الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الأوقاف" تقصف "دين داعش": "دار الحرب" لا وجود لها الآن

فى كتاب «مفاهيم يجب أن تصحح» الصادر عن الوزارة

 وزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تصب قيم المواطنة بأذى مثل ذلك الذى وجهته لها تنظيمات الإسلام السياسى، بسبب ما تروجه من أفكار مغلوطة تجعل من الدين سببًا للاستعلاء على الآخر المخالف فى الدين، وبذلك تضرب أبسط معانى المواطنة فى مقتل، وهو المساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد فى جميع الحقوق والواجبات. 
مفهوم المواطنة كان من بين المفاهيم التى حرصت وزارة الأوقاف، فى سياق محاربتها للفكر المتطرف، على كشف حقيقة ما يحيط به من سحب ضباب، وذلك من خلال كتاب «مفاهيم يجب أن تصحح» الذى أصدرته الوزارة بالتعاون مع عدد من علماء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وتنشر «البوابة» أهم ما ورد به، وفى هذه الحلقة ننشر باقى المفاهيم المغلوطة التى تستخدمها الجماعات المتطرفة بما يسىء للإسلام، فسوف يتم تفسير وتصحيح مفهوم المواطنة وتعريف الإرهاب وبيان أشكاله وصوره فى عصرنا الحاضر وتعريف الجزية وتوضيح دار الحرب.
لما كانت المواطنة تعنى أن يكون المواطنون جميعًا سواء فى الحقوق والواجبات داخل حدود دولهم، وهى تتفق مع القول بأن حب الإنسان لشعبه ووطنه هو حب غريزى يولد مع الإنسان ذى الفطرة السليمة التى تشترك فيها الأمم والشعوب على اختلاف أعراقها ولغاتها وعاداتها.
تظهر قيم المواطنة جليًا من وثيقة المدينة التى عقدها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع مكونات المجتمع المتعددة فى المدينة المنورة، وقد كانت موطنًا للأوس والخزرج واليهود والمهاجرين وغيرهم، وقد كانت الهوية الدينية مختلفة بين هؤلاء ولكن الهوية الوطنية كانت الجامع المشترك فيما بينهم، وقد نظرت هذه الوثيقة إلى الجميع على أنهم متساوون فى الإنسانية وفى الحقوق والواجبات الوطنية، بمن فى ذلك اليهود وغيرهم، ممن لم يؤمن بالرسالة الإسلامية، وقد تضمنت وثيقة المدينة عقدا اجتماعيا أرسى قواعد الإخوة بين المهاجرين والأنصار وحافظ على العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم من المواطنين المشتركين معهم فى الوطن من الذين لم يكونوا بالرسالة من المؤمنين وقد أعطتهم الوثيقة حق المساواة مع المسلمين فى المصالح العامة، وكفلت لهم سائر حقوقهم فى عباداتهم وحرياتهم الشخصية وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
من المصطلحات التى فسرها الكتاب مفهوم «الإرهاب»، حيث أكد على أنه الجريمة المنظمة التى يتواطأ فيها مجموعة من الخارجين على نظام الدولة والمجتمع، وينتج عنها سفك دماء بريئة أو تدمير منشآت أو اعتداء على ممتلكات عامة أو خاصة، وقد نهى الإسلام عن الإرهاب والاعتداء لأنه دين السلام لجميع البشر، فلا يجتمع مع العنف والاعتداء لأنهما ضدان، والمسلمون مأمورون بالبدء بالسلام لكل من يقابلهم.
ولما كان الإكراه ضربا من ضروب الإرهاب فإن الإسلام حاربه بكل صوره وأشكاله، لأن الإكراه يؤدى إلى نقيض المطلوب وإلى شيوع النفاق الذى هو قاعدة الغدر والخيانة والتربص، حتى فى مسألة اعتناق الإسلام لم يشرع المولى سبحانه إكراه الناس على ذلك فقال سبحانه: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم».
ولقد سمت شريعة الإسلام فى التعامل مع غير المسلمين سموًا لم يرق إليه قانون من القوانين البشرية أو نظام من الأنظمة، إذ حفظ لهم الإسلام حقوقهم المالية والأخلاقية والاجتماعية كما حفظ أموالهم وأرواحهم، وشدد النبى «صلى الله عليه وسلم» الوعيد وأغلظ العقوبة لمن استباح حرمة دمائهم أو تعرض لهم بالأذى فقال: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً».
وقد شرع الإسلام لكل من تسول له نفسه أن يخرج ويشذ عن تعاليم الإسلام ومبادئه وأن يمارس الإرهاب من خلال السعى فى الأرض فسادا أو من خلال الإفزاع والترويع والقتل والتدمير حدودا وعقوبات تساعد على اجتثاث الإرهاب من المجتمعات وتردع كل من يرتكب أى عمل يخل بأمن الناس وأمانهم ومن أبرز تلك العقوبات حد الحرابة الذى تم تبيانه فى قوله تعالى: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم»، ومن الآية فقد عرف الحرابة بوصفين عامين هما محاربة الله ورسوله والفساد والإفساد فى الأرض، وهذان الوصفان يقتضيان تحديد العمل الإجرامى بالخروج على أحكام الشرع.
