الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر وإفريقيا.. اختبارات حقيقية في الطريق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن الدائرة الإفريقية شديدة التميز داخل المجال الحيوى للأمن القومى المصرى، بما لها من روابط تاريخية وجغرافية، تجعل منها الدائرة التالية مباشرة للدائرة العربية الأقرب داخل منظومة الأمن القومى المصرى، دون أن يمس ذلك أهمية الدوائر الإسلامية والأوروبية والأمريكية. فواقع الأمر أن إفريقيا هى بوابتنا الطبيعية إلى المجال الدولى، فمنها تترشح مصر لتحتل مقاعد دولية مهمة، ممثلة للقارة السمراء، بداية من البطولات الرياضية العالمية، إلى مواقع مؤثرة فى المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لعل آخرها كان مقعد مصر غير الدائم فى مجلس الأمن، وفى الأفق تعديلات تهدف إلى توسيع مجلس الأمن، سعيًا إلى مزيد من «دمقرطته» باعتباره الجهاز الرئيسى لمنظمة الأمم المتحدة، والمنوط به حماية السلم والأمن الدوليين، كهدف أسمى للمنظمة الأم. الأمر الذى يحتم على مصر أن تسعى بجدية إلى تهيئة المناخ الإفريقى الداعم لمثل هذا المكسب الكبير حين تحتل مقعد دائم فى مجلس الأمن الدولى ممثلة عن إفريقيا، بما لمصر من وزن لا يُستهان به فى القارة الإفريقية، وبما لها أيضًا من ثقل عربى. على خلفية ذلك، يمكن رصد مجموعة من الملاحظات، تكشف الفرص والتحديات أمام الدولة المصرية فى سعيها إلى الانطلاق بقوة داخل القارة الإفريقية، ومن هنا نقول:
- تشير المستجدات التى طرأت على طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة إلى كثير من التشابك شديد التعقيد بين الملفات الاقتصادية والسياسية، ومن ثم علينا استحداث سُبل جديدة تتعاطى من خلالها مصر وكثير من المتغيرات التى فرضت نفسها على القارة الإفريقية. فمما لا شك فيه أن الانسحاب من القارة السمراء على مدى عقود طويلة، لا يمكن تعويضه بين يوم وليلة، ولا يجوز لنا أن ننتظر من الأشقاء الأفارقة البقاء أسرى علاقات تاريخية مضت، دون أن نقدم لهم بديلًا حقيقيًا يتبنى حقيقة قضاياهم ويلبى احتياجاتهم التنموية المتنامية. وعليه، فليس لنا إلا أن نعمل بجدية «وصبر» على استعادة متانة الروابط التى جعلت من مصر رائدة للعمل الوطنى الإفريقى، بعد المساندة القوية التى قدمتها مصر، فى السابق، لجهود الاستقلال والتنمية الإفريقية. 
- مضى وولى إلى غير رجعة الزمن الذى يمكن أن نطالب فيه الدول الإفريقية بمقاطعة أعدائنا وخصومنا على الساحتين الإقليمية والدولية، ذلك أن نهج المقاطعة تراجع منذ فترة طويلة فى أجندات السياسة الدولية، بل وآخذ فى الاختفاء من العلاقات الدولية المعاصرة، بعد أن بدت المصالح مترابطة ومتشعبة، إلى درجة يصبح معها البحث عن سُبل للحوار أكثر منطقية من التزام المقاطعة، بما تمثله من انسحاب حقيقى من المشهد، وانكفاء لا مبرر له، ولا جدوى من ورائه.
- فى هذا السياق، لا بديل عن وضع سياسة خارجية تقر بالفعل بحق الأفارقة فى علاقات متينة مع إسرائيل وتركيا وإيران، وهى الدول التى تمر علاقاتنا معها بمنحنيات بالغة الحساسية والتوتر. مع الأخذ فى الاعتبار أن العلاقات الدولية ترتكز بالأساس على المصالح المشتركة، وليس على مفاهيم أكثر ارتباطًا بالعلاقات الأسرية أكثر منها إلى العلاقات السياسية.
