الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تحقق في عملية تخريب شركات الدواء الحكومية

٢٣٠ مليون جنيه خسائرها فى عام واحد

الدكتور أحمد عماد
الدكتور أحمد عماد وزير الصحة والسكان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
9 مصانع وخطوط إنتاج متوقفة منذ 4 سنوات بسبب الإهمال وسوء الإدارة
87 مليون جنيه خسائر «النصر للكيماويات» خلال 2015 نتيجة توقف المصانع
«الصحة» تسمح بتسجيل أدوية جديدة للقطاع الخاص وتمنع الشركات العامة من إنتاجها للتغطية على الخسائر
إهدار 60 مليون جنيه فى «مصر للمستحضرات الطبية» فى استثمارات مبان ووقف معدات التصنيع
«المركزى للمحاسبات»: 8 ملايين جنيه تكلفة الفساد فى قطاع الدواء الحكومى 
التقارير الرقابية ترصد خروج مواد خام بملايين الجنيهات من شركة مصر للمستحضرات الطبية وعدم عودتها 
٥ ملايين جنيه رواكد فى مخازن مصر للمستحضرات الطبية منها أصناف انتهت صلاحيتها
أزمة فى المحاليل الطبية واختفاء ٢٠ صنف دواء جديدًا من الصيدليات رغم قرار رفع أسعار 
رغم عمليات الحشد المنظمة التى قادتها شركات الأدوية لتهيئة الرأى العام لقبول فكرة تحريك أسعار الدواء والضغط على الحكومة لاتخاذ قرار رفع السعر باعتباره يصب فى مصلحة المواطن، ويؤدى لتوفير النواقص من الأدوية للمرضى، فإن رضوخ الدكتور شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، للضغوط وإصداره القرار رقم 449 لسنة 2016 بزيادة أسعار الأدوية لم يحل الأزمة، بل فاقمها وخلق إلى جانبها أزمة جديدة.
القرار الحكومى الذى جرى تطبيقه ابتداء من 16 مايو الماضى نص على رفع أسعار الأدوية التى تقل أسعارها عن 30 جنيها بنسبة لا تزيد على 30 % من السعر، غير أن الصيدليات وشركات الأدوية التفت على القرار بتحريك سعر الوحدة الواحدة من الدواء وليس العلبة كاملة، وهو ما ترتب عليه تحريك أسعار أغلب الأدوية وليس الأدوية الأقل من 30 جنيها فقط، وحتى الآن لم يتم إنتاج أى صنف كان متوقفا إنتاجه بسبب أزمة الدولار، بل إن عدد الأصناف الناقصة ارتفع من ١٤٧٧ إلى ١٤٩٧ صنفا، وما زال هناك عدد من الأصناف يتم بيعها بأسعار تتغير يوميا دون أى متابعة من الأجهزة الرقابية.
المشكلة لم تنته عند هذا الحد بل ازدادت الأمور سوءا بحدوث أزمة نقص المحاليل الطبية، وهى أزمة خطيرة، خاصة أنها تمثل شكلًا من أشكال الفساد لكونها لا تتعلق بمشكلة فى الإنتاج، لأن تلك المحاليل تتوفر بالسوق السوداء بأسعار أضعاف سعرها الرسمى، وهو ما يمثل كارثة بكل المقاييس، إذ تشير الأزمات بدءا من قرار تسعير الأدوية وانتهاء بالأزمات المتلاحقة إلى أن المستفيد من كل هذا هو القطاع الخاص ومافيا الأدوية. 
لا مجال هنا لإعادة التذكير بأهمية وخطورة صناعة الدواء باعتبارها قضية أمن قومى، كون الدواء واحدا من أهم السلع الضرورية لحياة المواطن، ولما كان الدستور ينص على ضرورة توفير العلاج الملائم لكل مواطن بسعر مناسب ووفق ‏المواصفات الدولية المعتمدة، فإنه من الضرورى التأكيد على أهمية وجود صناعة دوائية وطنية قوية قادرة على تغطية أهداف السياسة العامة للدولة، ‏فضلًا عن قدرتها على المنافسة والتجديد والابتكار من خلال آلية تحظى بالاستمرارية فى مجالى البحث ‏والتطوير لمواجهة الظروف التعاقدية الدولية التى تؤكد حماية خاصة للملكية الفكرية فى مجال الدواء حسب ما جاء فى اتفاقية التربس.
