السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"طظ في الواقع".. 5 مبادرات شبابية ضد العادات والتقاليد

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
موروثات اعتدنا عليها ونرددها طوال الوقت دون وعى «ضل راجل ولا ضل حيطة»، «البنت مالهاش غير بيتها»، «دكتور نفسى يعنى مجنون»، «الصنايعى هو اللى يدور عليك»، أمثلة شكلت حياتنا وأجبرتنا على التعامل بصورة نمطية، ولكن من داخل المجتمع المصرى خرج خمسة شباب قرروا تحدى الموروثات الاجتماعية وتغييرها.
تغيير العالم يبدأ بتغيير المجتمعات الصغيرة، «البوابة» تحدثت إلى خمسة من الشباب الذين حاولوا تغيير عالمهم ليصبح بصوة أفضل، لتنقل تجاربهم وتشاركهم أحلامهم فى مجتمع أفضل.
من ضمنها كانت مبادرة «قوة الفتيات» لتعليم فتيات الأحياء الشعبية لعب كرة السلة، وإكسابهن المهارات والأخلاق الرياضية، واستطاعت المبادرة أن تجتذب أكثر من مائة فتاة فى مناطق شعبية وتكتسب ثقة الأهالى، أما ريهام أحمد فتحدت مجتمعها الصغير وأنشأت أول مكتبة شعبية فى المرج بجهود شخصية لنشر الوعى والثقافة، وفى السياق نفسه كانت مبادرة «ضل حيطة» لمقاومة العنف ضد المرأة ودعم الفتيات فى مصر، أما إسلام جوهر فقرر إنشاء موقع يخدم «الصنايعية» ويساعدهم على التواصل مع الزبائن لتصبح الخدمة اليدوية متاحة إلكترونيا، وأخيراً قصة المهندس أحمد أبوالحظ الذى مر بأزمة نفسية كان لها الأثر فى أن يعرف أهمية الطب النفسى، فأنشأ أول عيادة إلكترونية لخدمة المرضى النفسيين ومساعدتهم.
"هاندي شاك".. سوق لـ«الصنايعية» على الإنترنت
يبحث هشام عطية عن عمال لتجهيز شقته الخاصة، يمشى فى الشوارع يسأل المارة عن نجار تارة، ويتصل بمعارفه للبحث عن سباك تارة أخرى، ولا أحد يدله على عامل قريب منه ومتاح، فيقرر «هشام» بالشراكة مع صديقه إسلام جوهر ـ مهندس البرمجة ـ إنشاء أول موقع إلكترونى لتوفير الخدمات والمساعدة فى الحصول عليها.
يقول «إسلام»: «الناس بتتبهدل عشان تلاقى نجار أو سباك لشقتها، وعشان كده فكرنا فى هاندى شاك، وهو عبارة عن سوق إلكترونية بتوصل أصحاب الخدمات والمهن باللى محتاجينهم، وبيسهل التواصل بينهم»، لم يقتصر الموقع على المهن اليدوية فقط ولكنه أيضًا يشمل الأعمال المنزلية، والخدمات التعليمية والرياضية وغيرها، فيه ناس بتدور على ممرضين أو محفظين قرآن أو مدربين لأولادهم، الموقع بيوصلهم بالناس دى ببلاش ومن غير أى مقابل».
يدخل الزائر إلى موقع «هاندى شاك» ويختار الخدمة التى يريدها، ثم يختار المحافظة والمنطقة، فتظهر له أسماء وأرقام تليفونات عدد من مقدمى هذه الخدمة بجواره، يقول «إسلام»: «عندنا دلوقتى حوالى ٩٧٠ واحد بيقدموا خدمات مختلفة، أرقام تليفوناتهم موجودة، وممكن أى حد يتواصل معاهم بسهولة»، أما عن طريقة التسجيل فبحسب مصمم الموقع: «أى شخص يقدر يدخل الموقع ويعمل بروفايل خاص بيه فيه معلومات عن اللى بيعمله وإحنا بنأكدها معاه، وبنسمح بوجوده على الموقع، والتقييمات بعد كده هى اللى بتحدد وجوده يستمر أم لا؟»، كما يضيف «إسلام»: «الموضوع ده بيكون فرصة كويسة لو حد عايز يساعد حد يعرفه أنه يوسع سوقه، ممكن يعمله بروفايل وزباينه يزيدوا».
