الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غربلة التراث أولًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للشيخ محمد الغزالي، رحمه الله تعالى، كتاب قيم عنوانه «تراثنا الفكرى في ميزان الشرع والعقل»، لم يأخذ حظه من عناية الباحثين، ظهر الكتاب في طبعته الأولى ١٩٩١، دار الشروق بالقاهرة، وأتصوره أهم كتب الغزالى في تشخيص العلل والآفات في تراثنا الفكرى المعوقة للنهوض والتقدم، ما زلنا نعانى آثارها الكارثية اليوم في الساحتين العربية والإسلامية. يقول الشيخ: نظرت إلى أمتى الإسلامية، واستشعرت عجبًا من مواقفها! أمة هي خُمس العالم، تبحث عنها في حقول المعرفة فلا تجدها، في ساحات الإنتاج فلا تحسها، في نماذج الخلق الزاكي، والتعاون المؤثر، والحريات المصونة، والعدالة اليانعة... فتعود صفر اليدين!!
يلخص الغزالى حال الأمة في وقته: حكومات فرعونية إقطاعية، وجماهير تبحث عن الطعام، وفن يدور حول اللذة وطرقها، ومتدينون مشتغلون بالقمامات الفكرية. لاحظ أن الغزالى يصف حال الأمة، قبل ربع قرن، فكيف لو عاش ليرى الأوضاع الحاضرة؟!
وبأسلوبه الساخر الذي تميز به، يتحدث عن العقلية العربية وقصة النفط العربي: إن للنفط العربى قصة تبعث على الأسى والسخط، فإن مناجمه كثرت في بلادنا، بيد أننا كنّا مشغولين عنها، نسرح بقطعان الضأن والمعز فوقها، وجاء الخواجات لكشفها، أما نحن فكنا نتنازع هل حديث التوسل صحيح أم ضعيف؟ هل كرامات الأولياء حق أم وهم؟ هل الحكم لبنى هاشم أم لأسر أخرى؟!
يتساءل الغزالي: كيف نجدد الإسلام، وننهض بحال الأمة؟
يرى استحالة النهوض بفكر عصور الانحطاط، ولا بد من غربلة التراث الإسلامى الذي آل إلينا في هذا العصر، لتقوم على خطة تستبقى ما يوافق الكتاب والسنّة وتستبعد ما عداه، مثل:
١- المرويات التي تقرر أن الإسلام توسع بالسيف، وأكره شعوبًا على الإسلام، وفى سبيل ذلك يلغى أو ينسخ أكثر من ١٢٠ آية في حرية المعتقد ونفى الإكراه! يؤكد الغزالى أن الحرية الدينية حق! فيأتى مغمور جهول ليقول: لا إكراه في الدين، آية منسوخة، بطل حكمها!! أقول لدعاة السلام في العالم: نحن قبلكم ندعو إلى السلام، ونكره إراقة الدماء إلا دفاعًا عن عقيدتنا وتأمينًا لدعوتنا، فإذا غلام طائش يقول: كلا إن نبينا قال: بعثت بالسيف وجعل رزقى تحت ظل رمحي، هذا الغلام ما تدبر القرآن، إنه يعرف منطق العصابات!
٢- الموقف من المرأة، فالمرويات التراثية متحاملة على المرأة بوجه عام، وكان لها تأثيرها السلبى على خطباء ودعاة يرون أن المرأة إنما خلقت لتلد الرجال فحسب، ولا تخرج من بيتها إلا إلى القبر! وهكذا يصبح الدين الذي كرم الإنسان ذكرا أو أنثى، على ألسنة بعض الفتانين الجهال، هوانًا بنصف الإنسانية وتحقيرًا لها! إن الصورة التي حسبت إسلامًا وما هي بإسلام أن المرأة كائن ناقص متهم، يحبس في البيت محرومًا من العلم والارتقاء، ومن كل نشاط اجتماعى أو سياسي! النساء في الحضارة الجديدة يغزون الفضاء، ونحن نفتى بأن صلاتها في بيتها أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
٣- تنقية تفاسير القرآن الكريم من الترهات والإسرائيليات، فالقرآن أصدق ما بقى من مواريث السماء، وكان على المفسرين أن يلتزموا شروط الصحة والقبول، ويجنبوا تفاسيرهم التفاهات والخرافات.
٤- إعمال منهج نقد متن الحديث، وعدم الاكتفاء بصحة السند، فقد يصح الحديث سندا ويضعف متنًا، لمخالفته القرآن أو العقل أو العلم أو المشاهدة أو التاريخ أو السنّة الكونية أو مقصدا شرعيا، مثل: حديث خلق الأرض في ستة أيام، في صحيح مسلم، مخالف للقرآن، ورواية الغرانيق، التي تقول إن الشيطان ألقى على لسان النبى صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة، كلمات تمدح آلهة المشركين، وهى رواية باطلة، صححها بعض أئمة الحديث المحكومين بالصنعة الحديثية، ذهولًا عن عصمة الرسول في التبليغ، ففتح به باب شر، لا يزال يدخل منه الأفاكون كسليمان رشدى وغيره!
ختامًا: يقول الغزالي: إن فقه الكون والحياة فريضة أسبق من فرائض أخرى، صنعها أصحاب الثقافات المغشوشة، زعموها دينا وهى أبعد ما تكون عن الدين.
طيب المولى تعالى ثراك أيها المصلح الجليل.
نقلا عن الجريدة الكويتية