تكتسب صناعة الدواء قيمتها لأية دولة فى العالم لأنها مرتبطة بالفئات المجتمعية بلا ‏استثناء، لا فرق بين غنى أو فقير، بل إن الشريحة الأكبر من المتضررين تقع فى فئة «محدودى الدخل» من ذوى الأمراض المزمنة، ولذلك فإن السؤال الذى حاولنا الإجابة عنه يتعلق بموقف الشركات الحكومية والقطاع العام التى تقوم بتصنيع وبيع الأدوية مع كل هذه الأزمات التى تمر بها الصناعة، ولماذا تراجع دور هذه الشركات بعد أن كانت من كبرى الشركات المنافسة فى العالم العربى فى تجارة وتصنيع الأدوية؟
أزمة المحاليل الطبية
كشفت أزمة المحاليل الطبية الأخيرة عن وجود أياد خفية لمسئولين من وزارة الصحة والشركة القابضة للأدوية تتسبب فى تعطيل إنتاج شركة النصر للكيماويات الدوائية باعتبارها أكبر شركة حكومية لإنتاج وبيع المحاليل الطبية، وهذا المخطط يتم لصالح القطاع الخاص وبصفة خاصة شركة هايدلينا التى يملكها رجل الأعمال هانى سرور صاحب أزمة أكياس الدم الفاسدة والنائب السابق للحزب الوطنى، والمتحدة «فارما للأدوية» وهما من كبرى الشركات الموردة للمحاليل وأكياس الدم فى مصر.
لم تنتبه الدولة لهذه المشكلة إلا بعد تخريب شركة النصر للكيماويات، ولكن شاءت الظروف أن تحدث الأزمة الأخيرة للمحاليل ونتيجة تعطل إنتاج هايدلينا والمتحدة فارما فى الفترة الأخيرة تصاعدت الأزمة التى تهدد حياة آلاف المرضى بعد توقف شركة النصر بشكل شبه كامل عن الإنتاج. 
ترجع الأزمة إلى ١٠ شهور من الآن، وتحديدا عند صدور قرار وزير الصحة السابق العدوى بوقف إنتاج مصنع المتحدة فارما للمحاليل الطبية إثر وفاة ٦ أطفال ببنى سويف نتيجة تناول مستحضر «ميتاهايدريل» الذى أصابهم بأعراض تشنجية أدت إلى وفاتهم، وذلك بالقرار رقم ٨٦ لسنة ٢٠١٥ منذ شهر أغسطس، وتحميل الشركات الأخرى توفير الكميات المطلوبة للسوق المحلية، لم تجد الصيدليات بديلا من إنتاج مصنع المتحدة، خاصة أنه يمثل حوالى ٦٠٪ من حاجة السوق من المحاليل الطبية. 
ويقول محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، إن أزمة المحاليل متعلقة بسوء تخطيط فى إجمالى صناعة الدواء وعجز وزارة الصحة فى التعامل مع هذه الصناعة والمشكلات القائمة، مما أدى إلى كارثة بسبب نقص المحاليل على مستوى الجمهورية، مؤكدا أن قطاع الأعمال الدوائى كان يمد السوق المصرية بحوالى ١١ مليون عبوة سنويا من خلال شركتى النصر والنيل، ولكن هذه الكمية لا تكفى احتياجات السوق رغم أن الشركة القابضة تضم أكثر من ٢٧ مصنعًا متنوعًا ما بين محاليل ومواد خامات وأشكال دوائية ومستلزمات الغسيل الكلوى. 
يشير فؤاد إلى وجود سبب آخر فى الأزمة، وهو وجود مصنع تابع لشركة المصل واللقاح لإنتاج المحاليل الطبية متوقف عن العمل منذ سنوات، ونتيجة وقف التشغيل سقطت قرارات تسجيل المحاليل التى حصلت على موافقة وزارة الصحة وذهبت للقطاع الخاص، ورصد المركز خلال آخر ثلاثة شهور أن العجز يصل إلى حوالى ٩٠٪ بالصيدليات والنسبة الموزعة على الصيدليات لا تتجاوز ٥٪ من جمله الإنتاج المصرى، وأضاف أن سعر المحلول للجمهور لا يتعدى خمسة جنيهات، والكرتونة من ٦٥ إلى ٧٠ جنيها للصيدلى، ويتم بيعها للمستهلك بـ٩٠ جنيها، ولكن بعد زيادة الأزمة وجدنا أن المحلول متوافر فى شوارع قصر العينى وحول مستشفى أم المصريين بكميات هائلة، ولكن بسعر آخر، إذ وصل سعر الكرتونة إلى ٢١٠ جنيهات أى بزيادة ١٥٠٪ من ثمنه الأساسى. 
