الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

رئيس الإذاعة المصرية يروي لـ"البوابة" ذكرياته مع "23 يوليو".. فهمي عمر: "٣٠ يونيو" منعت اختطاف "٢٥ يناير".. ولولا "السيسي" لتمزقت مصر

 الإعلامي فهمي عمر
الإعلامي فهمي عمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى صباح الأربعاء، الثالث والعشرين من يوليو 1952، استهل الإذاعى فهمى عمر، ابن قرية الرئيسية بنجع حمادى، مقدمة الفترة الإذاعية الصباحية، بكلمات «سيداتى سادتى، دقت ساعة جامعة الملك فؤاد السابعة والنصف من صباح الأربعاء، وإليكم نشرة الأخبار التى نستهلها ببيان من القوات المسلحة، يلقيه مندوب القيادة». بعد تلك المقدمة، أذاع الرئيس الراحل أنور السادات، بيان الثورة، ليكون عمر شاهدًا على انطلاق الثورة التى غيرت وجه مصر. فهمى عمر ابن قرية الرئيسية بنجع حمادى مواليد 1928 وتعلم فى مدرسة الرئيسية الإلزامية بمركز نجع حمادى شمال محافظة قنا، ويحمل لها ذكريات جميلة، لأنها المدرسة الأم التى تلقى بها تعليمه الأساسى. 
التحق بكلية الحقوق فى جامعة الإسكندرية حينما كان اسمها جامعة فاروق الأول، ثم عمل بالإذاعة سنة 1950 وظل فى الإذاعة 38 عامًا حتى أصبح رئيسًا لها، كان شاهدا على كثير من الأحداث وعاصر فنانى مصر العظام وسياسييها وزعماءها الكبار.. وإلى نص الحوار:

■ كنت شاهدًا على البيان الأول لثورة ١٩٥٢ هل تم منعك من إلقاء البيان؟ 
- لم أمنع ولكن قدر لى أن أكون المذيع الذى يتلقى بشائر ثورة يوليو، لأنه كان من حظى أن أكون مذيعا فى فترة الصباح، وعندما ذهبت إلى الإذاعة صباحًا وجدت الثوار يتواجدون فى الإذاعة منذ الفجر ويشرفون عليها وعندما صعدت إلى الاستديوهات وجدت مجموعة من الضباط يتوسطهم السيد أنور السادات وكان «السادات» معروفًا لنا كمذيعين لأنه كان طوال الأربعينيات حديث الصحف سواء فى قضية «أمين عثمان» أو فى قضية «الراقصة حكمت فهمى»، وقصة هروبه من المعتقل ثم عودته للجيش مرة أخرى، السادات كان «حدوتة كبيرة» وكان بطلاً وطنيًا. وعندما دخلت إلى الاستديو أقبل علىّ بابتسامة لطيفة وقال لي: نأسف لأن البرنامج الخاص بك طرأ عليه بعض التغييرات حيث سنذيع بعض البيانات. وأحسست أن فى الأمر شيئًا، وأن التجمع حول الإذاعة من جنود القوات المسلحة بشكل كبير وراءه حدث غير عادى، وكانت الإذاعة تبث طوال اليوم، تبدأ فى الساعة السادسة والنصف صباحًا، وتنتهى فترة الصباح فى الثامنة صباحًا وفترة الضحى من العاشرة حتى الحادية عشرة، وفترة ما بعد الظهر من الثانية حتى الثالثة والربع، وفترة المساء والسهرة من الخامسة حتى الحادية عشرة والربع، وقدر لبيان القوات المسلحة أن يذاع فى نشرة السابعة والنصف فى صباح اليوم، واقترحت على السادات يومها أن أقوم بإلقاء البيان فرفض وقال إن الجيش هو من سيذيع البيان إلى الشعب. 