ستة أشهر فقط كانت هى عمر الموقع بشكل رسمى عبر التعامل المباشر مع مقدمى الخدمات، يقول «إسلام»: «لسه عندنا فجوات كتير فى مناطق منعرفش عن خدماتها حاجة، وعشان كده فيه ناس بتدخل متلاقيش اللى بتدور عليه، ويتمنى «إسلام» أن يصبح «هاندى شاك» موقع الخدمات الأول فى مصر والشرق الأوسط، ويستطيع أصحاب الخدمات مجاراة السوق الإلكترونية وتقديم خدمات تتناسب معهم.
"دكة" .. أول مكتبة شعبية فى المرج
ممسكة بكتاب تقرأه، تجلس «ريهام» فى بيتها الجديد «دكة»، مشروع حياتها وحلمها، تنظر حولها وتتخيل تطور المكان بعد سنوات من الآن واكتماله كما جسدته فى خيالها، المكتبة الشعبية الأولى فى المرج والمناطق المجاورة كانت مجرد فكرة تملكها فتاة مصرية صغيرة.
منذ ما يزيد على العام تطوعت ريهام أحمد، ٢٤ عاما، فى مشروع «إنسان» لخدمة المناطق العشوائية والفقيرة، وإلى جانب الاهتمام بالمساعدة المادية لأهالى هذه المناطق، اهتمت «ريهام» بالوعى الثقافى ورأت أن السعى لتغيير مفاهيم الشباب هدف أسمى، فبحسب قولها: «جمعنا تبرعات من كتب مستعملة وصل عددها لـ٢٠٠ كتاب، وبنسمح للشباب بتبادلها مع بعض، وبقى لينا غرفة ثابتة داخل مقر (إنسان) عشان القراءة ونادى الكتاب بشكل مستمر».
فى مطلع ٢٠١٦ قررت «ريهام» بمساعدة صديقتها رحمة محسن وأخيها «محمود» تأجير غرفة خاصة بأموالهم وتجهيزها حتى تصبح مركزا ثقافيا متكاملا، ومكتبة عامة فى المرج وأطلقوا عليها «دكة»، تحكى «ريهام»: «فى البداية الموضوع كان مكتبة بهدف نشر الوعى بين الشباب، ومساعدتهم إنهم يقرأوا اكتر، بس خلال شهرين بقينا مركز ثقافى فيه أنشطة كتير زى الموسيقى والفنون والحرف اليدوية، وكمان بنقدم مشروبات عشان يقدر أى شخص يقضى اليوم كله عندنا يقرا ويستمتع بكل الأنشطة».
ردود أفعال متباينة بين إقبال الشباب من سن ١٥ - ٣٠ على «دكة»، واستغراب الكبار أن تترك «ريهام» حياتها وتتفرغ لمشروع عمرها كما تطلق عليه: «هى دى وظيفتى وحياتى كلها، وحتى لو فيه ردود أفعال سلبية أنا متأكدة من اللى بعمله وعارفة إنه هيجيب نتيجة على المدى الطويل»، تقول «ريهام» التى تحاول أن تنشر الفكرة بين قطاعات مختلفة من الشباب على الرغم من صعوبة الأمر، فبحسب قولها: «فيه شباب كتير لسه مش متعودين إن فيه مركز ثقافى فى منطقتهم، وبنواجه صعوبة فى إننا نشرحلهم الفكرة وأهدافها، بس اللى بيجى مرة بيجيب معاه صاحبه المرة الجاية، وهكذا بتنتشر الفكرة».
تمسك بهاتفها المحمول وتتصل «ريهام» بواحد من كتابها المفضلين، تخبره عن مشروعها الخاص وتطلب منه المجيء لحضور ندوة ثقافية ومناقشة حول كتابه الأخير، تحكى «ريهام»: «أكتر ردود أفعال بتبسطنى أن الكتاب مرفضوش يجوا مكان شعبى زى المرج ويعملوا ندوات فى مقر صغير زى دكة، بالعكس اهتموا يسمعوا الشباب بيفكروا إزاى، ويتناقشوا معاهم فى كتبهم، وده شجعنى جدًا للاستمرار فى اللى بعمله وعرفت قيمته».
«شيزلونج».. عيادة نفسية «أونلاين»
الذهاب للطبيب النفسى يعتبره البعض فى المجتمع العربى والمصرى «وصمة عار»، يخشى المريض أن يفتضح أمره فيفضل المكوث فى منزله حتى لا يراه أحد ولا تزداد حالته سوءا وتدمر حياته، من هنا كانت فكرة أول عيادة نفسية «أونلاين» فى الوطن العربى. 
