السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كيف أجبر "أردوغان" 750 ألف لاجئ سوري على السخرة؟

دراسة تكشف أخطر جرائم العصر الحديث على يد السلطان المزعوم

أردوغان
أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الرئيس التركى استغل نزوح الآلاف من العمال السوريين المهرة إلى أنقرة ليستثمر فيهم فيما يشبه «العبودية المقنعة» تحت شعار التجنيس 
النازحون أدخلوا للصناعة التركية نحو ٣٠ مليار دولار 
أحرق مصانع ومعامل حلب لينقل كل الخير إلى بلاده 
في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور» يذكر المؤرخ المصرى «بن إياس» عن وقائع سنتى ١٥١٦ و١٥١٧: «ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين في سائر البلاد قاطبة، ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها. 
وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارج عما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شىء أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدًا». 
لم يكتف سليم الأول بذلك فقط إنما عمل على ترحيل عدد من أمهر صناعها وحرفييها ومبدعيها، علاوة على عدد من شيوخها وفقهائها ومفكريها، ليبدأ عصر ظلام وجمود طويل في تاريخ مصر.
لم يكن الحال في بلاد الشام بأحسن منه في مصر، فقد زار سليم الأول مدينة حلب بعد عدة سنوات من غزوها ليجدها في حال يرثى لها من الانحطاط والتردي. 
استفسر عن سبب الخراب والدمار الذي أصاب المدينة والتي كانت قبلًا قبلة للناظرين، فأخبره مرافقوه بأن ما حدث هو نتيجة طبيعية لعدم استتباب الأمن في المدينة، ولسيطرة الجيش الانكشاري «العثماني» عليها.
تساءل سليم عن سـر اختفاء دكاكين الصاغة والحرفيين المهرة، الذين كانت تعج بهم المدينة فيما مضى، فرد عليه أحد قادة جيشه: لقد هرب نفر كبير منهم لدى دخولنا المدينة، وقتل العديد منهم بأيدى جيشنا، وأما البقية الباقية فقد أعلنوا إسلامهم، وتعلموا اللغة التركية، وانضموا إلى صفوف الجيش الانكشاري. 
وكأن التاريخ يعيد نفسه، مع بدء الحرب على سوريا، لم يكتف أردوغان بالدعم اللوجيستى للحركات والفصائل التكفيرية، من أول جعله تركيا محطة الانطلاق إلى سوريا، مرورًا بشراء النفط السورى المسروق من داعش، وليس انتهاء بإمداد تلك الفصائل التكفيرية بالأسلحة، لكن حلقة جديدة في سلسلة جرائم أردوغان في حق الشعب السورى كانت ما أعلنه عن منح الجنسية التركية للاجئين السوريين، الأمر الذي وصف بأنه محاولة لتجييش مزيد من الناخبين لصالح حزبه العدالة والتنمية.
في محاولة أشبه بتلك التي قام بها محمد مرسي، عندما منح ٥٠ ألف فلسطينى الجنسية المصرية للهدف ذاته.
وعلى طريقة «الحداية ما بترميش كتاكيت» أظهرت دراسة للباحث الاقتصادى «محمد كمال الجفا» أن محاولة أردوغان لتجنيس السوريين ضمن مخطط للتدمير الممنهج لسوريا، وهذه المرة لضرب اقتصادها واستغلال ظروف اللاجئين أسوأ استغلال بما يشبه السخرة. 
مخطط استنزاف سوريا
يقول الجفا: وضع مخططو الحرب على سوريا مدينة حلب في سلم أولوياتهم، ولكنها ظلت عصية على الاختراق وظلت عصية على أعدائها لأكثر من عام ونصف العام برغم كل المغريات التي قدمتها الدول التي قادت هذه الحرب الظالمة عليها.
الجميع أيقن أن حلب ما دامت بخير فالدولة السورية بخير والجيش العربى السورى بخير والصناعة بخير والليرة السورية بخير. 
رغم التضييق الممنهج الذي مورس على صناعى وتجار حلب منذ بداية الحراك في سوريا، وحالات الخطف والسرقة والقتل وإحراق المعامل وسرقة المستودعات واختطاف سيارات البضائع وسرقة محتوىات سيارات شركة الشحن والامتناع عن تسديد قيم البضائع للتجار الحلبيين وحتى الامتناع عن استجرار المنتجات والبضائع المصنعة لحجج مختلفة لكن السبب الرئيسى هو أن حلب مع النظام، وهى من أهم الأسباب التي تؤخر نجاح الثورة وانتصارها.
