السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

غالي شكري.. مرة أخرى "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نواصل لنطالع كتاب «العلمانية الملعونة» لغالى شكري. ونقرأ ثلاث مقدمات كتبها غالى فى عام ١٩٨٩.
ونقرأ فى المقدمة الأولى: «لم يعرف العالم العربى الحديث العلمانية قط كجزء من مشروع حضارى أشمل، وإنما عرفها حينا كثقافة عقلانية تنويرية، أو كمجموعة من القوانين المنقولة من الغرب وأساسا فرنسا. وذلك لأن النشأة الاجتماعية- الثقافية للشرائح المتوسطة من البرجوازية المصرية لم تعثر على الصيغة العلمانية المناسبة لتطورها وتطور مجتمعها بشكل عام. فهذه البرجوازية نشأت فى الأصل هجينا، ولم يحدث أن كانت طبقة مستقلة. 
فقد تحولت قطاعات من كبار ملاك الأرض إلى التجارة والصناعات الخفيفة والبنية البيروقراطية للدولة. وهكذا ولدت برجوازيتنا المحلية مسخا مشوها، ولم تعرف القوام الاجتماعى الذى يتبلور من المصالح الجديدة المستقلة. ولذلك لم تصطدم الرؤى الفكرية لبرجوازيتنا بأي مؤسسة دينية أو غير دينية قائمة، وإنما لجأت إلى التوفيق بين نقيضين تحتاج لأولهما عمليا، وهو التكنولوجيا الغربية، وتحتاج من الثانى أن يبرر الأول ويمنحه الشرعية وهو الإسلام».
ويمضى غالى شكرى متجاهلا حقيقة أن صداما قد وقع فى مطلع القرن العشرين بين مفكرين من أمثال سلامة موسى وفرح أنطون ونقولا حداد وشبلى شميل وبين مؤسسات وأفكار وأيديولوجيات كانت راسخة ومتمكنة، ومتجاهلا الصدام المرير بين الأستاذ الأمام محمد عبده وبين مؤسسة الأزهر وشيوخه، وهو صدام تجاوز حدود الحوار المقبول، بما دفع الأستاذ الأمام إلى القول وهو على مشارف الرحيل.
ولست أبالى أن يقال محمد/ أبلّ أم اكتظت عليه المآتم؟
ولكن دينا قد أردت صلاحه/ أحاذر أن تقضى عليه العمائم
يمضى غالى متجاهلا ذلك كله، ويقول: «هكذا نشأت معادلة لنهضة العربية الحديثة، وهى عربية الثقافة، لكنها قطرية المجتمع، وهى معادلة تقدم على أساس التوفيق، أى الجمع الكمى الساكن وليس التركيب الكيفى المتحرك بين الإسلام والغرب. هذا التوفيق الذرائعى البرجماتى الذى يحقق النفع للبرجوازيات الممسوخة والاحتكارات الأجنبية فى وقت واحد كان يصعد أحيانا بالطموح إلى الاستقلال ويحقق إنجازات اقتصادية وسياسية مهمة منذ عهد محمد على وحتى ثورة ١٩١٩، إلا أنه ونتيجة لتركيبته كانت العلمانية فى أغلب الوقت مجموعة من النصوص القانونية أو الهياكل الدستورية دون مضمون علمانى حقيقى يرتبط أساسا بمشروع للديمقراطية الاجتماعية والثقافية، وكان الفكر الدينى السلفى هو الذى يحكم باسم الإسلام مختلف تجليات السلطة» (ص١٥)، ونمضى مع غالى شكرى وهو يشكو من أن «هذا التداخل المعقد بين قوانين الشريعة والقوانين الوضعية أوهم البعض بأننا دولة علمانية، وأوحى للبعض الآخر بأننا دولة ثيوقراطية»، ثم يقول: «وقد وصلت تراكمات «سقوط النهضة» ذروتها فى الهزيمة الناصرية التى منحت الأمل ولم تحقق الوعد. وكان الأمل هو إبداع تركيب نوعى جديد لثورة ثقافية شاملة من عناصر الهوية القومية والحضارة الإنسانية»، ويعود ليقرر «عندما تصبح الهوية القومية اعترافا واعيا متمثلا لمعنى التنوع والتعدد وبالتالى الديمقراطية والعلمانية فإن ارتباط هذه الهوية بالعالم لن يعتوره القصور ومركبات النقص».. وهنا يكتشف غالى شكرى الحقيقة المريرة، وهى افتقاد الديمقراطية، ويمضى ليؤكد «ليس من منفذ سوى العلمانية لا كمشروع مستقل مكثف بذاته وإنما كجزء من مشروع حضارى أشمل جوهره الديمقراطية. ليس من مجال لإعادة التاريخ أو نسخه، فلن نكتشف أو نخترع ما تم اكتشافه أو اختزاعه، ولم يعد أمام العرب المعارضين ومصر فى مقدمتهم سوى اللحاق بركب البشرية المعاصرة أو الانقراض، وهذا اللحاق ليس ممكنا بغير ثورة ثقافية شاملة مقدمتها الديمقراطية وخاتمتها الديمقراطية، حينئذ تصبح العلمانية مجرد مظهر لجوهر أعمق، يحرر الدين من الدولة ويحرر المجتمع من أى سلطة تحكمه فى العلن أو فى الخفاء باسم الدين» (ص١٩).
ويضرب غالى شكرى مثلا عمليا على ما يسميه تحرير الدين من الدولة، فيقول: «فى الستينيات أفتى الشيخ الجليل محمود شلتوت الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بأن الصلح مع إسرئيل حرام، وفى السبعينيات أفتى الشيخان عبدالحليم محمود ومحمد متولى الشعراوى وكان أولهما شيخ الأزهر والثانى وزيرا للأوقاف بأن الصلح مع إسرائيل حلال. إذ بارك كلاهما اتفاقيات كامب ديفيد»، ويسألنا غالى شكرى السؤال الصعب أين يقع الإسلام هنا؟ ويجيب: «إن اقحام الدين فى شئون الدولة يوقع الناس فى حيرة شديدة بين المواقف المتضاربة للناطقين الرسميين باسم الدولة». ثم يضرب مثالا آخر: «منذ فترة قصيرة أفتى شيخ الأزهر بأن فائدة البنوك هى الربا بعينه، والربا محرم نصا، بينما أفتى مفتى الديار المصرية بأن فائدة البنوك حلال. ووقف بعض المشايخ إلى جانب شركات توظيف الأموال، ووقف غيرهم ضدها فأين الدين من كل ذلك؟ (ص٤٦).
وإلى لقاء آخر مع غالى شكري.