■ ماذا عن ذكرياتك مع الرؤساء السابقين؟ 
- عبدالناصر لم تكن لى به صلة فأنا مذيع وهو رئيس الجمهورية، ولكن السادات كان عندما يتقابل معى كان يقول لى «أهلًا بالمذيع الصعيدى» ودعانى فى فرح نجلته على «محمود عثمان»، أما حسنى مبارك فكانت له مجاملات لطيفة وكنت أتعامل معه كرئيس للإذاعة المصرية، وكانت الأمور طبيعية جدًا، أقوم بتأدية عملى ولم تكن هناك صلة مباشرة بى، ولكنى لا أنسى له موقفه فى أحداث سنة ١٩٩٥ التى راح ضحيتها نجلى ضحية للغدر والخيانة، فقام بالاتصال بى تليفونيًا وأرسل أكثر من رسول للتعزية. 
■ كنت شاهدًا على ٣ ثورات «يوليو ويناير ويونيو»، ما الفرق بينها؟ 
- ثورة يوليو جاءت ولها هدف معين لتخليص مصر من عهد بائد، ومن الاستعمار ونجحت نجاحًا كبيرًا، فأجلت الإنجليز وأممت قناة السويس وجعلت العهد الملكى ينتهى وتحقق للثورة أهدافها، فضلًا عن قانون الإصلاح الزراعى وما أعطته من حقوق للعمال والفلاحين والشباب. 
أما ثورة يناير فإن مصر قد ضاقت ذرعًا بما هى فيه، فالفساد كان منتشرا والرغبة فى توريث الحكم، فخرج الشعب وعلى رأسه شباب مصر ليكتبوا تاريخا جديدا لهذا البلد، لكن للأسف من قاموا بالثورة ليسوا هم من استفادوا منها. فقد استغلت جماعة الإخوان ثورة الشعب المصرى للوثوب على السلطة، حتى وإن تناثرت مصر إلى أشلاء، فلا هم لهم سوى الحكم. 
أما ثورة ٣٠ يونيو فقد صححت أخطاء ثورة يناير من خذلان واختطاف للثورة، وساندهم وكان ظهيرا لهم الجيش بقيادة وزير الدفاع وقتها «عبد الفتاح السيسى»، فيكفى السيسى أنه قام بتحرير مصر مما كانت فيه، ولولا وقفته معنا لتمزقت مصر. 
■ ما تقييمك لفترة حكم «الجماعة الإرهابية» لمصر؟ 
- العام الذى قضته جماعات الإخوان فى الحكم، لا بد أن نمحوه من التاريخ المصرى، لأنهم لم يصنعوا شيئًا وكان كل همهم الحكم، وكنت ألتقى مع مجموعة منهم وكانوا معى فى مجلس الشعب عام ١٩٨٨ فى مجلس القوائم، وكنت أقول لهم: ماذا تريدون؟ فكانوا يقولون إنهم يريدون الحكم، وكنت أتوقع أنه عندما يتولى الإخوان حكم مصر أن يبهروا الشعب المصرى ويقدموا حلولًا للمشاكل اليومية للمواطنين، لكنهم كانوا يطمحون للحكم دون أن تكون لهم خطط لإصلاح البلد وحل مشكلاته، بالإضافة إلى أن هذا العام شهد الكثير من الأحداث التى كانت ستؤدى إلى انهيار شامل واقتتال داخلى. 
■ ماذا عن ذكرياتك مع الفنانين مثل عبدالحلم حافظ وأم كلثوم؟ 
- العمل الإذاعى أتاح لى الفرصة لكى التقى برموز الفن والأدب والعلم والصحافة، وليس الفنانين فقط، ولا أنسى لقاءاتى مع إحسان عبدالقدوس وكامل الشناوى، وكوكبة كبيرة من عمالقة الصحافة، أيضًا كانوا يحضرون إلى الإذاعة لكى يقدموا برامج ويشاركوا فى الندوات التى كانت تقيمها الإذاعة. 
