الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عاشق النور وصانع الفرح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما يتعجب البعض حين يقرأ كلمة «مارتن لوثر كنج» - المناضل الأهم والأروع ضد التمييز العنصرى وأصغر حائزى جائزة «نوبل» للسلام – فى افتتاح مهرجان «برلين» لموسيقى «الجاز» عام ١٩٦٤، والتى قال فيها: «الكل يحزن، الكل يشتاق للمعنى، الكل يحتاج للحب، الكل يحتاج أن يصفق بيديه، وأن يفرح بعمق، وفى روح «الجاز» قوة تولِّد كل هذا». «تجسد موسيقى الجاز قسوة الحياة وصعوباتها، وإذا تأملت للحظة واحدة، ستدرك أن موسيقاها تصوغ أشد حقائق الحياة ألما ومرارة، لا لسبب إلا أن تصل بنا لإشراقة أمل جديد، وبعض لذة الإحساس بالانتصار، لقد منحتنا الكثير من القوة فى حركة التحرر الأمريكية بإيقاعاتها العذبة، حين كانت قوانا تخور، وهدَّأت من روعنا بهارمونياتها الغنية، حين كانت معنوياتنا تتدنى». 
وكانت رسالة «إيرينا بوكوفا» -مديرة عام اليونسكو- فى اليوم الدولى لموسيقى «الجاز» إلى كل العالم: «هكذا نحتاج فى هذه الأوقات، التى يكتنفها التغيير، والغموض، وعدم اليقين، أكثر من أى وقت مضى، إلى «روح» مشعة، تجمع البشر جميعًا - ولا سيما الشابات والشبان منهم - وتعزز قيم الحرية والحوار، وتمد جسور الاحترام والتفاهم، بغية الحث على قدر أكبر من التسامح والحب والتعاون، هذه «الروح» المقدسة هى موسيقى الجاز». 
لم يكن «الجـاز» مجرد موسيقى، بل كان دومًا أنشودة أمل إلى الروح الإنسانية، وإرادة لخلق حياة جديدة، تنبع من جمال ونقاء الداخل، لتتحدى قبح الخارج وقتامته، فحينما يزداد الواقع تعقيدا، وتفشل الحياة فى تقديم المعنى والمنطق الإنسانى، يخلق فنانو الجاز المعنى والمنطق من أنغام الأرض، التى تنساب عبر آلاتهم النابضة بالحياة.
هكذا تخطت تلك الموسيقى جذورها المحلية، وأصبحت لغة عالمية، تحمل الكثير من المشاعر المشتركة بين كل البشر، وكما عبرت -فى وقت ما- عن صراع الأفارقة الأمريكيين من أجل التحرر، فهى تعبر الآن عن أفكار وتطلعات إنسانية يشترك فيها أيضًا كل البشر.
ليس غريبًا إذن أن يكون عنوان الحفل الرئيسى المقام فى بريطانيا هذا العام، احتفالاً باليوم الدولى لموسيقى الجاز برعاية منظمة «اليونسكو» هو «قصيدة إلى الروح الإنسانية»، فالقيم الإنسانية النبيلة والجميلة، التى ترسخت عبر مسيرتها التاريخية الطويلة، طرحت أخيرًا ثمارها العظيمة.
علينا الآن ألا نقلل أبدًا من قدرة هذه الموسيقى المدهشة، على أن تكون سلاحًا مسنونًا ضد التمييز وقهر الإنسان، وأداة فعالة لتقارب وتفاهم أكبر وأعمق بين كل ثقافات وشعوب العالم.
ربما هذا ما جعله على يقين، أنه موهوب فى هذا الشىء المعين، الذى خصه الله به، وأنه لم يخلق ليشبه الملايين من حوله، وأنه جاء إلى هذا العالم فى بعثة مقدسة، من أجل مهمة خاصة جدًا، عليه اكتشافها، واتباع كل خطواتها، ليسعد بها، ويسعد بها الآخرون.
هو -بلا شك- صاحب رسالة إنسانية، نجح فى نشرها بجميع أوساط المجتمع المصرى، حينما استطاع خلق قاعدة عريضة لمحبى موسيقى «الجاز» فى مصر والشرق الأوسط، بعبقريته غير العادية فى مزج الموسيقى الشرقية مع موسيقى «الجاز»، ليبتكر موسيقى مصرية جديدة، لفتت إليها الأنظار فى كل مكان، واستحوذت على إعجاب الجميع فى شتى دول العالم، أثناء مشاركته فى العديد من المهرجانات المحلية والعالمية. تتردد فى ذهنى دومًا عبارته الفريدة: «وما بين عتمة وعتمة، يتسلل الضوء، كما يتسلل الفرح إلى القلوب الصافية، هكذا هو عالم الجــــــاز». إنه عاشق الحياة، والنور، والجمال، وصانع الفرح، الذى يعزف دومًا على إيقاع الروح أنغامًا مبهرة، ينسج بها وجودًا أروع وأرقى، يصفع به قبح الواقع وعجزه، فترقص قلوبنا، وتحلق عقولنا، فى عالم أجمل وأعذب وأنقى. إنه الإيمان بقوة الحياة، وبهجتها، وتجددها - رغم كل شيء - إنه أسطورة الجاز المصرى العالمى «يحيى خليل»، الذى أدهش المصريون وكل العالم.