الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

محمد خان.. وداعًا حرّيف الغلابة

المخرج محمد خان
المخرج محمد خان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى فيلمه قبل الأخير «فتاة المصنع» كعادته التقط «محمد خان» التفاصيل الصغيرة التى لا يلتفت إليها أحد، فى رصدٍ لحال الطبقات المنسية المهمشة، ولأنه كان ضد المجانية والاستسهال، لم يركن خان إلى الوصفة الجاهزة فى تناول تلك الطبقات.
ربما لن نبالغ فى إذا قلنا إن خان عشق تلك الطبقات وانحاز إليها فى رؤيته السينمائية، فلم يقدم تلك الطبقة كعادة الأفلام التى تناولتها فى الصورة المستهلكة الزائفة فى أغلب الأحيان، فرجال خان ليسوا البلطجية مدمنى المخدرات العاطلين عن العمل، ونساؤه لسن من رواد شارع جامعة الدول تحت وطأة ظروفهن القاسية. 
بل لا تملك إلا أن تضمر احتراما وتقديرا لهؤلاء الناس، فى معاركهم للحياة ومناطحتها، فى تعاطيها بكل أوجهها وعدم الاستسلام أمام منغاصاتها. لمحنا هذا بعمق فى فيلمه «أحلام هند وكاميليا» وكم كان رائعا مشهد نجلاء فتحى وعايدة رياض، وهما على شاطئ البحر تختلسان لحظات سعادة وبهجة صافية من بين فكى حياتهما البائسة. 
وكان شديد الوضوح فى المشهد الختامى لـ«فتاة المصنع» وهيام ترقص بقوة وتحد لا رقصة طير مذبوح، هذه القوة الكامنة فى روح نساء خان نراها تنطلق فى نظرات «سعاد حسني» (فيلم موعد على العشاء) وثباتها وهى تتناول وجبة قاتلة بعدما وضعت فيها السم لطليقها «حسين فهمي»، هزمت غروره وتجبره ولم تتزحزح لحظة عن قرارها وإن كان سينهى حياته. أما الطبقة المتوسطة التى تآكلت مع سياسات الانفتاح الاقتصادى، فكأن خان يصرخ متمردا عليها فى فيلمه «سوبر ماركت» من خلال عبارة ممدوح عبدالعليم إلى الطبيب الانفتاحى الذى حول مهنة الرحمة إلى استثمار لا يقدر عليه إلا السادة من طبقة الـ ٢٪ «ممكن أتنازل أخلاقيا وأشيلّك الشنطة، بس مش مستعد أجيبلك عصافير»، كانت صرخة خان التى لم يلتفت إليها أحد عن الحياة والوطن اللذين تحولا إلى مجرد سوبر ماركت استهلاكى بقوانين السوق لا مكان فيه لأخلاق أو مبادئ سوى القيمة والملكية. 
تلك القيم الاستهلاكية التى حولت الإنسان إلى آلة تجرى طوال الوقت لتحصيل سلع زائفة، ضغطت روحه وأصابته بالتبلد وضعته فى قوالب مصمتة بلا روح تصبو إلى الجمال وتتعاطى معه، وهى الفكرة التى كان قد بدأها فى فيلمه «خرج ولم يعد» سنجد (عطية) موظف الأرشيف العاطل عن أى موهبة ضغطته حياة المدينة اللاهثة فلم تعد لديه القدرة على، حتى، ملاحظة الجمال الذى يكتنف حياة «كمال بيه» واستغرق منه الأمر طويلا حتى يستمع لصوت الكروان ويقلع عن صوت عدوية.
انحياز خان للمستضعفين ممن سحقتهم الحياة لم يكن فقط من خلال الطبقات المهمشة، ففى الحريف سنجد «فارس» لاعب الكرة الشغوف بحب الساحرة المستديرة، لم يحالفه الحظ ليكون ضمن نادٍ مصنف لكنه لا يتخلى عن ولعه حتى وإن أدى به هذا الولع لخسارة زوجته وطفله، وحينما يذعن لقوانين الحياة ومنطقها لا يستسلم بسهولة وكان ألق النصر فى مباراة اعتزاله تحت الكوبرى بمثابة فوز على الحياة نفسها التى عاندته طويلا لكنه ابتسم لها ساخرا وهو يهزم اللاعب الشاب المتغطرس، وكأنه يعلنها عالية مدوية «أنا ملك الشارع والكرة الشراب.. أنا الحريف حتى من دون مربع أخضر».
يزعم البعض أن خير من يعبر عن مشاعر المرأة هى إمرأة مثلها، كادرات محمد خان تفضح زيف تلك الفكرة وتهافتها، فبطلات خان ما كان لهن أن يجسدن تلك المشاعر كما الحال مع مخرج بحجم خان، يكفى ذاك المشهد من فيلم «فى شقة مصر الجديدة» وفتيات الفندق يتحلقن حول مائدة الإفطار تعتلى ملامحهن بهجة صافية حقيقية، تنقلها وصلة رقص كانت روحية أكثر منها حسية، لينتقل الكادر فى ثوانٍ إلى «حياة القلوب» عايدة رياض، تحتل المشهد بمفردها، تحلق بقلبها وتسمو فوق هزائم الأيام وخيبات العمر المنقضي.