بدأنا نسأل الشركات ومصادر أخرى لنا، فاكتشفنا أن مسئولى المبيعات بالشركات الخاصة وراء هذه التجارة الرائجة، بل إن بعض «مندوبى التسويق» يقومون بتصريف بعض المنتجات الدوائية الراكدة ببيعها على كراتين المحاليل، فيضطر الصيدلى هنا للشراء، إذا نحن لسنا أمام أزمة فى الإنتاج بشكل كامل، بل أزمة فساد متكامل الأركان بسبب فشل آليات الرقابة بوزارة الصحة، وأن هناك محاولات تخريب متعامدة لشركات قطاع الأعمال العاملة فى تصنيع الأدوية.
350 مليون جنيه خسائر القطاع الحكومي
تشير الإحصائية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن خسائر قطاع الدواء الحكومى بلغت عام ٢٠١٥ حوالى ٣٥٠ مليون جنيه، وبحسب التقرير نفسه، فإن مشاركة شركات قطاع الأعمال الحكومى فى سوق الدواء تراجعت من ٨٠٪ إلى ٤٪ فقط، وأن هذا التراجع كان لصالح الشركات الأجنبية بنسبة ٥٦٪، وللقطاع الاستثمارى الخاص بنسبة ٤٠٪، وهذه الإحصائيات تثير عددا لا نهائى حول أسباب الانهيار فى صناعة الدواء الحكومى، وهل هناك فعلا مؤامرات تحاك من جانب القطاع الخاص لتدمير هذه الصناعة الحيوية، حيث تمتلك الدولة حوالى ١٤ شركة تعمل فى إنتاج وتجارة الأدوية، كلها تدار تحت رئاسة الشركة القابضة للأدوية؟
«البوابة» فتحت هذا الملف الشائك «تخريب شركات الدواء الحكومية» بحثا عن إجابة، وكانت البداية من شركة النصر للكيماويات التى تعتبر أول شركة وطنية على مستوى الشرق الأوسط لإنتاج الكيماويات الدوائية، ومنذ نشأتها وحتى الآن تم إحلال وتطوير الكثير من خطوط الإنتاج والمصانع حتى يتماشى إنتاجها مع أحدث المواصفات العالمية، ولكن معظم هذه الخطوط الإنتاجية بسبب سوء الإدارة أصبحت تحقق خسائر كبيرة. 
بحثنا حول الأسباب التى أدت إلى الانهيار، فحصلنا على بيان بجميع أنواع خطوط الإنتاج المتوقفة وأسباب توقفها كما سنتناول المنتجات التى يتم بيعها بأقل من تكلفتها «بالخسارة» نتيجة الإسراف فى الإنفاق على المنتج، وتشير نتائج الأعمال لشركة النصر للكيماويات الدوائية للعام المالى ٢٠١٥ إلى خسارة الشركة (٨٧ مليون جنيه) مقابل خسارة قيمتها (٦٩.٢ مليون جنيه) عام ٢٠١٤، ومن أهم عوامل هذه الخسارة توقف معظم خطوط الإنتاج كما جاء بملاحظات الجهاز المركزى للمحاسبات للعام المالى ٢٠١٥. 
ذكرت التقارير الرقابية التى حصلت عليها «البوابة» أن قيمة الطاقة غير المستغلة فى شركة النصر للكيماويات فى نهاية يونيو من العام الماضى بلغت نحو (٦٣.٦ مليون جنيه)، نتيجة توقف بعض مصانع الشركة، منها مصنع مرشحات الكلى ومصنع الأملاح المعدنية، وكذلك توقف مصنع المنطقة، غير البنسيلين، وتوقف مصنع المنطقة العقيمة، وكذلك توقفت خطوط إنتاج خام الإسبرين وخطوط إنتاج خامات البارسيتامول، وأيضا خطوط إنتاج خامات الكلورومفينكول، وكذلك أفادت المستندات توقف خط السرنجات البيطرية وخط المرشحات القديم. 
