الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن ثورة يوليو والحوار الدائر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جدل كبير شهدته مواقع التواصل الاجتماعى عن ثورة يوليو، وخاصة من الشباب الذين كانت غالبيتهم ممن يشتمونها ويعتبرونها أصل ما جرى فى مصر من تخلف وتراجع، ويمدحون فى الفترة الملكية رغم أنهم لم يعيشوها ولم يعرف عن أصولهم إقطاعيات ضاعت ولا شركات تم تأميمها. والمدهش هو دخول كثير جدًا من الإخوان المسلمين على الخط انتقادًا لثورة يوليو رغم أنهم أول من رحب بها، بل وكان لهم دور فى حماية بعض المنشآت أثناء الانقلاب. 
لكن طبعًا كانوا يراهنون على الجيش كما راهنوا حين وصلوا إلى الحكم بعد ثورة يناير، وفى المرتين خذلهم الجيش. من هم مثلى عواجيز يعنى. تعلموا فى مدارس الثورة وعملوا فى مصانعها ومشاريعها يعز عليهم انتقاد الثورة، ويعز عليهم أكثر انتقاد جمال عبدالناصر.
وأنا شخصيًا أرى فيه ما لخصه أحمد فؤاد نجم الشاعر الكبير، بأنه عمل حاجات كتير حلوة وحاجات كتير خابت، قال نجم ذلك رغم أنه قضى فى سجون عبدالناصر ثمانى سنوات. ثورة يوليو بدأت انقلابًا عسكريًا فى عصر كان معروفا أنه عصر الانقلابات.
سبقها انقلاب حسنى الزعيم فى سوريا، وثورة مصر صارت ثورة بعد انحياز الانقلاب إلى الفلاحين ثم العمال، فبدأ بالفلاحين بتوزيع أراضٍ عليهم من الأطيان المصادرة من كبار الملاك.
حدث ذلك فى سبتمبر من نفس العام ١٩٥٢، أى بعد الثورة بشهرين، دخلت الثورة منعطفًا آخر وهو منعطف الانتماء إلى الطبقات الفقيرة للشعب.
رفعت شعار القومية العربية الذى جعلها فى صف الأعداء للغرب، فاقتربت من الشرق الاتحاد السوفيتى مثل كثير جدًا من دول آسيا وإفريقيا التى ثارت أو انقلبت على حكامها وعلى الاستعمار، ومن ثم أخذت من الشيوعية شيئًا من الاشتراكية وقامت بالتأميم. دخلت فى مشروعات مهمة وخطة خمسية للتنمية، لكن تم ضرب ذلك كله عام ١٩٦٧ فى الهزيمة التى عرفت بالنكسة. لكن ظلت منجزات الثورة لا تُمس إلا بعد أن جاء السادات وانقلب عليها فى كل شيء. فى الاقتصاد أعلن انتهاء عصر القطاع العام وبدأ عصر الانفتاح وبدأ بيع الشركات لأصحاب الحزب الحاكم. فى السياسة الخارجية قام بالصلح مع إسرائيل وابتعد عن الاتحاد السوفيتى واعتبر أن فى يد أمريكا ٩٩٪ من حل مشاكل سياستنا الخارجية. الحكاية معروفة، طيب لماذا يتم انتقاد ثورة يوليو بشكل كبير جدًا.
لأن كل ما أنجزته اقتصاديًا واجتماعيًا ضاع لكن بقى منه الديكتاتورية والحاكم الفرد. والحقيقة أن غياب الديمقراطية كان سبب نكسة ١٩٦٧، لأن عبدالناصر لم يكن يعرف ما يدور حتى فى جيشه.
مثلى لديه نوستالجيا كبيرة إلى سنوات الطفولة فى الخمسينيات والمدارس الحلوة والستينيات، والأفلام الحلوة والشوارع التى لا تزال تحتفظ بطابعها القديم من أيام العصر الملكى، ولا تزال خطب عبدالناصر تثير فىّ الشجن، لذلك أمضيت يوم السبت الماضى لا أشاهد التليفزيون حتى لا أشاهده وأتأثر به. لقد صرت على قناعة منذ هزيمة يونيو ١٩٦٧ أن آفة ثورة يوليو هى الديكتاتورية. كل ما بناه ناصر بصعوبة هدمه السادات بجرة قدم، لأنه لم يترك خلفه نقابات قوية تدافع عن مصالح العمال، ولا صحافة حرة مثلًا وهكذا.
ترك منتفعين من الاتحاد الاشتراكى صاروا فى الحزب الوطنى، واستخدموا مع الأحزاب الأخرى ما كان يستخدمه عبدالناصر مع معارضيه من سجن وترويع.
يمكن أن نقول إن الخمسينيات كانت عصر الانقلابات وإن الاشتراكية كانت وسيلة الدول الناهضة لكن الديمقراطية لم تكن غائبة فى العالم.
وإذا نظرت إلى بلاد مثل الهند ويوغوسلافيا ومصر التي أعلنت سياسة عدم الانحياز، ورأيت ما انتهت إليه كل منها ستجد أن الهند التى جعلت الديمقراطية طريقها تطورت وأن يوغوسلافيا الشيوعية الديكتاتورية تفتتت، ومصر الاشتراكية نُهبت وسُرقت وضعفت، لأنه لا مصر ولا يوغوسلافيا عرفا طريق الديموقراطية.
هذا الطريق الذى قطعت فيه مصر شوطًا كبيرًا منذ عهد إسماعيل باشا وحتى عام ١٩٥٢ ثم تخلت عنه مع ثورة يوليو.
لكن فى النهاية ثورة يوليو انتهت مع موت عبدالناصر منذ ست وأربعين سنة، وكان يمكن أن تنهض مصر أكثر، لكن مَنْ بعده أضاعوا البلاد والعباد لاحتفاظهم بالديكتاتورية.