الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأطباء والكهرباء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أذكر أن محاضرة اللغة الإنجليزية بالأكاديمية البحرية بالإسكندرية وهى بلجيكية الجنسية قالت: بينما كنت حاملًا فى طفل وعلى وشك الوضع استيقظت قبل فجر ليلة من الليالى شديدة البرد على آلام فى بطنى تنذرنى بحلول ميلاد ابنى، فأيقظت زوجى ليسعفنى فأمرنى بإبدال ملابسى وأوصلنى بالسيارة إلى أقرب مستشفى يقع فى حى العصافرة، والمفروض أنه أى المستشفى يعمل على مدار ساعات اليوم، فرننا الجرس المزعج وطرقنا الباب المغلق، ففتح لنا طبيب متجهم الوجه يبدو وكأنه استيقظ لتوه من النوم، فأشرت إلى بطنى وقلت له: أغثنى فإنى أشعر بآلام الوضع، فتأمل الطبيب المصرى وجهى فى صمت، ثم قال لى بثقة وحزم وكأنه يعلم الغيب: إن الآلام التى تشعرين بها ليست ولا ريب آلام وضع، وإنما هى نتيجة لضغط مؤقت للجنين على إحدى الكليتين، فقلت له: يبدو أنك لم تستيقظ من النوم بعد، أو أنك تضرب الودع ولم تدرس الطب، وجذبت يد زوجى وبسرعة رحلنا خشية أن يضربنا! 
ولم تكد تمر دقائق أخرى حتى وصلنا إلى أكبر مستشفى، وهناك استقبلنا بترحاب ما بعده ترحاب أطباء كبار، مستيقظون وليسوا نائمين ومبتسمون غير متجهمين.. عيونهم مفتوحة وليست مغلقة وأذهانهم متوهجة وموقدة وأجهزتهم مستعدة وجاهزة، وكأن ليلهم هو نهارهم. وبعد التحليل والكشف والتصوير بأشعة إكس قالوا لى بثقة ويقين لا يشوبهما ريب أو شك: إن الآلام التى تشعرين بها ليست آلام وضع، وإنما هى نتيجة لضغط مؤقت للجنين على إحدى الكليتين، فكدت من فرط المفاجأة أن يغمى علي. 
وبعد أن دفع زوجى الفواتير التى تشمل حساب التحليل والكشف والتصوير قلت له: هل لديك مزيد من سعة الصدر ومتسع آخر من الوقت يسمحان لنا بإيقاظ الطبيب النائم مرة أخرى من النوم؟!، فلم يعترض زوجى ولم يناقشنى وكأنما فهم من دون شرح قصدى. 
فلم تكد دقائق أخرى تمضى حتى كنا نقف أمام نفس الباب المغلق نرن جرسه المزعج، فإذا بالطبيب النائم يفتح بينما لم تكد بعد عيناه تُفتحان، فقلت له: أعتذر لك أيها الطبيب عما بدر من لسانى القبيح فلم أكن أعرف قدرك العظيم، ورويت له بالتفصيل ما حدث فى المستشفى الكبير، ثم سألته: من أين أتيت بهذا التشخيص دونما كشف أو تحليل أو تصوير؟!، فقال: من لون وجهك!
فقلت له وأنا مندهشة من قوله: ليس لدينا فى أوروبا طبيب مثلك اكتسب من تعامله مع المرضى مهارة كمهارتك، فالكهرباء إن انقطعت عن المستشفيات هناك.. ليست فقط تتوقف حينئذ عن التشغيل الأجهزة والمعدات، وإنما أيضًا تكف وقتئذ عن التفكير والتشخيص عقول الأطباء!