فى ديسمبر ٢٠١٦ تعرض مهندس الكمبيوتر أحمد أبوالحظ، لحادثة كانت نتيجتها أن توقفت ذراعه عن الحركة، يحكى «أحمد»: «الدكاترة قالولى مش هتحرك إيدك تانى، والموضوع عمل لى اكتئاب كبير، وكنت محتاج دكتور نفسى يعالج الاكتئاب ده عشان أقدر أواصل حياتى، وبعد ما تخطيت الأزمة فكرت ليه مايبقاش فيه موقع أونلاين يخدم المرضى النفسيين ويسهل ليهم الوصول بالأطباء ومن هنا بدأت فكرة موقع شيزلونج».
أيام قضاها «أحمد» أمام حاسوبه، ينظم الموقع ويحدد شكله حتى يستطيع كل من لديه مشكلة أن يتواصل مع طبيب يخدمه، ومنذ حوالى عام كانت انطلاقة أول عيادة نفسية إلكترونية فى الوطن العربى تضمن السرية والخصوصية التامة للمريض، يقول «أحمد»: «أى شخص يقدر يدخل على الموقع، يختار الطبيب المناسب لحالته حسب التخصص، ويختار إما يكتب مشكلته ويرسلها إلكترونيا وينتظر الرد، أو يحدد ميعاد جلسة مع الطبيب، ويعمل مكالمة فيديو ويتكلم بشكل حر وإحنا بنضمن الخصوصية التامة».
يطالع الزائر للموقع شعاره فى الصفحة الأولى «أنت تتكلم، نحن نساعد»، حقيقة سعى «أحمد» لتحقيقها فوصل عدد مستخدمى العيادة النفسية الإلكترونية إلى ٥٠ ألف مستخدم من ٤٠ دولة مختلفة على مستوى العالم، أكثر من ٢٥ طبيبًا بتخصصات مختلفة فى الطب النفسى متاحين على الموقع الإلكترونى، يختار من بينهم الزائر بعد أن يرى ملفهم الشخصى وخبراتهم ويقرأ عنهم كل ما يحتاج من معلومات، يقول «أحمد»: «أى طبيب نفسى يقدر يتيح خدماته أونلاين من خلال شيزلونج، بناء على معايير تخص الخبرة العلمية والمهنية، وعدد سنين العمل، ويحدد سعر جلساته ومواعيدها، والمرضى يتواصلوا معاه».
يحتوى الموقع أيضاً على مجلة تضم عددًا من المقالات العلمية فى مجال الطب النفسى، ونصائح للفئات المختلفة، وتوعية بعدة أمراض نفسية، يحلم «أحمد» - الذى اتجه لعمل دبلومة فى علم النفس بجانب خبرته فى عالم الكمبيوتر حتى يستطيع خدمة مشروعه بشكل أكبر - أن يتوسع «شيزلونج» بشكل أكبر، ويقول: «نفسى يبقى عندنا لغات مختلفة بتخدم أكتر من السوق العربى، وقريب هيكون عندنا قسم خاص لمساعدة الأمهات نفسيا». 
«ضل حيطة».. مواجهة العنف ضد المرأة بالفن
«ضل راجل ولا ضل حيطة».. مثل شعبى قديم يتحكم فى حياة المرأة فى كثير من المجتمعات المصرية، يقيد أنشطتها ويمنع خروجها أحيانًا، من هنا كانت فكرة مشروع «ضل حيطة» الذى ينظمه مركز التكعيبة للتنمية الثقافية والفنية فى شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.
تقول زينب فرحات، واحدة من منسقات المشروع: «شغلنا كله كان فى شبرا الخيمة وهو حى كثافته السكانية حوالى ٥ ملايين مواطن، بنشتغل مع الناس فى الشوارع وبنتكلم معاهم وبنعتمد على الفن كوسيلة أساسية فى التوعية والتنمية لمشروعات مختلفة، مع الوقت لاحظنا أن أغلب البنات بعد سن المراهقة يتم منعهن من المشاركة فى الأنشطة، ومن هنا كانت فكرة برنامج ضل حيطة»، وبحسب كلام «زينب» المقصود بكلمة «ضل حيطة» ليس الزواج، ولكن أى ممارسات أو عادات تمنع المرأة من ممارسة حياتها بشكل طبيعى فى المناطق الشعبية.
