الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نتنياهو الواشي بـ"تطبيع" سرّي مع دول عربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أين لبنيامين نتنياهو أن يقول، إن علاقات إسرائيل مع دول عربية «مهمّة» تشهد «انقلابًا» وتمرّ بمرحلة «تحوّل جذرى»، في حين أن المعروف يقتصر على تطوّر متنامٍ للعلاقة مع مصر والأردن. وهذا متوقّع لأن الدولتين موقّعتان على معاهدتى سلام مع إسرائيل، لكن القاهرة وعمّان لم تفصحا أخيرًا عن توافق استثنائى أو ارتقاء بـ«التطبيع» أو نقلة نوعية غير مسبوقة في العلاقات معها. والمفهوم أن نتنياهو لم يكن يعنيهما في حديثه عن الانقلاب والتحوّل، كما أنه لم يسمِّ الدول التي يعنيها، مفسحًا المجال للتكهّنات والتخمينات. فإمّا أنه يكذب، وإمّا أنه يروّج تمنياته بتصريحات استدراجية، وإما أنه يكشف لجمهوره أن ثمة دولًا عربية تجرى اتصالات مع إسرائيل، لكنها تفضّل إبقاءها «سرّية» وكتمانها على الجمهور العربى. فلماذا يُعطى للإسرائيلى أن يشى عربًا عند عرب.
في كل هذه الاحتمالات بدا غير ممكن الردّ على رئيس أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرّفًا وتعصبًا ضد العرب، وأكثرها إقبالًا على الإجرام ضد الشعب الفلسطينى، وأكثرها سرقةً للأراضى الفلسطينية وتشريعًا لهذه السرقة تحت اسم «الاستيطان». لم ينفِ أحد ما قاله نتنياهو، وطالما أنه لم يسمِّ فإن الدول المعنية تصرّفت على أنها غير معنية، رغم أنها إزاء طرف يلعب عليها علنًا وبمنحى لا يخلو من ابتزاز، وهو لا يخاطبها وحدها بالإشارات المرمّزة، بل يستغلّ اتصالها المزعوم معه، ليقول للولايات المتحدة وروسيا إن إسرائيل التي كانت لسبعة عقود العدو الأول والوحيد للعرب باتت الآن موضع التماساتهم، وبالتالى الأكثر جهوزية، لأن تكون لها كلمة في مخططات إعادة تركيب المنطقة العربية.
وبالنيابة عن تلك الدول الصمّاء وغير المعروفة في شكل سوىٍّ وشفاف، قال نتنياهو إنها «تدرك أن إسرائيل ليست عدوًّا بل حليف وسند بمواجهة التهديدات الناشئة، كتهديد داعش». هذا الأسبوع جدّدت القمة العربية مطالبتها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، فهل يمكن أن يكون التعريف القانونى والسياسي لقوة الاحتلال بشىء آخر غير «العدوّ»؟ كما كرّرت القمة دعوتها إلى تنفيذ القرارات الدولية القاضية بالانسحاب من كامل الأراضى العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان العربى السورى والأراضى المحتلة في جنوب لبنان إلى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، فكيف يكون المحتلّ الإسرائيلى «حليفًا» و«سندًا» للعرب ضد محتلّين جدد اقتفوا أثره وحذوا حذوه في العبث بالأمن والسيادة وزعزعة الدول والمجتمعات؟ وإذ عاودت القمة للمرّة الثالثة عشرة تأكيد وجود «المبادرة العربية للسلام» على الطاولة كأساس لـ«حل شامل وعادل ودائم» للصراع العربى - الإسرائيلى يقوم على تصفية الاحتلالات مقابل تطبيع عربى كامل مع إسرائيل، فإن نتنياهو المغتبط بـ«التحول الجذرى» في العلاقات مع «دول عربية مهمة» لم يغيّر موقفه من هذه المبادرة المعروف أن السعودية هي التي طرحتها وتبنّاها العرب منذ قمة بيروت عام ٢٠٠٢، بل إنه يطالب بتعديلها، وهو يريد عمليًا طيّها ونسيانها، فعن أي «انقلاب» يتحدّث؟
كانت المبادرة العربية ولا تزال الخريطة الأكثر «واقعية» نحو تسوية عربية - إسرائيلية مستندة إلى مرجعية القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية. ولأنها واقعية فقد أخذت في الاعتبار أولًا أن العرب تخلّوا عن خيار الحرب، واعتمدوا السلام خيارًا استراتيجيًا، وفقًا للقمم العربية المتوالية، كما سجّلت اعترافها بالاتفاقات التي توصّل اليها الفلسطينيون مع الإسرائيليين، بناء على تنازلات قدّمها الفلسطينيون أنفسهم وبقيت لفترة طويلة موضع جدل، وأحيانًا موضع مهاترة بين حكومات وعواصم وأحزاب وفصائل، ومع ذلك ارتضى العرب عمومًا ما ارتضاه الفلسطينيون. غير أن الإسرائيليين أخذوا التنازلات وتنكّروا للاتفاقات، ولم يفوا بالاستحقاق الأساسى المتوجّب عليهم: إنهاء الاحتلال.. ولعل المبادرة العربية نصّت على ما يشكّل الحد الأدنى لأى تسوية متوازنة وقابلة للاستمرار، ولتكون كذلك لا بدّ أن ترتكز على مفهومين ضروريين ولازمين - الحق والعدل - لاعتبار الصراع منتهيًا. وتُختصر المبادرة بأربع نقاط: ١) انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية في فلسطين والجولان السورى وجنوب لبنان إلى حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. ٢) إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ٣) حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين وفقًا للقرار الدولى ١٩٤. ٤) إقامة علاقات عربية مع إسرائيل.
من الواضح أن نتنياهو يريد «أن تتم هذه العملية في شكل معاكس»، أي بدءًا من «التطبيع». إذ استعاد نقاشًا أجرى في تسعينات القرن الماضى، عندما تأبطت الولايات المتحدة اتفاقات أوسلو (١٩٩٣) للضغط على العرب، من أجل الشروع في الانفتاح على إسرائيل، وكأن السلام أصبح واقعًا ملموسًا، وقد استجاب بعض الدول بإنشاء مكاتب تمثيلية أو شابه، غير أن الانحراف في تطبيق تلك الاتفاقات أظهر سريعًا أن الإسرائيليين والأميركيين ليسوا في صدد إنهاء الاحتلال، بل يهدفون إلى تثبيته، مما جعل معظم الدول العربية تفرمل «الهرولة» معتبرةً أن لا جدوى من «التطبيع» إذا لم يكن حافزًا على تصويب التوجّه نحو السلام. واليوم يقترح نتنياهو، كمن استلهم «رؤية» جديدة، أن ما قيل دائمًا عن «أن توصّلنا إلى اختراق في المفاوضات مع الفلسطينيين يمكننا من الوصول إلى علاقات سلام مع العالم العربى» لم يعد عمليًا.