الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انقلاب إخواني على أردوغان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الذين استعجلوا إطلاق الأحكام، واختيار المواقف فى الانقلاب التركى أمامهم فرصة ثانية لتأمل الوضع من جديد. فالذى حاول الانقلاب على الرئيس الشرعى المنتخب الطيب رجب أردوغان لم يكن الجيش كمؤسسة، ولا المعارضة العلمانية، بل جماعة فتح الله كولن الإسلامية: «الكيان الموازى»، كما يسميها الرئيس أردوغان، ويتهمها بالسعى للاستيلاء على الحكم. والجماعة أقرب شكلًا، ورسالة، وتنظيمًا إلى جماعة الإخوان المسلمين وإن لم تكن لها علاقة بها.
فى تركيا الآن مئات المحققين والأمنيين يقومون بمطاردة واسعة للتنظيم، الذى يعتبر أكبر جماعة إسلامية منظمة فى تركيا وآسيا الوسطى. وزعيمها الشيخ فتح الله كولن هو المتهم الأول بتدبير محاولة الاستيلاء على الحكم عبر الانقلاب، وتطلب حكومة أردوغان من الحكومة الأمريكية تسليمه.
وبعد مفاجآت وقائع الأيام الماضية، وتفاصيلها الجديدة المهمة، أرى أن على الإخوة المنتسبين، والمتعاطفين من جماعات الإسلام السياسى، أن يفهموا الحدث التركى. فالذى خان أردوغان وحاول إسقاط الشرعية هو جماعة إسلامية مسيسة استخدمت بعض أعضائها المنتسبين لها سرًا ويعملون ضباطًا وموظفى حكومة، وحتى فى مكتب رئيس الوزراء، واعتمدت على تنظيم سرى ينتمى له طابور من القضاة والمدرسين.
المحققون الأمنيون فى محاولة الانقلاب، لا يبحثون عن الأسلحة فى مكاتب المتهمين وبيوتهم، بل يفتشون عن كتب ومنشورات دينية لزعيم الجماعة تثبت ارتباطهم بالجماعة الإسلامية. كما أن أسئلة المحققين مع المتهمين تتمحور حول علاقتهم بها. وتقول وكالة الأنباء الرسمية «الأناضول»، إنه تم العثور على كتب دينية للجماعة عندهم. وذكرت أن أحد المتهمين، أستاذ مساعد، عثر فى مكتبه فى جامعة سكاريا على كتاب «تلال القلب الزمردية» لفتح الله كولن. ومن الملاحظ أن غالبية المعاقبين ليسوا العسكر بل من سلك القضاء وأساتذة الجامعات والمعلمين، وتجاوز عدد الموقوفين ثلاثين ألفًا، أما العسكر فنحو تسعة آلاف. الرقم الكبير يُبين أن المتهم ليس الجيش بل الجماعة. كما أن العسكر المتورطين هم أعضاء فى جماعة كولن مثل نائب رئيس هيئة الأركان لفنت تورككان الذى اعترف أنه مرتبط بها منذ سنوات.
وجماعة كولن التركية جماعة إسلامية مسيّسة تشبه تنظيم الإخوان المسلمين العربى، الذى يعتمد هو الآخر على بناء كيان موازٍ للدولة ينافسها من خلال النشاطات الاجتماعية والتعليمية والبنكية للوصول إلى عمق المجتمع والسيطرة عليه. وجماعة كولن، مثل الإخوان، تمارس «التقية» عند ملاحقتها، تعمل سرًا من أجل التغيير وفى العلن تنفى أنها حركة تآمرية.
وكان الشك يراود السلطات التركية منذ زمن بعيد حول نوايا الجماعة، وقبل خمسة عشر عامًا قررت إبعاد كولن من تركيا بسبب فيديو ظهر على «يوتيوب» يعترف فيه لجماعته، أنه يريد تغيير النظام العلمانى التركى. وقد سعى الرئيس التركى الأسبق بولنت أجاويد لتخليص كولن من عقوبة السجن بتهمة التآمر، فطلب منه السفر خارج البلاد، فحط كولن رحاله فى الولايات المتحدة، حيث يستقر حاليًا فى ولاية بنسلفانيا.
وكولن مثل بعض الدعاة المسيسين لدينا الذين يزعمون أن الملائكة تنزل عليهم وتخاطبهم، يقدم نفسه كصاحب معجزات. يقول إنه حفظ القرآن وهو فى الرابعة من عمره، وإن أمه كانت توقظه فى منتصف الليل ليكمل حفظه. وقد أخلص كولن لمشروعه حيث أمضى نحو أربعين عامًا يعمل داعية بين المساجد فى أنحاء الأناضول، وبنى منظمة عملاقة لها مئات المدارس الدينية فى تركيا، ولاحقًا مد نشاطاته التعليمية والخيرية فى جمهوريات آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، وقد تسبب فى أزمة مع حكومة كازاخستان التى اشتكته إلى الحكومة التركية بتهمة التنظيم والتآمر. فى تركيا بنى كولن، ما يسمى «الكيان الموازى»، يتألف من جمعيات خيرية، ومؤسسات اقتصادية عملاقة، ومحطات إذاعة وتليفزيون وصحف. وصار له نفوذ واسع حتى أنه فى الماضى أعان حزب العدالة والتنمية، وساند أردوغان فى الانتخابات، لكن الرجلين اختلفا وافترقا قبل نحو ثلاث سنوات.
لقد نجح كولن فى إحداث تغييرات فى المجتمع التركى، وخلق قاعدة شعبية مستفيدًا من الحريات والانفتاح الاقتصادى الكبير الذى عّم البلاد منذ الثمانينيات. واتضح أن الرئيس أردوغان، الذى يعرفه جيدًا، على حق، عندما عبّر مبكرًا عن توجسه من جماعة كولن السرية، حيث يبدو أنها نجحت فى التسلل إلى عمق المؤسسة العسكرية، الأكثر تحصينًا.