«بالفن نقدر نغير أفكار المجتمع ونفهمه الصح».. تقول «زينب»: «فيه حاجات كتير زى الضرب والتعنيف النفسى والشتيمة والإجبار على نوع معين من الدراسة أو الشغل كلها بتندرج تحت مسمى العنف ضد المرأة وضل الحيطة، عشان كده دورنا فى المشروع ده أننا نفهم الناس أن أى حاجة صغيرة ليها تأثير على حياة البنات».
أشكال مختلفة للفن تتخذها مبادرة «ضل حيطة» لنشر أفكارها، فبعد أيام ستقام ورشة جرافيتى حرة للتوعية بالعنف ضد المرأة، وسيتم الرسم فى الشوارع، تقول «زينب»: «بجانب الجرافيتى، حاليًا تتم التحضيرات النهائية لأغنية بتتكلم عن نفس الموضوع، سيتم تلحينها بطريقة المهرجانات عشان توصل لأهالى المنطقة وهيغنيها شباب وبنات من شبرا الخيمة، وكمان بنحضر لفيلم» لا تكتفى مبادرة «ضل حيطة» بتقديم أنشطة وفنون بصرية يراها الناس دون المشاركة، فبحسب «زينب»: «هنعمل ألبوم توعية عبارة عن كتيب تفاعلى فيه معلومات ورسومات ومسابقات بتوعى الناس بالعنف ضد المرأة، وسيتم توزيعه على الناس فى الشارع، واللى يقدر يخلص الألبوم ويحل المسابقات لى جايزة عشان نشجع الناس تهتم بالقضية أكتر».
على جانب آخر تنتشر الحملة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى عن طريق كتابة منشورات تزيد الوعى بقضية العنف ضد المرأة، لا يتوقع مسئولو مركز التكعيبة ردود الأفعال على مشروعهم الجديد، فكما تقول «زينب»: «المشروعات اللى بتعتمد على تغيير الأفكار بتاخد وقت طويل، وإحنا بس كل هدفنا أن الموضوع يستمر حتى لو هنشوف أثر صغير».
«قوة الفتيات».. تغيير حياة البنات بالألعاب
فتيات لم يعرفن ممارسة الرياضة يومًا، فلا أندية فى محيط بيوتهن، تنحصر تجاربهن الحياتية فى المنزل والاهتمامات الأسرية، حتى تغيرت حياتهن عن طريق لعب كرة السلة والمشاركة فى أنشطة مبادرة «قوة الفتيات» التى أسستها هيام عصام الشربينى لاعبة السلة السابقة، بهدف التنمية البشرية والمجتمعية عن طريق الرياضة.
بدأت الفكرة عام ٢٠١٣ عندما شاركت «هيام» فى برنامج تبادل فى الولايات المتحدة الأمريكية يضم ١٦ فتاة من جميع أنحاء العالم، لنشر ثقافة استخدام الرياضة فى خدمة المجتمع، وبعد عودتها من الخارج أسست الفتاة المصرية المبادرة لتفعيل ما درسته على أرض الواقع، تقول هيام: «إحنا بنعمل اتفاقيات مع مؤسسات موجودة بالفعل فى مناطق عشوائية بتخدم البنات عشان يبقى لنا ثقة ومصداقية عند الأهالى مبنية على سمعة المؤسسات دى، ونعلم البنات كرة السلة»، يتكون فريق «قوة الفتيات» من ١٥ متطوعة جميعهن مارسن رياضة السلة بشكل احترافى ويدربن البنات فى مناطق محرومة من الأندية.
لا تهدف المبادرة لتعليم الفتيات اللعبة لهدف رياضى فقط، ولكنها تستخدم الرياضة كأداة لتنمية شخصياتهن وتطوير مهاراتهن، تقول هيام: «إحنا بنخرجهم برة إطار حياتهم المعتاد، وبيكسبوا تجارب جديدة زى الفوز والخسارة وروح الفريق، واتخاذ قرارات بتأثر على مجموعة كاملة»، بالإضافة لذلك تكتسب الفتيات الأخلاق الرياضية، ويتم خلق بيئة اجتماعية كاملة يشاركن فيها ويتحدثن عن مشاكلهن اليومية تحت إشراف مدربات من الفريق مع إمكانية خلق صداقات جديدة، منذ تأسيس المبادرة، وحتى الآن تم تدريب حوالى ١٠٠ فتاة فى مراحل عمرية مختلفة، وأكسبتهن الرياضة ثقة بقدراتهن الجسدية والفكرية وأثرت فى سلوكهن اليومى.