رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الوشاية.. تاريخ من العداوة بين المثقفين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الملاسنات.. المشاحنات.. الوشايات.. هي مفردات يعرفها الوسط الثقافي جيدًا، تصحبها معارك تتبارى فيها الأقلام بين مؤيد ومعارض لما تروجه الشائعات- أو الوشايات- والتي كان آخرها معركة تفجرت بين ناقد أدبي شهير وبين شاعر من صعيد مصر، على إثر تدوينة كتبها الأخير على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وتلاه مقال في أحد الصحف القومية، اعتبره البعض يدخل في باب الوشاية، الأمر الذي دفعنا لنطرح خلال السطور المقبلة عددًا من وقائع الوشاية التي يحفل بها التاريخ الثقافي المصري والعربي.
ولعل أبرز وقائع الوشاية في التاريخ الأدبي الحديث ما نشرته مجلة "إبداع" في شهر إبريل عام 1992 من صورة الرسالة التي وجهها الدكتور مصطفى هدارة، مكتوبة بخطه إلى رئيس الجمهورية يطلب منه التدخل لوقف غزو الماركسيين والمحرضين على انتهاك المقدسات لمجلات الدولة الثقافية، وكان على من ذكرهم هدارة في رسالته هو الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، وجابر عصفور، وغالي شكري، وكان طبيعيًا ألا تلتفت الرئاسة إلى هذه التفاهات، إلا أن دلائلها ما زالت سارية حتى يومنا هذا باعتبار أن بعض المثقفين يمكنهم أن يفعلوا أي شيء في مقابل أن تظل أسماؤهم رنانة ووجودهم متحقق ومكاسبهم سارية.
جابر عصفور لم يكن بعيدا عن مرمى مثل هذه الاتهامات، ففي حوار مسجل مع الشاعر حسن طلب تم نشره بـ"البوابة نيوز"، أكد طلب أن عصفور لم يكن يكف عن سب سمير في الجلسات الخاصة، وعندما يذكره بأنه هو الذي توسط له ليتقلد المنصب كان يتنكر، ويقول "لو يقدر مكنش يعيني أمين المجلس؟!"، ومع الأيام اكتشف أن هذه المسألة صفه في عصفور، بل وأضاف: كذلك فعل عصفور مع الدكتور فؤاد زكريا، وهو قامة تضاهي زكي نجيب محمود، حيث ادعى أنه مريض، وقدم اعتذار عن تعيينه مقررا للجنة الفلسفة بالمجلس، وكذب على فاروق حسني بهذه الحيلة ليستبدله بمحمود أمين العالم.
يحكي طلب المزيد عن الأمر: علمت السر بعدها بسنوات من عبد الغفار مكاوي، الذي كان يقيم في دولة الكويت أثناء وجود زكريا، وعصفور هناك، حيث قدم عصفور كتاب "البنيوية" إلى عالم المعرفة فرفضه زكريا قائلا له: "الكتاب به أخطاء قاتلة في الترجمة، وقد أصلحت خمس صفحات، ووجدت أن الأمر مرهق جدا، فرفضته إلى أن تنتهي من استكمال التعديلات المطلوبة للنشر"، فوضعها عصفور في نفسه، لينتقم منه في التسعينات، ونفذ ذلك بالضبط مع أستاذه عز الدين إسماعيل الذي منحه الدكتوراه، وجاء به مساعدا له في مجلة "فصول" أثناء إنشائها أيام صلاح عبد الصبور، في الثمانينات، وكنت للأسف الشديد طرفا في الحرب التي قادها عصفور ضده ليطيح به من رئاسة تحرير المجلة بالمكيدة، والإلحاح، مستغلا صداقتي بحجازي ليتوسط له عند سمير سرحان، ليعينه مكان إسماعيل، وكان يلح على لسنوات بحجة أن المجلة تدهورت إلى أن استجبت له، وبالفعل اقال سرحان إسماعيل، وأقسم بعد ذلك ألا يدخل المجلس بسبب وجود عصفور.
وقد بلغت ظاهرة الوشاية ذروتها، في العهدين الناصري والساداتي بعد تعيين رقيب داخل كل مطبوعة وكانت مهمته اختيار الأعمال التي تصلح للنشر والإبلاغ عن المواد التي تختلف مع سياسة النظام وتنتقده، كما كان دور الآخرين من كتاب السلطة تقديم بلاغات عن ما يقدمه زملاؤهم من إبداعات وكان المصير المحتوم لأي كاتب يتجاوز الخط الأحمر، هو دخول المعتقل الذي لم يسلم منه أحد من الكتاب، ووصل الأمر حد إغلاق المجلات وطرد وتشريد العاملين فيها، ولم يسلم من هذه الإجراءات كتاب بحجم وقيمة لطفي الخولي والمفكر أبو سيف يوسف وغالي شكري، وقد اجبر بعضهم على مغادرة مصر، كما حصل للكاتب الراحل أحمد عباس صالح، بعد ما اخذ السادات على عاتقه تصفية المرحلة الناصرية. وكان عباس صالح رئيسا لتحرير مجلة "الكاتب" في ذلك الوقت، وتم طرده هو ويوسف أدريس وإسماعيل صبري عبد الله وصلاح حافظ وصلاح عيسى.
أما في الأدب العربي القديم فقد جاءت نهاية الشاعر بشار بن برد سنة 168 هـ، إثر اتهامه بالزندقة والكفر؛ وقد ذكر ابن المعتز في كتاب "طبقات الشعراء" سبب وفاته فقال: "كان بشار يعد من الخطباء البلغاء الفصحاء وله قصائد وأشعار كثيرة، فوشى به بعض من يبغضه إلى المهدي بأنه يدين بدين الخوارج فقتله المهدي، وقيل للمهدي: إنه يهجوك، فقتله، والذي صح من الأخبار في قتل بشار أنه كان يمدح المهدي، والمهدي ينعم عليه، فرمي بالزندقة فقتله، وقيل: ضربه سبعين سوطًا فمات، وقيل: ضرب عنقه"، ودفن بالبصرة. وكانت نهايته في عصر الخليفة المهدي.