وكان أول لقاء مع كوكب الشرق السيدة أم كلثوم فى عام ١٩٥٢ عندما جاءت إلى الإذاعة لكى تستمع إلى حفلها الغنائى الذى كان يسجل ثم يذاع بعدها بيومين أو ثلاثة، لكى تبدى رأيها بخصوص الأغنية التى ستذاع بحسب انطباعها هى عن أدائها فى الحفل، وكان ابن شقيقتها يعمل مهندسًا فى الإذاعة وعندما كانت «كوكب الشرق» تدخل إلى استديو الإذاعة تصادف خروجى من الاستوديو وقام ابن شقيقتها بتعريفى بها قائلًا إن «فهمى عمر» معروف فى الإذاعة بأنه المذيع الصعيدى، ومنذ ذلك الحين نشأت بيننا علاقة قوية، وأم كلثوم كانت سريعة البديهة وصاحبة نكتة، ولديها شخصية ظريفة، وقدر لى أن أقدم حفلاتها الغنائية ثلاث مرات عندما كنت أعمل فى قسم المذيعين من عام ١٩٥٠ حتى عام ١٩٥٧، قبل أن أتفرغ للبرامج مثل «ساعة لقلبك ومجلة الهوى والبرامج الرياضية والتعليق على مباريات الدورى العام لكرة القدم»، وكانت أم كلثوم حريصة على أن تستقبل مذيعى الإذاعة والتليفزيون قبل أن تقوم بأداء حفلها الغنائى، ليكون المذيع قادرًا على تقديم الحفل دون توتر، لأن حفل «كوكب الشرق»، كان يحسب له ألف حساب، وكان المذيع دائما ما يفكر كيف سيقدم هذه الفنانة العظيمة، وماذا سيقول فى وصفها، ورغم الاستعداد الكبير الذى يسبق الحفل إلا أن رهبة الموقف وإحساس المذيع أن العالم العربى كله يسمع الآن وأمام روعة أم كلثوم وأدائها، كل ذلك كان يسبب حالة من التوتر وشد الأعصاب لمن يقدم الحفل، وأذكر أننى كنت حريصا على أن أكتب ما سأقوله وصفًا لأم كلثوم، ومع ذلك تلجلجت فى إحدى المرات حينما كنت أقدم الحفل، كما أننى سجلت معها أحاديث خاصة فى برنامج «مجلة الهوى»، بعدما عادت من أداء مناسك العمرة وكيف وهى تحكى لهم وهى تؤدى المناسك، وسالت دموعها وهى تصف مشاعرها أثناء وجودها فى الحرمين المكى والنبوى. 
أما عن عبدالحليم حافظ، فكان يعرفه مذيعو الإذاعة كعبدالحليم شبانة أحد أفراد فرقة أوركسترا الإذاعة المصرية، وكان المذيعون يرون أن عبدالحليم يختلف كثيرًا عن باقى الفرقة، وكان له شقيق يغنى فى الإذاعة يدعى «إسماعيل شبانة»، وكان عبدالحليم يقول للمذيعين إن لديه صوتًا جميلًا، وكان يسمعهم بعضًا من أغانيه، وكانت هذه الأيام هى الخطى الأولى للملحن العملاق «محمد الموجى»، الذى كان رفيق الدرب مع عبدالحليم، وقام المذيعون بالتحدث بشأنه مع «حافظ عبدالوهاب»، والذى كان يرأس قسم الموسيقى والغناء فى الإذاعة، فقام بالاستماع إليه ودخل لجنة الاستماع ونجح وأعطاه «حافظ عبدالوهاب» اسمه لأنه قال إن شقيقه يدعى إسماعيل شبانة، فيجب إن يختار له اسمًا آخر فقال «عبد الحليم» أنه يريد أن يأخذ اسم «حافظ» فأخذ هذا الاسم من «حافظ عبد الوهاب»، وكان للإعلام الإذاعي دور كبير وفعال فى أن يصبح عبدالحليم من أشهر نجوم الغناء العربى.
■ ما تقييمك للإعلام المصرى حاليًا؟ 
- الإعلام يجب أن يعبر عن مشاكل الجماهير، ويكون مرآة عاكسة للمجتمع عندما يجوب الديار ويكتشف نجوم الأدب والغناء والقصة والشعر والفن بكل أنواعه. هذا هو الإعلام، لا يبغى إلا أن يكون مرآة عاكسة للمجتمع ككل يعرف مشاكله ويبرزها، ولا يخوض إلا فى الإيجابيات ويبرز السلبيات، ولكن دون تهويل ولا يجعل من «الحبة قبة»، ولا يضخم المشاكل ولا يثير القلق فى نفوس الناس، ويحث على بذل المزيد من الجهد والعرق من أجل أن تتقدم مصر.