الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفوضى الخلاقة في تركيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدفع تركيا ثمن خطايا «أردوغان»، مغامراته المجنونة، أحلامه بدولة الخلافة الوهمية، تجنى ثمار جرائمه فى تحويل بلاده مركزا إقليميا لمعسكرات التنظيمات الإرهابية، باعتبارها قاعدة انطلاق لتنفيذ سيناريوهات الفوضى الخلاقة بأدوات الإخوان والتنظيمات المماثلة، وهى نفس المخططات التى جعلت المنطقة العربية برمتها مسرحا للعمليات الإرهابية، وهدفا لتمزيق أقطارها دويلات صغيرة هشة يسهل التهامها، بما يضمن تفوق الدولة العبرية على المنطقة بأكملها بما فيها تركيا، وفق استراتيجية أمريكية صهيونية معدة سلفا بمعرفة دوائر صناعة القرار فى البيت الأبيض ولندن وتل أبيب. 
المشهد الراهن فى تركيا، لا يمكن إقصاءه بحال من الأحوال عن مجمل الوضع الإقليمى بكل ما فيه من عبث، لذا فإن القراءة الدقيقة للواقع، تشير إلى أن أردوغان، انزلق بإرادته المتسقة مع أجندته التنظيمية «أيدلوجية الإخوان» نحو مستنقع الفوضى الخلاقة، وهو المخطط الذى دبرت له أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لم يكن أردوغان سوى أداة لتنفيذ هذا المخطط، فانطلق بحماقة وبلاهة لدعمه بهدف تحقيق أحلام ذاتية وشهوات تنظيمية تتضمن تفكيك المؤسسات الصلبة التى تمثل الأركان الأساسية لبنيان أى دولة مستقرة «الجيش، الشرطة، القضاء» وخلق أسباب الاقتتال وضرب المجتمعات من داخلها، عبر التناحر بين فئات الشعب مرورا بالعلاقات المتنافرة، غير المنسجمة المشحونة بالصراعات المذهبية والعرقية والطائفية.
على المستوى الشخصى لم يكن مفاجئا لى ما جرى ويجرى فى تركيا من جرائم فى تصفية القضاء والجيش واستمالة الشرطة والدفع نحو تسليح الميليشيات لمواجهة الجيش، فعندما تولى الإخوان حكم مصر وهم يعملون لحساب التنظيم الذى يحتل أردوغان موقعا متقدما فى هيكله، تحدثوا عن تطهير القضاء وضرورة فصل نحو ٣ آلاف من مؤسسة العدالة، أعقب ذلك توجهات نحو ما سموه «هيكلة الشرطة»، حاولوا اختراق المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات العامة، كان الإخوان يعتبرون مؤسسات الدولة الصلبة كيانات موازية يجب التخلص منها لصالح أيدلوجيتهم، هذه التوجهات اصطدمت بصخرة صلبة لا يمكن كسرها، تمثلت فى الإرادة الشعبية وعقيدة المؤسسة العسكرية، وهى عقيدة وطنية راسخة.
أردوغان نفذ فى تركيا ما فشل الإخوان فى تنفيذه بمصر لأجل دولة الخلافة، لكن ما يجرى على الأرض يؤكد بما لا يدع مجالا لأى شكوك، أن مركز الانطلاق نحو هذا الوهم لم يعد موجودا فالطريق إلى التمزيق والتقسيم قادم لا محالة، فكل التحليلات تذهب إلى أن ما يجرى فى تركيا هو المشهد الأخير لتحديد ملامح الخريطة الجغرافية للمنطقة وفق المخططات الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية.
حقيقة الأزمة التركية لم تكن فى تداعيات الانقلاب والانقلاب على الانقلاب، إنما فى الرئيس التركى نفسه، بسبب قناعاته السياسية ومرجعياته الفكرية، وانتماؤه للتنظيم الدولى للجماعة الإرهابية، جميعها تتحكم فى سياساته دون النظر من جانبه لمصلحة بلاده.