والحرابة تتفق مع ما اصطلح على تسميته بالإرهاب فى العصر الحديث ذلك أن فى الإرهاب حملا للسلاح وإخافة للناس وخروجًا على القانون، وهذا التقارب فى الصفة الظاهرة يقتضى التشابه فى كيفية العقاب بعد توافر الشروط اللازمة للحكم على مرتكب الجريمة، وتطبيق مثل هذه العقوبة هو الذى سيستأصل هذا المرض ويقطع دابره على أن يكون الحكم للقضاء والتطبيق من قبل السلطات المختصة لا من آحاد الناس ولا من عمومهم.
من المفاهيم أيضا التى بينها كتاب الأوقاف مفهوم الجزية، فأكد أنها اسم لالتزام مالى انتهى موجبه فى زماننا هذا، وانتفت علته بانتفاء ما شرعت لأجله فى زمانها، لكون المواطنين قد أصبحوا جميعا سواء فى الحقوق والواجبات وحلت ضوابط ونظم مالية أخرى محلها مما أدى إلى زوال العلة.
وبيان ذلك أن الجزية التى فرضتها الدولة الإسلامية على الذين دخلوا فى دولتها ولم يدخلوا فى دينها لم تكن اختراعا إسلاميا وإنما كانت ضريبة معروفة فيما سبق الإسلام من قوانين تؤخذ مقابل الجندية وحماية الدولة والدفاع عن رعيتها، فكانت بدلا من الجندية ولم تكن بدلا من الإيمان بالإسلام، ويشهد لذلك أنها لم تفرض إلا على القادرين على أداء الجندية المالكين لما يدفعونه ضريبة لهذه الجندية، ولو كانت بدلا من الإيمان بالإسلام لوجبت على كل المخالفين فى الدين جميعا وبلا أى استثناء، لكن لم يكن أمرها كذلك فهى لم تفرض على الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء ولا العجزة ولا المرضى من أهل الكتاب كما أنها لم تفرض على الرهبان ورجال الدين وكل الفقهاء المسلمين باستثناء فقهاء المالكية الذين قالوا إنها بدل عن النصر والجهاد.
وقد عرف كتاب «مفاهيم يجب أن تصحح» مصطلح «دار الحرب» حيث أكد أنه مصطلح فقهى متغير وقد أصبح فى وقتنا الحاضر لا وجود له بمفهومه المصطلحى القديم فى ظل الاتفاقات الدولية والمواثيق الأممية ولا يخل تغيره بالتأكيد على حق الدول فى استرداد أرضها المغتصبة وأخصها حقوق الشعب الفلسطينى والشرع يوجب الوفاء بالعقود وعليه فلا هجرة من الأوطان بدعوى الانتقال لدار الإسلام.
وفى بيان ذلك نوضح أن دار الحرب هى التى وقع منها اعتداء وحرب على بلد إسلامى، وأعلن رئيس الدولة التى وقع عليها الاعتداء الدفاع عنها، فالدار المعتدية حينئذ هى دار حرب، وإن لم يقم بين أى دولة وبين المسلمين قتال أو اعتداء فهى عندئذ دار أمان ومن المعلوم أن كل الدول التى يقوم بينها وبين المسلمين تمثيل دبلوماسى فهى داخلة تحت اسم دار أمان، وكذلك كل السفراء والسياح والتجار ممن يدخلون بلاد الإسلام، إنما هم أهل عهد وأمان، ولا يجوز المساس بهم أو الافتئات عليهم بل يجب إكرامهم والإحسان إليهم طالما التزموا بالقوانين المنظمة لدخولهم وإقامتهم ببلادنا فإذا خرجوا عن هذه القوانين فمحاسبتهم هى اختصاص الحكومات لا الأفراد، وفقا للأعراف الدولية والعلاقات الدبلوماسية.
غير أن المتطرفين يصرون على أن دار الكفر لا بد أن تكون دار حرب دائما ولا مجال فيها لعهد أو أمان يلتزمه المسلمون طالما أهلها كافرين ومن استطاع من المسلمين أن ينهب أموالهم ويسطو على ممتلكاتهم فليفعل وهكذا تصبح الدنيا كلها دار حرب فى نظر هؤلاء المتطرفين المغالين حتى بلاد الإسلام فهى دار حرب فى نظرهم لأن أهلها غير مطبقين للشريعة الإسلامية فيها وغير المسلمين حربيون لأنهم كفار وهكذا تصبح الدنيا كلها دار حرب وقتل وقتال فى نظر هؤلاء الإرهابيين.