السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الجيش والسياسة في إسرائيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعتبر علاقة الجيش بالسياسة في إسرائيل علاقة متداخلة ومتشابكة منذ نشأة إسرائيل في عام 1948 وتولي “,”دافيد بن جوريون“,” رئاسة أول حكومة إسرائيلية، وقد مرت هذه العلاقة بمراحل مختلفة ومتباينة وفق الظروف السياسية والأمنية وتعاقب الحكومات.
تضع إسرائيل نفسها ويضعها أصدقاؤها في عداد الدول الديمقراطية على غرار الدول الغربية، ويعني ذلك عندما يتعلق الأمر بالجيش أن يكون هذا الجيش مهنيًا لا يتدخل في السياسة ويخضع للمستوى السياسي والقرارات التي يتخذها في مجال الأمن القومي ويقوم بتنفيذها.
بيد أن الأمر في إسرائيل يختلف عن ذلك إلى حد كبير، فالجيش ليس هو الذراع التنفيذية للحكومة فحسب، بل يلعب دورًا كبيرًا في تعريف وتعيين وتنفيذ السياسة الأمنية المتعلقة بالأمن القومي، وذلك منذ أن أبعد بن جوريون القضايا الأمنية عن متناول أيدي السياسيين، ودأب على اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا المجال في ما سمي “,”المطبخ“,” الذي يتم فيه اتخاذ هذه القرارات وهو “,”مطبخ“,” يضم المقربين من بن جوريون، ومن بعده رؤساء حكومات آخرين، وبعض كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي.
والجيش الإسرائيلي نظريًا لا يقرر السياسة ولا نظام الحكم ولا طبيعة الدولة وفق تصور بن جوريون، كما أن القانون الأساسي الذي حدد مهام الجيش يؤكد نفس المعنى، غير أن واقع الممارسة والتطبيق العملي يذهب في اتجاه انفراد المؤسسة العسكرية بالقرارات الأمنية، ويقتصر دور الحكومة في بعض الأحيان بالموافقة عليها وإقرارها أو في أحيان أخرى دون علم الحكومة.
وتحظى المؤسسة العسكرية في إسرائيل بمكانة وأهمية لا تحظى بها أي مؤسسة أخرى في النظام السياسي الإسرائيلي، وذلك بسبب طبيعة المهام الموكولة لها؛ فهي - أي هذه المؤسسة - تتولى على حد تعبير “,”بن جوربون“,” بناء الأمة الإسرائيلية، عبر الأدوار المدنية والعسكرية التي تؤديها، فهي تقوم بقراءة الواقع الإسرائيلي من مختلف النواحي وتفسيره، وكذلك واقع البيئة المحيطة بإسرائيل، وفضلًا عن ذلك فهي تقوم بتعريف الأمن القومي وتعيين مصادر التهديد الحالية والمستقبلية ومسئولة عن وضع الخطط والتصورات العملية عبر هيئة الأركان والتي تتولى عرضها على وزير الدفاع وليس من حق هذا الأخير تعديل هذه التصورات إلا وفق الطريقة التي يقبلها الجيش.
يمثل مفهوم الأمن هاجسًا محوريًا للوجود الإسرائيلي، ويستمد الجيش مكانته من مسئوليته عن تأمين الوجود الإسرائيلي ومواجهة الأخطار ومصادر التهديد، وهو - أي الجيش - يمتلك الأجهزة الخاصة بجمع المعلومات وتحليلها ورصد المستجدات والمعطيات وتحضير الخطط اللازمة بطريقة مهنية واحترافية تفوق غيره من المؤسسات في الدولة الإسرائيلية، بل يكاد الجيش أن يكون عبر أجهزته وأقسامه المتخصصة في التخطيط والمعلومات والتحليل، المؤسسة الوحيدة التي تمتلك هذه القدرات والإمكانيات.
وفضلًا عن مركزية الجيش والمؤسسة العسكرية في إسرائيل في القضايا التي تتعلق بالأمن والدفاع، فإنه يلعب أدوارًا أخرى مدنية تتعلق بالاستيطان والتعليم واستيعاب المهاجرين وخدمة الفئات المهمشة في إسرائيل.
ويضطلع الجيش الإسرائيلي بمهام أخرى في السياسة الخارجية والمفاوضات، حيث لا توجد في إسرائيل سياسة خارجية بالمعنى المتعارف عليه، وإنما وفقًا لشيمون بيريز “,”الدول الصغيرة ليست لها سياسة خارجية بل سياسة أمنية“,”، للتدليل على ارتكاز السياسة الخارجية الإسرائيلية على الأمن، وهو الأمر الذي يرتب دورًا نشطًا في السياسة الخارجية الإسرائيلية للمؤسسة العسكرية، وتتكفل وزارة الخارجية الإسرائيلية بمهمة شرح هذه السياسة وفقًا لما قاله بن جوريون “,”القاعدة هي أن وزير الدفاع هو المسئول عن السياسة الدفاعية للبلاد في حين أن وزير الخارجية هو الشخص الذي يقوم بشرحها“,”.
أما فيما يتعلق بالمفاوضات مع العرب والفلسطينيين فقد شارك كبار الضباط في المفاوضات والاتصالات التي جرت بين إسرائيل والدول العربية في عامي 1948، 1949، حيث شارك هؤلاء الضباط في مفاوضات اتفاقات الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان والأردن وسوريا، ومن أبرز هؤلاء الضباط موشي ديان وإيجال ألون وإسحق رابين وهاركابي وغيرهم من كبار الضباط الإسرائيليين.
كما شارك الضباط الإسرائيليون في لجان الهدنة مع الدول العربية ومحادثات الكيلو 101 عقب حرب أكتوبر عام 1973 وفي مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، وكذلك شاركوا في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والمفاوضات السورية - الإسرائيلية، والأردنية - الإسرائيلية، وقد اضطلع هؤلاء الضباط بتحديد المصالح الأمنية لإسرائيل لضبط إيقاع هذه المفاوضات وتحديد مرجعيتها.
باختصار فإن الجيش الإسرائيلي يكاد يكون هو المهيمن على المجتمع في إسرائيل، وهذه الهيمنة لا تقتصر فحسب على القضايا التي تتعلق بالأمن القومي بل تمتد لتطال مجالات أخرى متنوعة، فالقيم التي يتبناها الجيش - أي قيم العنف والقوة والردع والتضحية - هي القيم التي يتبناها المجتمع الإسرائيلي، كما أنه من الناحية الاقتصادية يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على الصناعات العسكرية التي يعمل بها نسبة كبيرة من قوة العمل في إسرائيل وتمثل جزءًا مهمًا من صادرات إسرائيل، كما أن المجال السياسي المدني يزخر بالعديد من الجنرالات الذين انضموا أو أسسوا أحزابًا إسرائيلية تفاخر بهم هذه الأحزاب أمام تلك الأحزاب الأخرى، التي لا تضم مثل هؤلاء الجنرالات باعتبار هؤلاء هم الأقدر على فهم متطلبات أمن الدولة الإسرائيلية ومواجهتها.