حماقته تبلورت فى عدم فهمه، ويبدو أنه لن يفهم أبدا أن تورطه فى صناعة الإرهاب سيعود عليه مرة أخرى، فهو لم يتعلم من الدروس السابقة، صنعت المخابرات الأمريكية «سى آى إيه» تنظيم القاعدة، دربت عناصره، أمدته بالأسلحة المتطورة، وعندما انتهى دوره، جعلت منه أمريكا عبر أدواتها الإعلامية ديناصورا، يهدد استقرار العالم، وكانت النتيجة أن التنظيم الذى صنع فى كواليس الأجهزة الأمنية، هو نفسه الذى ضرب تلك الأجهزة، أهان شرفها، جعلها عارية، دهس الأساطير التى نسجت حول قوتها، دمر رمز أمريكا الاقتصادى «برجى التجارة العالمى»، أردوغان لم يدرك تلك المسلمات المتكررة عبر التاريخ اندفع وراء خيالاته صوب سراب لن يتحقق على أرض الواقع، استعان بداعش لمواجهة جيش بلده وأهم الأركان الصلبة فى دولته. 
الهدف من الاستعانة بداعش هو حماية حكمه فى مواجهة مؤسسات الدولة، فهو لم يدرك أن سياساته الفاشية جزء من دوافع الغضب فى أوساط المؤسسة العسكرية وهى ذات الدوافع التى قادت فعليا للانقلاب، لم يدرك أن تنفيذ مخططاته المعدة سلفا فى الإطاحة بعشرات الآلاف، سيؤدى لمزبد من الغضب فى صفوف المؤسسة العسكرية، خاصة على خلفية مشاهد إذلالها كمؤسسة وإهانة أفرادها بصورة لم تحدث فى أى دولة على اتساع الكرة الأرضية.
القراءة الموضوعية لما يجرى فى تركيا، تشير إلى أن التداعيات الناتجة عن الانقلاب وما أعقبه من حملة اعتقالات واسعة، طالت عشرات الآلاف من المسئولين فى كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش، سوف يدفع البلاد إلى التمزق المجتمعى، جراء الحماقة فى رد الفعل على الانقلاب، والرعونة فى تصفية الحسابات مع عناصر القوة الصلبة مستعينا بتنظيم داعش واللاجئين السوريين والهاربين من المصريين المنتمين للإخوان. 
مايجرى فى تركيا من جرائم لم يكن خافيا على أحد، فالمشاهد تؤكد أن الجيش يقاتل الجيش والشرطة مدعومة بالميليشيات الإرهابية تحارب المؤسسات والمعارضين، وتمارس كل أشكال التصفيات الجسدية والاعتقالات، كل ذلك سيدفع تركيا للانتفاض والقضاء على حكم الإخوان فى إحدى دول حلف الناتو، خاصة إذا علمنا أن الوضع الحالى داخل الدولة التركية سيدفع الجيش للسيطرة على السلطة لتفادى انهيار الدولة التركية جراء حماقة «أردوغان»، فضلا عن وجود دوافع الانتقام لشرف الجيش بحسب المعلومات المتواترة حول هذا الشأن، جميعها يصب فى تنامى حالة الغضب على خلفية مشاهد الإذلال لهيبة المؤسسة العسكرية وقتل عدد من أفرادها فى الشوارع، لكن هذا التدخل يبدو حاليا محفوفا بالمخاطر، باعتبار أن تداعياته ستقود بالضرورة لحروب أهلية، جراء استعداد الحركات المسلحة الموالية لأردوغان لمواجهة الجيش. 
فى هذا السياق، علينا أن ندرك جميعا حقيقة وجود مصالح استراتيجية وأمنية لأطراف دولية ستجعل تلك الأطراف تستخدم كل الأساليب لاستثمار ما يجرى على الأرض فى تركيا، والعمل على الدفع نحو دعم سياسات «أردوغان» للاستمرار فى حماقاته بهدف إدخال تركيا نفق الفوضى الخلاقة وما تتضمنه من أفكار وتكتيكات تدور فى فلك تهيئة المناخ أمام سياسات تؤدى لزعزعة استقرار الدولة التركية عبر الصراعات الطائفية والعرقية والمذهبية، خاصة أن ما يجرى على اتساع الخريطة الجغرافية للدولة من أحداث مشحونة بالتوترات، كاف لأن يفتح الباب على مصراعيه أمام تطلعات قيادات القبائل وزعماء العشائر والعرقيات والقوميات المختلفة لعل أبرزهم «الأكراد» فى تركيا والعراق وسوريا وإيران لإعلان انفصالهم عن تلك البلدان، وبالوصول إلى هذه النقطة ربما لن نجد تركيا على الخريطة كدولة موحدة، فقط ستكون مجموعة إمارات متجاورة قائمة على أساس مذهبى وطائفى وعرقى وهذا ما جناه التنظيم الدولى للإخوان سعيا وراء سراب صنعته فى عقولهم أجهزة الاستخبارات العالمية لتحقيق ما نراه الآن على أرض الواقع.