- مخاوفنا مشروعة جراء الجولة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى فى إفريقيا، غير أن الواقع أن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية قديمة ومعروفة، ومن خلالها تعمد إسرائيل إلى التغلغل داخل المجال الحيوى للأمن القومى المصرى. لكن علينا أن نجد فى ذلك ما يدفعنا إلى مد جسور حقيقية من التعاون الاقتصادى والسياسى والثقافى مع دول القارة الإفريقية، بدلًا من أن نذكرها بالعلاقات الحميمية التى كانت، إذ علينا أن نحترم طموحات الشعوب الإفريقية فى تنمية حقيقية تنهض بالدول الإفريقية من مؤخرة جميع مؤشرات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
- روابطنا بالدول المشاطئة لنهر النيل لا ينبغى أن تكون على حساب علاقاتنا ببقية الدول الإفريقية، والحديث هنا لا ينبغى أن يقتصر على وجود سفارات مصرية على أراضى تلك الدول، دون حراك طبيعى فى الاتجاه الفاعل لبناء شراكات اقتصادية حقيقية، ودعم سياسى متبادل. الأمر الذى يفرض على الدبلوماسية المصرية تبنى الكثير من القضايا الإفريقية، وطرحها على المجتمع الدولى من خلال الحضور المصرى المميز فى المحافل المؤثرة على الساحتين الإقليمية والدولية.
- التغلغل داخل المجتمعات الإفريقية مسئولية وطنية ضخمة، لا ينبغى التفريط فيها بدعوى المعايير الاقتصادية فقط، فدائمًا ما يشكو الأشقاء الأفارقة من أنهم يعرفون الكثير عن مصر، إلا أن المصريين لا يعرفون شيئًا عنهم، ولا عن ثقافاتهم المتباينة، وطبيعة مجتمعاتهم، وما لديهم من فنون، وما يختزنونه من تاريخ.
- من جهة أخرى، ينبغى أن تنهض الدولة المصرية بدور مهم فى تقوية الروابط العربية الإفريقية، على أن يتخذ الأمر شكلًا مؤسسيًا، تشارك فيه وترعاه بجدية القمة العربية والقمة الإفريقية، خاصة وأن جزءًا لا يُستهان به من الأمة العربية يقع بالفعل فى القارة الإفريقية، ومن ثم كان ينبغى على تلك الدول «المشتركة» أن تعمل على دمج القضايا الأساسية بين العرب والأفارقة بغرض خلق شراكات اقتصادية حقيقية، يمكن أن تنتج مواقف سياسية ذات قواسم مشتركة من المصالح والرؤى.
- الدبلوماسية النشطة للرئيس السيسى على الأراضى الإفريقية ينبغى أن تتبعها سياسات عامة تسعى من خلالها مصر إلى التواجد بقوة على الساحة الإفريقية، حيث تمتلك مصر من الخبرات الكثير مما تحتاج إليه بالفعل دول القارة السمراء. فقط الأمر يحتاج استراتيجية وطنية واضحة فى التوجه نحو إفريقيا بملفات شديدة الصلة بالرأى العام الإفريقى، كملفات التعليم والصحة والثقافة والفنون باعتبارها ركائز كل تنمية بشرية حقيقية وجادة. 
- الدبلوماسية البرلمانية الوطنية عليها أن تخطو خطوات واسعة على الأراضى الإفريقية، فليس كافيًا استحداث لجنة للشئون الإفريقية فى البرلمان المصرى، دون تواجد جاد وفعال يطرح سُبلًا جديدة للتعاون بين مصر وأشقائها الأفارقة. غير أن نجاح تلك اللجنة منوط بما إذا كنا بالفعل قد اعتمدنا فى تشكيلها على معايير موضوعية، مثلما تحتاج إلى تنسيق على مستوى عال مع الجهود المبذولة من الدبلوماسية التقليدية التى تنهض بها وزارة الخارجية المصرية، بغرض تحديد الملفات وأولوياتها، وتبادل الرؤى والأدوار للنهوض بمسئولياتها.
- من هنا فإن معيار قوة علاقاتنا مع إفريقيا، يتجسد بصدق فى دعم سياسى متبادل، يوازيه تعاون اقتصادى حقيقى. وكلنا نذكر ما صرح به الرئيس السيسى فى الجلسة الافتتاحية لمنتدى «إفريقيا ٢٠١٦» من أن مصر تهدف فى السنوات الخمس المقبلة إلى مضاعفة حجم التجارة مع الدول الإفريقية، والبالغ حاليًا أكثر من خمسة مليارات دولار أمريكى.
- وعليه، فإن اختبارات حقيقية تنتظر علاقاتنا بإفريقيا، مع دعم إفريقى مأمول لترشيح السفيرة مشيرة خطاب لمنصب أمين عام منظمة اليونسكو. فضلًا عن تجسيد ما أعلنه مؤخرًا وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، من الانتهاء من إعداد خطة تحرك شاملة لتنمية وتعزيز علاقات مصر التجارية والاقتصادية مع الدول الإفريقية.