ما ورد فى التقرير يشير إلى أن هناك ٩ مصانع وخطوط إنتاج متوقفة ولم يتم تشغيلها، وذلك بسبب سوء إدارة الشركة لهذه الكارثة، مما أضاع شركة النصر للكيماويات الدوائية القدرة على تحقيق الإيرادات المستهدفة كما جاء ضمن الملاحظات للجهاز المركزى للمحاسبات، وتؤكد المستندات وجود أصول بمبلغ (٥١.٢ مليون جنيه) قيمة خط إنتاج المرشحات الجديدة الذى قامت الشركة بتركيبه والذى لم يتم تشغيله حتى تاريخه، رغم أنه كان مقررا تشغيله فى نهاية فبراير ٢٠١٢ أى أنه متوقف منذ ٤ سنوات، أى منذ تولى د. عادل عبد الحليم رئاسة الشركة القابضة، باعتباره لم يتخذ أى إجراء لتشغيل هذا الخط، وكان الموضوع لا يعنيه فى أى شيء، هذا بالإضافة إلى وجود أصول بمبلغ (١.٤ مليون جنيه) قيمة أجهزة وماكينات تخص مصنع المحاليل الطبية والمرشحات والأملاح المعدنية، وما زالت تحت التركيب رغم ورودها منذ عام ٢٠١٤ م. 
وبحسب ما ورد فى التقرير، فإن المصانع والماكينات الخاصة بتصنيع المحاليل والأدوية فى شركة النصر للأدوية متوقفة منذ سنوات، واحتوت ملاحظات الجهاز على استمرار تأخر الانتهاء من المشروعات تحت التنفيذ وتكرار الإشارة إليها فى التقارير السابقة. 
التقرير الرقابى يؤكد وجود نحو (١٣.٣ مليون جنيه) قيمة المتبقى من الآلات الممولة بالقرضين الكويتى والسعودى منذ عام ١٩٨٨ السابق، وورودها كخطوط إنتاج متكاملة ولم تستغل فى الأغراض المخصصة لها، كما جاء بالملاحظات فى تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات أن الشركة تكبدت خسائر قيمتها نحو (٥٠ مليون جنيه) بسبب بيع الأصناف الدوائية التى تنتجها الشركة بأقل من سعر تكلفتها.
ذكر التقرير أكثر الأصناف خسارة طبقا للموازنة التقديرية المقدمة من شركة النصر للعام المالى الحالى والتى اعتمدت من الجمعية العمومية برئاسة د. عادل عبدالحليم، رئيس الشركة القابضة للأدوية، ولم يتخذ أى إجراءات لإصلاح الشركة وإنقاذها من الانهيار.
كان من المفترض طبقا للموازنة التقديرية المقدمة من شركة النصر للعام المالى الحالى أن يكون إجمالى خسارة المنتجات التى تباع بأقل من تكلفتها (١١ مليون جنيه)، إلا أنه نتيجة لسوء الإدارة وتوقف المصانع السابق ذكرها وزيادة المصروفات وسوء إدارة الشركة وتواطؤ المسئولين فى وزارة الصحة والشركة القابضة للأدوية فى انهيار صناعة الدواء الحكومى فقد وصلت خسارة الأصناف التى يقل سعر بيعها عن تكلفتها (٥٠ مليون جنيه) وقد أدى ذلك إلى زيادة الخسارة المتوقعة التى كانت مدرجة فى الموازنة التقديرية لعام ٢٠١٥ من (٤٥ مليون جنيه) إلى (٨٧ مليون جنيه) طبقا لنتائج الأعمال ورغم ذلك أبقى رئيس الشركة القابضة فى التغيير الأخير على رئيس مجلس الإدارة الحالى لشركة النصر للكيماويات الدوائية على نفس المسئولين عن شركة النصر.
حجم الخسائر لم يتوقف عند هذا الحد فقد تعرضت الشركة لأزمة مالية كبيرة بسبب زيادة فوائد القروض (القرض الكويتى والسعودى) بالإضافة إلى ديون البنوك المصرية فى ذلك الوقت والتى بلغت أكثر من ١٠٠ مليون جنيه مما دفع الشركة القابضة للأدوية إلى ضخ مبلغ (٣٧٠ مليون جنيه) لشركة النصر وهى قيمة القروض وديون البنوك وفوائدها وأدت المبالغ التى تم ضخها إلى تعافى الشركة مرة أخرى وسرعان ما عادت نتائج أعمال الشركة للتراجع مرة أخرى وتراكمت الخسارة مرة ثانية. 
