رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذكورية التصوف الإسلامي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لاحظ الأكاديمى الإنجليزى «أنتونى بلاك» عدم وجود أى جماعات صوفية للنساء فى المجتمعات الإسلامية، وقد نشرت سلسلة «عالم المعرفة» فى الكويت كتابه «الغرب والإسلام»، بترجمة د. فؤاد عبدالمطلب عام ٢٠١٢. عمل د. بلاك Antony Black على دارسة الفكر والنظريات السياسية الأوروبية الباكرة، خصوصًا فى القرون الوسطى، وعكف على دراسة الفكر السياسى الإسلامى، وعلى عقد المقارنات بين تطور الفكر السياسى فى الغرب وفى الأصقاع الإسلامية، وكتابه المشار إليه «الغرب والإسلام» The west and islam من منشورات جامعة أكسفورد عام ٢٠١٠.
يقول عن النساء فى العالم المسيحى الأوروبى وما كنّ يؤدين من خدمات اجتماعية هناك: «ظهرت النساء بوضوح فى الإنجيل وفى التكريس المسيحى، كما ذُكرن بشكل منفصل ضمن الترحيبات والنصائح الأخلاقية فى رسائل العهد الجديد وغيرها من الوثائق المسيحية المبكرة، وكان للنساء فى المجتمعات المسيحية المبكرة أدوار معينة، كان ثمة واجب خاص للاعتناء بالأرامل، كان هذا كله غير رسمى، ولم يكن هناك أى إناث فى مواقع السلطة أكثر مما وجد فى المجتمع الإسلامى، حيث استطاعت النساء أن يمارسن السلطة دائما على نحو غير رسمى فى العائلة.
ولكن، بينما أُبقيت النساء فى المجمع الإسلامى معزولات داخل المجالات المنزلية، ولم يضطلعن بأى دور مهما يكن فى الحياة العامة- لم توجد أى جماعات صوفية للنساء- لم يكن يوجد فى أوروبا «أى فصل صارم بين الجنسين، وبدا فى التقليد الألمانى أن النساء يمكن أن يقمن بدور عام وأن يحصلن على بعض السلطة السياسية»، وكنّ يرثن أملاك أزواجهن وفى أغلب الأحيان، يتولين حكما ملكيا وراثيا». (ص ١١٨).
صحيح أن السيدة «رابعة العدوية» كانت بمثابة أشهر شخصية نسائية فى تاريخ التصوف العربى، لكن هل كان فى دنيا التصوف الإسلامى شخصيات نسائية أخرى؟، وهل خلا هذا الجانب من النشاط الدينى، أى التصوف، من الشخصيات النسائية على ما لدى المرأة من اهتمام بالعبادة وتجاوب مع التعاليم الدينية؟، وهل عرفت بلداننا جمعيات أو جماعات نسوية، كالراهبات، تنشط فى مجالات رعاية المرضى وخدمة المسنين والأنشطة الاجتماعية والتربوية والخيرية؟.
فى كتاب «الفرق الصوفية فى الإسلام» للمستشرق البريطانى جون سبنسر ترمنجهام Trimingham (١٩٨٧-١٩٠٤) إشارة مفيدة بخصوص علاقة المرأة المسلمة بالتصوف، وهى عكس ملاحظة «أنتونى بلاك» التى توحى بضعف حضور المرأة فى الوسط الصوفى، وإن كانت إشارة «بلاك» إلى عدم وجود «جماعات صوفية نسائية»، ويقول «ترمنجهام» عن المتصوفات فى زمن رابعة العدوية:
«كان التصوف هو المجال الدينى الوحيد، حيث يمكن للنساء أن يجدن مكانا لهن، وقد كانت توجد الكثيرات من النسوة الصوفيات، واللاتى كانت منهن رابعة العدوية وهى أشهرهن، وأثناء هذه الفترة وجدت إشارات إلى أماكن تعبُّد النساء، ويستعمل «الأربيلى» المصطلح «خانقاه» لأماكن تعبّد الرجال، و»الرباط» لتلك الخاصة بالنساء، وكانت توجد سبعة أماكن تعبّد للنساء فى حلب وحدها، وكلها أُسّست بين ١١٥٠، ١٢٥٠م، وكان فى بغداد أيضا عدد منها والتى كان أشهرها رباط فاطمة الرازية (ت ١١٥٧م)، وفى القاهرة كان يوجد رباط البغدادية، الذى بنته ابنة الملك الظاهر بيبرس فى ١٢٨٥م من أجل الشيخة المسماة زينب أبى البركة والمعروفة ببنت البغدادية وأتباعها، الذى لا يزال موجودا فى الدرب الأصفر». (ص٤٤-٤٥).
ولأماكن تجمع المتصوفة أسماء مختلفة، فيقول «ترمنجهام»: الرباط كان نوعا عربيا كمركز تدريب، وكانت «الخانقاه» النوع الفارسى من النزل والخالى من التدريب التى أُدخلت إلى مدن العالم العربى، أما «الزاوية» فهو مصطلح أطلق على المؤسسات الصغيرة، حيث كان يقطن الشيخ مع تلاميذه. بينما «الخلوة» خُصصت للرياضة الروحية لدرويش منفرد، وأحيانا تكون حجرة تقع حول مساحة المسجد، وقد كانت الصومعة الأكثر عزلة تسمى أحيانا الرابطة». (ص٤٤).
وتعرضت المتصوفة الزاهدة «رابعة العدوية» للنقد الشديد من المتدينين بسبب ما نُسب إليها من «شطح»، أى التعبيرات والتصريحات التى تبدو غير مقبولة شرعًا بسبب تعارضها، فيما يرون أو فيما توحى الكلمات فعلا مع ثوابت الدين.
ويذهب د. عبدالرحمن بدوى، وله كتاب معروف فى شطحات المتصوفة، إلى أن ثمة مبالغة فى الاتهامات الموجهة للسيدة رابعة العدوية، فيقول: «أما رابعة فالكلمات التى وردت إلينا عنها مما يندرج فى باب الشطح لا تعدّ بعد من الشطح إلا فى معناه، أما صورته- أعنى التحدث عن الله بضمير المتكلم- فليس لدينا من نوعه شيء إنما أقوال ظاهرها مستشنع وباطنها مستقيم (...) وكلها تتعلق بالتوحيد والتجريد وزيادة المعنى الروحى أو وضعه مكان المعنى المادى فيما ورد به الشرع (...) ولهذا هى أدخل فى باب التجديفات منها فى باب الشطحيات، وهى عند خصومها من مكر الله الخفى». (عن: دراسة فى التجربة الصوفية، نهاد خياطة، دمشق ١٩٩٤، ص٨٢).
ولرابعة رأى فى الحج والبيت يقول عنه ابن تيمية إنه كذب عليها، غير أن «بدوى» يرد كلام ابن تيمية، لأن «ابن تيمية» رفض صدور الكلام عن «رابعة» لأسباب وردود عقلية، بمعنى استحالة نسبة الكلام إلى السيدة رابعة لكونها عابدة مؤمنة، والقول يدل على كفر، وطالب «بدوى» بردود فيها براهين تاريخية، ولكن د. بدوى بدوره لم يقدم دليلا على صحة نسبة القول إلى رابعة.
نقلا عن الجريدة الكويتية