الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المسرحية المستحيلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل انفصالى عن صبحى كنت قد أقنعته بعرض (بالعربى الفصيح) ثم أكملتها عام ٩١، ودفعت بها للرقابة ولدهشتى أجازتها الرقابة كما هى وعندما ظهرت أثارت ضجة كبرى فى مصر والعالم العربى. ثم معظم بلاد العالم وترجمت للإنجليزية وتابعتها بالكتابة وكالات الأنباء العالمية والصحافة فى أمريكا وأوروبا وانجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وروسيا وحتى اليابان، وثبت أننى لم أدخل عش الزنابير كما توقع البعض
وتكاثر علىّ كثير من الصحفيين الأجانب وجاء بعضهم خصيصا لرؤيتها ومتابعة الجمهور وهو يصفق لها وبالطبع الأغلبية منهم من المصريين. وجاء من كل البلاد العربية لمشاهدتها لكن جميعهم لم يعقب عليها بشيء 
ولما نقلت لمسرح (الفردوس) الأوسع كانت تقدم لثلاثة أيام وفاقت وجهة نظر واكتظ المكان بها.. وطلبت للعرض فى الخارج مثل ألمانيا وإيطاليا وراسلنى منهم للعرض فى بلادهم مع ترجمة ولكن الأمر توقف لأنهم طلبوا أن نرسل لهم أسماء الستين ممثلا قبل عام ونصف. ولما كان أغلبية الممثلين ينتظرهم الالتحاق بالجندية كان من الصعب أن يكونوا معنا فتوقف الأمر لهذا السبب. 
وسألت من قبل برنامج أمريكى شهير ومذاع (هل كتبت هذه المسرحية وكنت تعلم أنها لن تصادر؟ قلت حاولت أن أجس النبض فربما يمكن أن تقبل، وكان السؤال الثانى: وهل هذا بفضل الرئيس مبارك؟ قلت نعم وإن كان هو لم يكن يعرف شيئا عنها حتى ظهرت وحضر المستشار الإعلامى للرئيس وقال إنه يريد أن يأخذ نسخة من المسرحية ليراها. وبحكم أن صبحى شريكى فى الإنتاج وقتها عرضت عليه الأمر فرفض تماما فقلت له إن الرئيس قد يستطيع أن يصور نسخة من المسرحية من دون أن نعلم بذلك! ولكنه ظل على موقفه بلا أى مبرر مفهوم. 
وبعد خروج صبحى من الشركة رحت أعيد عرض المسرحية مرارا فى مصر ثم فى الإسكندرية وكنت قد حصلت على مسرح (ستراند) -ويقع فى وسط الإسكندرية- لخمس سنوات كل صيف، وعرضت المسرحية لموسم كامل وكنت قد طبعت نسخة منها وبها عشرات المقالات التى احتفلت بالعمل، وعندى حتى اليوم عشرات أخرى من صحف أجنبية لم تصل إلى يدى وبعد أن أصبح المسرح معي، كنت يوما فى مبنى وزارة الثقافة لسبب لا أذكره وعندما كنت أخرج عائدا أرسل الوزير فاروق حسنى خلفى سكرتيرته مسرعة تحثنى على تصوير المسرحية لتصور تليفزيونيا وفوجئت وسألتها عن السبب فقالت حتى تبقى فى ذاكرة الأجيال، وصاغت لى الطلب فى ثلاثة سطور فكتبته كما قالت وأنا واقف على سلم الوزارة وأعطيتها ما طلبت، ثم قالت إن الوزير يمكن أن يدفع مقابلا مائة ألف جنيه لذلك التصوير، وكان الموسم الأخير لإيجار المسرح فقررت أن أقدم المسرحية عليه وأن يمثلها مجموعة شباب الهواة فى الإسكندرية وكنت قد قدمتها من قبل من إخراجى فى القاهرة طوال الصيف ثم اتفقت مع هدى وصفى مديرة المسرح القومى أن أعرض بالعربى عليه لعدة أيام.وجئت بالممثلين ورتبت إقامتهم بالقاهرة ودفعت لهم أجورهم كاملة وجعلت الدخول بالمجان!، وفى اليوم الأخير راح الممثلون يبكون بحرقة وبكى معهم كل عمال المسرح القومى وكان الكل يريد لها أن تستمر وصورت العمل فى آخر يوم واحتفظت لنفسي بنسخة منها، وكنت قد أعددت لإخراجها من جديد تماما وعرضتها بستين ممثلا من الهواة أغلبهم يمثلون لأول مرة فى حياتهم وكنت فخورا بهم. 
وجاء المشرف على مهرجان تونس للقاهرة وشاهد العرض وأعجب به بشدة وزارنى فى منزلى وقال إنه سينال الجائزة بلا منازع. وبعد الاستعداد 
وإرسال كل الأسماء تدخل المسئول الثقافى فى مصر وأبلغ بلده أن العمل به ما لا يجب لأنه يشوه صورتهم بينما كان العمل يتحدث عن كل الجنسيات العربية بما فيها مصر. وبعدها طلب منى أن أذهب بالمسرحية إلى لبنان وجاء منهم من تعاقد معى ثم تراجع بعدها لأن الملكة لم تستحسن الأمر. وحصل نفس الشيء أما الناس فكان قلة هم من الذين لم يعجبهم صورة المصرى فى المسرحية ورأوا أن المسرحية متشائمة وبها قسوة تصل إلى حد جلد الذات. وقلت لهم إنى أتمنى أن أكون مخطئا والواقع العربى أفضل من صورته التى عكستها فى المسرحية. وبعد مرور سنوات تقابلت صدفة مع أحد المسئولين بالتليفزيون فسألته: هل يمكن أن يسمح التليفزيون بعرض المسرحية؟ فأخذها وشاهدها ثم قال إنها من الصعب أن تعرض على الناس!. 
وما زال الأمر هكذا وحتى الآن. فلم يظهر لها مثيل. 
وأخيرا قال أحد الكتاب الأجانب يوما «إن الكتابة وسيلة خرافية لاحتواء الرعب» ، وأرجو من القارئ أو المتفرج أن يشفق على رعبى.