ويعتبر وقف خطوط الإنتاج عن العمل من أهم العوامل التى تتسبب فى زيادة تكلفة المنتجات التى تتنجها الشركات وذلك نتيجة إضافة التكلفة الثابته مثل الأجور والطاقة ووسائل النقل على كمية المنتج الصغير مما يتسبب فى ارتفاع تكلفة المنتج، فى الوقت نفسه فإن هذا المنتج يكون مسعرا جبريا من قبل وزارة الصحة على أساس عدم وجود خطوط إنتاج متوقفة فتضطر الشركة لبيع المنتج بسعره الرسمى الذى يكون فى الواقع أقل من التكلفة الكلية للمنتج، والدليل على ذلك ما جاء بالموازنة التقديرية لشركة النصر والتى جاء فيها بالتفصيل أن المنتجات التى سيتم بيعها بأقل من تكلفتها عددها ٤٥ منتجا وسوف تكون الخسارة المتوقعة (١٠.٧٠٦ مليون جنيه). 
كان هذا بالنسبة لأهم شركة فى إنتاج المحاليل فى الشرق الأوسط فماذا عن الشركات الأخرى التابعة للقطاع العام؟ 
مصر للمستحضرات الطبية
لم يتوقف مسلسل انهيار شركات الدواء الحكومى عند مهزلة النصر للكيماويات الدوائية بل إن التخريب طال العديد من الشركات الأخرى وعلى رأسها مصر للمستحضرات الطبية التابعة أيضا للقطاع العام، فقد تحولت الشركة من أهم شركات تصنيع الدواء إلى مجموعة من الآلات والماكينات المتوقفة عن العمل. 
بداية الأزمة كانت بعد أن تم نقل الشركة من منطقة المطرية إلى أبوزعبل دون دراسة جدوى وعدم ملاءمة المكان الجديد بيئيا وجغرافيا حسب التقارير الرقابية الصادرة حول نقل الشركة إلى المكان الجديد، وبسبب ذلك توقف معظم إنتاج الشركة من الأدوية وزادت الخطوط المعطلة.
وبحسب المستندات التى حصلت البوابة على نسخة منها فإن آلات تصنيع الأدوية لم تعمل منذ عام ٢٠١٤ وتكلف الشركة ملايين الدولارات سنويا رسوم صيانة، هذا بالإضافة إلى تحمل الشركة أصولا لا تتوافق مع متطلبات التشغيل، وقد أكد مصدر مسئول داخل الشركة أن قطاع الدواء الحكومى يتعرض لمؤامرة كبيرة من القائمين عليه والمسئولين فى الدولة، حيث لا تقوم وزارة الصحة بتسجيل أدوية جديدة كى تقوم الشركات العامة بإنتاجها للتغطية على الخسائر فى هذا القطاع وتسمح بذلك للقطاع الخاص لأنه قادر على أن يدفع لهم عمولات وبذلك فإن قطاع الدواء الحكومى لا يقوم بتسجيل أى أصناف أدوية جديدة ويقتصر ذلك على القطاع الخاص.
سياسة وزارة الصحة أيضا فى تسعير الأصناف التى تقوم شركات الدواء بإنتاجها تمثل مفارقة غريبة بحسب المصدر نفسه، حيث تقوم الوزارة بتسعير الأصناف التى ينتجها القطاع العام بأسعار بخسة قد لا تتعدى ثمن المادة الخام التى يقوم بشرائها وتتعامل مع نفس المنتج من الأدوية والذى يحتوى على نفس المادة الفعالة مع القطاع الخاص بأسعار خيالية قد تتجاوز أربعة أضعاف السعر الذى يحدده لنفس صنف الدواء فى القطاع العام مما ينتج عنه خسارة الشركات القطاع العام وتوقف الإنتاج بها نتيجة عدم استطاعته تصنيع اى أصناف جديدة أو شراء المواد الخام وفى الوقت نفسه تربح القطاع الخاص مليارات الجنيهات بسبب فروق الأسعار وإنتاج أصناف بديلة للنواقص التى توقف إنتاجها. 