بدأت المرحلة الثانية من حملات الضغط على الصناعة الحلبية وهى عملية إحراق المعامل وتدميرها وسرقة المواد الأولىة والبضائع الجاهزة، بعد دخول المسلحين إلى حلب والتغلغل في أحيائها الشرقية واجتياح كل الريف الشمالى، دخلت صناعة حلب في مرحلة ثالثة وهى السيطرة على معامل القطاع العام ومراكزه الخدمية بالكامل والبدء بدراسة أوضاع معامل القطاع الخاص، حيث عمدوا إلى مصادرة المعامل من صناع حلب المحسوبين على الدولة بعشرات الحجج وعمدوا إلى تشغيل هذه المعامل واستمرارها وكان العمود الفقرى لهذا الاستيلاء هم عمال هذه المعامل أو الذين يشغلون مراكز إدارية أو قيادية فيها، وجلهم من أبناء أرياف حلب وإدلب، لكن كانت لديهم تنظيمات مسلحة منظمة مختلفة الولاءات والانتماءات تحميهم وتؤمن لهم مساحة لممارسة أعمال التصنيع والتجارة بالحد المتاح.
سعت معظم التنظيمات المسلحة التي سيطرت على مدينة حلب إلى تأمين موارد رزق لها، إضافة إلى الدعم المالى الخارجى الذي يصلها من دول الخليج. 
لكن السنة السادسة هي الأسوأ اقتصاديًا في سوريا بعد وصول الصناعة السورية إلى أدنى مستوياتها الإنتاجية مما عكس انحدارًا مرعبًا في قيمة الليرة السورية، وانحدار مستوى المعيشة وارتفاعًا مرعبًا في الأسعار الذي لم يعد يحتمل، خاصة لذوى الدخل المحدود والطبقة العاملة في القطاع الخاص بسبب تقلص فرص العمل وحتى انعدامها في بعض القطاعات.
منافسة الصناعات الحلبية
يتابع الجفا في دراسته الحديث عن أحوال مدينة حلب المزدهرة ورواج الحركة التجارية والصناعية فيها، للدرجة التي وصلت لتهديد الصناعات التركية: بدايات العام ٢٠١١ كانت الصناعة الحلبية في قمة ازدهارها وتطورها التقنى والتكنولوجى وبلغت البضائع السورية معظم دول العالم وقدرت عدد المنشآت الاقتصادية في حلب بين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمنزلية بـ٦٥ ألف منشأة ومعظم الصغير والمتوسط منها غير مرخص ويدخل تحت ما يسمى اقتصاد الظل.
ليست خسارة مدينة حلب في بنيتها التحتية والصناعية والتي قدرت حتى تاريخه وبشكل تقريبى ٢٥٠ مليار دولار، لكن الخسارة الأكبر هي في الموارد البشرية.
من المعروف أن مدينة حلب هي الخزان البشرى والاقتصادى والمالى والتقنى للصناعة للسورية ولم تبدأ الليرة السورية بفقدان قيمتها الشرائية وبشكل متسارع إلا بشكل مترابط ومتواتر مع تدهور الصناعة الحلبية واستنزاف طاقاتها البشرية. 
من المعلوم أن الصناعة التركية بدأت تتلمس الخطورة من الصناعة السورية بعد العام ٢٠٠٥، فقامت مراكز دراسات اقتصادية داخل المؤسسات التركية المتخصصة لبيان تطور وتصاعد مستوى الصناعة السورية وتوسعها، بإحداث لجان مشتركة وتنظيم رحلات وزيارات متسارعة للصناعيين والتجار السوريين للمعارض التركية والفعاليات الصناعية والتجارية الكبرى في تركيا بغية إغراء التجار السوريين والصناعيين والاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم في الوطن العربى والعالم ليكونوا بوابة عبور للصناعة التركية وللتجار الأتراك، لكن الصناعيين السوريين والتجار، والحلبيين خاصة، عملوا على الاستفادة من التطور العلمى والتقنى الذي وصلت إليه الصناعات التركية ونقلوا ما استطاعوا من خبرات وتطور الأتراك في كل المجالات وطبقوها في المعامل السورية واستفادوا من القاعدة الصناعية الضخمة واليد العاملة المهنية المتعلمة في سوريا في استنساخ خطوط إنتاج متطورة والآلات الضخمة من التي اطلعوا عليها في المعامل التركية. 
المفاجأة الكبرى كانت في عملية الاستقطاب الممنهج لليد العاملة السورية الماهرة، من المعلوم أن مدينة حلب تراكمت فيها صناعات مهنية ويدوية متوارثة عبر عشرات السنين، وهى مرتبطة بتاريخ المدينة وعراقتها وقدمها في التاريخ كصناعة الصابون والحلويات والحفر على الأخشاب وصناعة ألبسة العرائس والصناعات القطنية وصباغة الأقمشة والجلود والجينز والبرادى والتي تطورت مع التطور الصناعى الكبير الذي شهدته الصناعة على مستوى العالم.
وكما فعل جده سليم الأول يفعلها أردوغان ونجد التاريخ يعيد نفسه فبدلا من جيوش الانكشارية التي خربت مدينة حلب، قام بالمهمة نيابة عنهم الفصائل التكفيرية من داعش وجيش النصرة وجيش الشام.. إلخ، من آلاف المرتزقة في سوريا.
