيمن، وأضاف التقرير أنه عند حضوره كان يعانى من شبه غيبوبة وتم عمل الإسعافات اللازمة والسريعة، ووجد أنه يعانى من نزيف شديد داخلى إثر تهتك شديد بالجزء الأيمن من الكبد، والكلى اليمنى، والقولون، وعدة تهتكات متفرقة بالإمعاء الدقيقة، وكدمة دموية كبيرة إثر تهتك بالعضلات الخلفية لجدار البطن من الداخل. 
أسدل القاضى الستار على قضية اغتيال المفكر الكبير الدكتور فرج فودة، فى جلسة الخميس الموافق ٣٠ ديسمبر ١٩٩٣، بعد عام ونصف العام من التحقيقات وعقد جلسات المحاكمة، قائلا: «حيث إنه متى كان ما تقدم؛ فإن موازين قرينة البراءة تكون قد ثقلت، بينما خفت موازين أدلة الاتهام، وبناءً عليه حكمت المحكمة: بإجماع الآراء بمعاقبة «عبدالشافى أحمد محمد رمضان» بالإعدام، ومعاقبة «أبوالعلا محمد عبدربه» بالإشغال الشاقة لمدة ١٥ عاما، ومعاقبة «على حسن على» بالأشغال الشاقة لمدة ١٠ سنوات، ومعاقبة «باسم محمد خليل» بالسجن لمدة ٣ سنوات وتغريمه مائة جنيه، وأخيرا براءة كل من «صفوت أحمد عبدالغنى، ومنصور أحمد منصور، ومحمد إبراهيم عبدالحميد، ومحمد عبدالرحمن عبدالواحد، وأشرف محمد عبدالرحيم، وجلال محمود العزازى، وحسن على محمود، ووليد سعد كامل».