وأضاف المصدر أن المسئولين فى وزارة الصحة يكيلون بمكيالين، يعاملون الأصناف الدوائية التى ينتجها القطاع الحكومى برغم أنها قد تكون بها مواد فعالة أكثر من التى ينتجها القطاع الخاص أسوأ معاملة سواء من ناحية تسجيلها أو تسعيرها بعكس ما يفعلون مع القطاع الخاص. 
المستندات التى بين أيدينا تشير إلى أن الفساد وسوء الإدارة فى شركة مصر للمستحضرات الطبية تسببا فى توقف معظم خطوط الإنتاج لمدد طويلة مما أدى إلى خسارة الشركة على مدار ٤ سنوات بسبب توقف هذه الخطوط وزيادة تكلفة المنتجات. 
وقد أشار تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن العام ٢٠١٥ إلى توقف العديد من خطوط الإنتاج الخاصة بالأدوية مما أدى إلى ارتفاع تكلفة المنتجات نتيجة إضافة المصروفات التابعة الأخرى التى تقوم بها الشركة المنتجة على قيمة منتجات الشركة من الأصناف الدوائية فى الوقت الذى تباع فيه هذه المنتجات طبقا للأسعار المرسلة من وزارة الصحة فيتم بيعها بأقل من تكلفتها الفعلية. 
وأضاف التقرير أنه تضمنت الأصول الخاصة بالشركة نحو ١٢ مليون جنيه قيمة آلات لم تعمل خلال العام لأسباب مختلفة (توقف استخدام الأمبول المفتوح – عدم تناسب سرعتها مع باقى خط الإنتاج – توقف إنتاج المستحضرات الخاصة بها).
هذا بالإضافة إلى إهدار نحو ٥٠٤ آلاف جنيه تكلفة مبنى المنتجات الحيوانية ولم يتم استغلاله حتى الان، فإن التقرير الصادر فى نهاية عام ٢٠١٥ أشار إلى كارثة حيث كشف التقرير أن المسئولين فى شركة مصر للمستحضرات الطبية قاموا باستيراد آلات ومعدات تتجاوز ملايين الجنيهات ولم يقوموا باستغلالها حيث ذكر التقرير أن هناك نحو ٦٠ مليون جنيه قيمة استثمارات فى مبان وآلات ومعدات لم تستغل منذ ورودها منذ عام ٢٠٠٤ ومنها خط البودرات الذى ينتج عددا من مستحضرات الدواء بتكلفة ١٢ مليون جنيه ورغم أنه لم يعمل منذ أن تم تركيبه فإن إدارة الشركة تقوم باستقدام الخبراء أكثر من مرة آخرها فى يناير ٢٠١٥ وما زال به العديد من المشاكل ولا يتوافق مع درجات الحرارة والرطوبة. 
كما تكشف مستندات أخرى أن شركة مصر للمستحضرات الطبية قامت بشراء ماكينة لتعبئة الفوارات المعالجة للأمراض إلكترونيا بعيدا عن التعبئة بالنظام اليدوى وذلك لتقليل الكميات المهدرة وزيادة الإنتاج وقد بلغت تكلفتها حسب المستندات نحو ١٥ مليون جنيه ولم تعمل هذه الماكينة حتى الآن رغم أن أمر الشراء قد مر عليه أكثر من ٨ سنوات ولم يتم أى استفادة حقيقية منها حتى الآن، الغريب فى أن الشركة تقوم بعمل صيانة دورية للماكينة تكلفهم آلاف الدولارات.
الكارثة الكبرى التى كشفتها المستندات فى شركة مصر للمستحضرات هى خروج الخامات ومستلزمات الأدوية من المركز الرئيسى إلى وحدات التصنيع وعدم عودتها مرة أخرى دون مساءلة من المسئولين بالشركة وهو ما يمثل إهدار ملايين الجنيهات وكذلك الاستيلاء على المواد الخام، وقد حدث هذا حسب المستندات مع خروج خامات الأنسولين والبنسلين وغيرهما وعدم عودتها مرة أخرى دون مساءلة من المسئولين بالشركة وهو ما يمثل إهدار ملايين الجنيهات. 
هذا بالإضافة إلى أن إنتاج هذه الشركات يتم وضعه داخل المخازن دون الاستفادة منه فقد بلغ ما أمكن حصره من رواكد المخزون السلعى نحو ٥ ملايين جنيه وقد تضمنت الرواكد أصنافا قيمتها مليون جنيه منتجات انتهت صلاحيتها. 