سخرة اللاجئين
حملة التخريب والحرق الممنهج نتج عنها نزوح الآلاف من الصناع المهرة إلى تركيا، ليستغل أردوغان ظروفهم ويستثمر فيهم، فيما يشبه العبودية المقنعة تحت شعار التجنيس.
يقول الجفا في موضع آخر من الدراسة: بدأت عملية النزف في المخزون البشرى المهنى المتمرس من مدينة حلب، عدد كبير جدا انتقل إلى المدن الأكثر أمنا في الساحل وبدءوا في تأسيس صناعاتهم الصغيرة ومن الصفر، ومنهم من لم يجد طريقا إلا تركيا. بدأت الورش والمعامل التركية تستقطب العمالة السورية، ما بين ١٠٠٠ إلى ١٥٠٠ ليرة تركية تكفى أي عامل سورى مع أسرته للعيش في تركيا بمستوى تحت الوسط، لكن كانت أجور العامل المهنى في حلب لا تتجاوز ٢٥ ألفًا وهى لا تكفى لإيجار منزل وقيمة أمبيرات وماء، خاصة بعد الانقطاع التام للكهرباء. 
توفير 100 مليار ليرة
كل هذه الأسباب كانت بالطبع مكسبا كبيرا لصالح الاقتصاد التركى وإليه أرجع الداعمون لأردوغان خروج الأتراك لرفض الانقلاب عليه، ولا يعلم هؤلاء أن تلك المكاسب كان للاجئين السوريين دور كبير فيها.
يواصل الجفا: حسب تقديرات الصحافة التركية فإن نحو ٧٥٠ ألف عامل سورى يعملون في تركيا، متوسط أجر العامل التركى المهنى ما بين ٢٥٠٠ إلى ٣٥٠٠ ليرة سورية.
قدرت بعض مراكز البحث التركية أن تركيا استفادت بشكل كبير جدا من العمالية السورية من حيث الإنتاجية والمردود الاقتصادى لكل منشأة أو كل معمل. 
انخفضت تكاليف الإنتاج وزادت كميته في جميع المعامل والورش التركية والكل يعرف مستوى العمال السوريين وقدرتهم وارتفاع مستواهم الفني.
٧٥٠ ألف عامل سورى أدخلوا للصناعة التركية نحو ٣٠ مليار دولار كلفة إنتاجية أقل، جعلتها تدخل بقوة تنافسية أكبر في كل الأسواق الداخلية والخارجية. 
هناك عملية توفير ضخمة جدًا متوسطها من ١٠٠٠ إلى ١٥٠٠ ليرة تركية بمعدلات الراتب الشهرى مقارنة بالعامل أو المهنى التركى.
وبحسبة بسيطة ٧٥٠ ألف عامل سورى بـ١٥٠٠ ليرة فرق توفير عن العامل التركى يعطى مبلغا إجماليا مقداره ١٠٠ مليار ليرة تركية سنويا ما يعطى أفضلية تنافسية في انخفاض كلفة الإنتاج على مستوى تركيا، لا تؤمنها تركيا من أي علاقات أو تجارة أو تصدير مع أي دولة من دول العالم وحتى السياحة وهى الأكثر دخلا سنويا لتركيا لا تدر عليها مبلغ ١٠٠ مليار ليرة تركية.
120 مليار دولار خسائر سوريا الاقتصادية
بعد خمس سنوات من الحرب، فإن الأرقام التقريبية عن خسائر سوريا الاقتصادية حتى منتصف العام ٢٠١٥ تقول إنها بلغت نحو ١٢٠ مليار دولار تقريبًا (هذا الرقم يمكن أن يكون قد وصل إلى ٢٠٠ مليار دولار بحسب مؤشرات تضخم الأشهر الستة الأخيرة)، وتشمل الخسائر المحتسبة موضوع سرقة معامل حلب، حيث شكل خسارة هذا العصب ٧٠ في المائة من انهيار الاقتصاد. 
مع نهاية السنة الأولى من الأزمة السورية، فقد الاقتصاد السورى نحو ٣٠ مليار دولار. 
في العام ٢٠١٠ كان الناتج المحلى السورى يقدر بنحو ٦٠ مليار دولار بحسب البيانات الرسمية، مقابل ٨٠ مليار دولار خسائر في نهاية العام ٢٠١٢ بحسب خبراء الاقتصاد، إلا أن المركز السورى لبحوث السياسات، التابع للجمعية السورية للثقافة والمعرفة، كان أقل تشاؤمًا، وقدر حجم الخسائر في السنتين ٢٠١١ و٢٠١٢ بنحو ٥٠ مليار دولار فقط. 
وتوزعت هذه الخسائر بين ٥٠ في المائة من الناتج المحلى الإجمالى على الإنفاق العسكري ونحو ٤٣ في المائة خسائر في مخزون رأس المال و٧ في المائة خسائر أخرى.