وقد ذكرت التقارير أنه لم يتم إنتاج أو استخدام بدائل نتيجة توقف إنتاج المستحضر الخاص بها لإلغائه أو تغيير شكله أو تكهين الماكينة الخاصة به، مما يؤدى إلى توقف إنتاج بعض الأصناف وعدم وجود بدائل وخسارة الشركة، وقد أوصى التقرير بأنه يجب معرفة مصير تلك الأصناف واتخاذ اللازم بشأنها وإجراء ما يلزم من تسويات. 
لم ينته إهدار المال العام وانهيار صناعة الدواء فى شركات القطاع العام إلى الأسباب التى ذكرناها، بل أشار التقرير الصادر حول تكلفة الفساد فى قطاع الدواء إلى أن ارتفاع نسبة الفاقد من الأدوية بنحو ٨ ملايين جنيه فى المواد الخام فقط وزيادة الخامات المنصرفة طبقا لتقرير مفتش وزارة الصحة هذا بالاضافة إلى وجود تالف فى بعض التشغيلات الدوائية مع استمرار نسبة استغلال معظم الأقسام الإنتاجية كبسولات صلبة ٣٪ قطرات ٥٪ أدوية جافة ٧٪ مراهم وكريمات ٢٩٪ كبسولات رخوة ٣٢٪. 
وبسبب ما سبق تم تحويل خامات لمخزن المرفوضات خلال العام الواحد بنحو ٨٠٠ ألف جنية شهريا نظرا لانتهاء صلاحيتها هذا بالإضافة إلى وجود أصناف منتجة عطاءات تجاوزت ثلث فترة صلاحيتها بنحو ٢ مليون جنيه، وقد أوصى التقرير بتطوير التكاليف مع اتخاذ اللازم لإعداد خطط إنتاج وتسويق تحقق زيادة فى نسب استغلال الطاقة بما يحقق عائدا مناسبا على الاستثمارات فى الشركة وينعكس على نتائج أعمالها. 
لم تتوقف الخسائر وإهدار المال العام عند هذا الحد فقد أضافت المستندات أنه قد بلغت الخسارة نتيجة بيع أصناف بأقل من تكلفتها بشركة مصر للمستحضرات فقط فى عام ٢٠١٤ /٢٠١٥ نحو ٣٠ مليون جنيه فى حين تضمن المخزون من خامات الإنتاج الخاصة بأصناف تقل تكلفتها الصناعية عن سعر بيعها بنحو ٧ ملايين جنيه وأوصى التقرير بأنه لابد من العمل على ترشيد التكاليف وأنه يجب للحد من الخسائر اتخاذ ما يلزم مع الجهات المختصة لزيادة أسعار بيع الأصناف المخسرة بما ينعكس بالإيجاب على نتائج أعمال الشركة.
وأضافت التقارير أنه لا يوجد نظم تفيد بوجود أى أسس الرقابة الداخلية على أعمال الشركة وأنه لا يوجد أى انضباط فى العمال المالية ووجود فروق عند التحصيل بالإضافة إلى سوء إدارة الأفراد وعدم الاستفادة من الكوادر المدربة والتعسف فى استخدام السلطة.
اللافت أن تقرير مجلس الإدارة لشركة مصر للمستحضرات الدوائية لإيراد النشاط للعام ٢٠١٥ أرجع أسباب الخسارة وانهيار إلى سوء الإدارة والانهيار الإنتاج ما أدى إلى أن تحملت الشركة نحو ١٥ مليون جنيه غرامات نتيجة التأخير فى السداد أو عدم التوريد المنتجات الدوائية إلى الجهات المختصة نتيجة عدم الإنتاج، بالإضافة إلى تحمل الشركة أيضا مبلغ ٩ ملايين جنيه غرامات تأخير لشركة الجمهورية للأدوية نتيجة غرامات على رصيد أول المدة، علاوة على مبلغ ٣ ملايين جنيه غرامات للشركة المصرية لتجارة الأدوية على تأخير توريد بعض المنتجات هذا بالإضافة إلى تحمل الشركة مصر للمستحضرات حسب ما تشير الشركة خسائر بلغت نحو ٣٠ مليون جنيه نتيجة إنتاج وبيع بعض المستحضرات التى تزيد تكلفتها الكلية عن سعر بيعها والتى بلغت أكثر من ١٥٠ مستحضرا دوائيا. 
رغم كل هذه المخالفات الجسيمة الواردة فى ميزانية شركة مصر للمستحضرات لعام ٢٠١٥ لم يتخذ مسئولو الشركة القابضة أو المسئولون بوزارة قطاع الأعمال أى إجراء لإزالة هذه المخالفات بالرغم من تحول الشركة من الربح إلى الخسارة، حيث انهارت شركة مصر للمستحضرات الدوائية منذ عدة سنوات، فحسب التقارير الرقابية حققت الشركة خسارة قدرها ٣٠ مليون جنيه رغم أن أرباحها بلغت فى بعض السنوات ٥ ملايين جنيه.
توالت الخسائر خلال ٣ سنوات بدأت منذ عام ٢٠١٣ وبلغت الخسارة فيها ٢٥ مليون جنيه وفى عام ٢٠١٤ بلغت الخسارة ٢٠ مليون جنيه وفى عام ٢٠١٥ وصلت الخسارة إلى ١٣.٩ مليون جنيه، هذا فى الوقت الذى أعفى فيه وزير الاستثمار الشركة من ١٢ مليون جنيه غرامات ومصاريف تحكيم قضائى مع شركة أطلس للإنشاءات والاستثمار العقارى طبقا لما جاء ببيان مجلس إدارة الشركة فى ميزانية ٢٠١٥، بالإضافة إلى قيام الشركة بتخفيض الإهلاك بمقدار ٣ ملايين جنيه وتخفيض حقوق الملكية بمقدار ٣.٣ مليون جنيه ولو لم تقم الشركة بعمل هذه الإجراءات لوصلت خسائرها إلى أكثر من ٢٥ مليون جنيه فى عام واحد وهو إجمالى الخسائر الحقيقية لشركة مصر كما جاء بالميزانية للعام الحالى. 
ورغم كل ما سبق أبقى رئيس الشركة القابضة على نفس السياسات التى أدت بالقطاع الدوائى إلى الانهيار، وكذلك أبقى على نفس المسئولين لرئاسة شركة مصر للمستحضرات الطبية للعام الرابع على التوالى، ولم يقم باستبدالها بأحد الكفاءات لإنقاذ الشركة من خسائرها، وكذلك مسئولو شركة النصر للكيماويات - بل إن رئيس الشركة القابضة لم يتخذ أى قرارات من شأنها النهوض بشركة مصر للمستحضرات أو شركة النصر للكيماويات الدوائية مرة أخرى وهى أقدم شركات دواء فى شركات قطاع الأعمال فى مصر.
لم يكتف مسئولو القابضة للصناعات الدوائية بذلك بل قاموا بضرب القوانين بعرض الحائط وصرفوا كما تشير المستندات مكافأة بالملايين لمجلس إدارة الشركات الخاسرة وقاموا حسب الأوراق والتقارير التى بحوزتنا بصرف مكافأة المسئولين عن انهيار شركة النصر للكيماويات قيمتها حوالى (٢٥٠ ألف جنيه).
أما شركة النصر فقد حققت خسائر متوالية، فيكفى أن نعرف أن خسائر الشركة فى ازدياد مستمر حيث بلغت الخسائر إلى الآن ٨٧ مليون جنيه، ورغم تلك الخسائر المتتالية قام رئيس الشركة القابضة للأدوية بصرف مكافأة (أرباح) لرئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب ولباقى أعضاء مجلس الإدارة، فهل تسمى مكافاة خسارة؟ وإذا كان الخاسر يحصل على مكافأة قيمتها مئات الألوف فلماذا يبذل مجهودا؟.
- ومن الغريب أن هذه الملاحظات التى ذكرتها التقارير الرقابية وكذلك تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وهو الجهة الرقابية على اموال شركة مصر للمستحضرات الطبية وكل الشركات التابعة لقطاع الأعمال لم تحرك ساكنا للمسئولين سواء فى قطاع الدواء أو وزارة قطاع الاعمال ولم يتخذ أى قرارات بشأن تلافيها وعدم تكرارها والعمل على إصلاحها ولكنهم قاموا باعتماد ميزانية الشركات الدواء الحكومية للعام المالى ٢٠١٥ حيث اعتمدها رئيس الشركة القابضة بصفته رئيسا للجمعية العمومية للشركات التابعة ضاربا عرض الحائط بكل هذه المخالفات المدونة بالميزانية.