السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باي باي تركيا المستقرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الموقف المصرى من بيان مجلس الأمن حول الأحداث فى تركيا كان الأكثر دقة وإنصافًا لقضية الديمقراطية فى الدولة المدنية الحديثة.
مصر اعترضت على أحد بنود البيان، الذى نص على احترام الحكومة المنتخبة فى تركيا، واقترحت استبدال تلك الصياغة بـ«احترام المبادئ الديمقراطية والشرعية القانونية الدستورية»، وقد أرادت فى هذا النص التأكيد على أن الأولوية لقضية الديمقراطية وليس للحكومات والأنظمة اللتين قد تستخدمان الديمقراطية كوسيلة للوصول للحكم لتشرع بعد ذلك سياسات استبدادية وسلطوية.
الموقف المصرى لم يكن نتيجة لإحساس الدولة بأن على رأسها بطحة الانقلاب كما حاول البعض تصوير الأمر، الفرق شاسع بين ما جرى فى ١٥ يوليو ٢٠١٦ من محاولة الانقلاب على نظام أردوغان دون سند لثورة، وما حدث فى ٣ يوليو ٢٠١٣ الذى جاء تلبية لثورة شعبية خرجت لإسقاط نظام دينى فاشٍ.
إذا كان ثمة تشابه بين الحالتين المصرية والتركية، فهو أن كلا من نظام محمد مرسى ورجب طيب أردوغان يعبر عن عشيرة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، وأن كليهما اختار الديمقراطية كطريق للوصول إلى الحكم، وليس كأسلوب للإدارة وممارسة العملية السياسية، وأن كليهما سعى إلى تمكين الجماعة من مفاصل الدولة لتغيير هويتها السياسية والثقافية والاجتماعية ولاستغلالها لتحقيق مصلحة العشيرة على حساب مصلحة الأمة.
وقد لا يخفى على أحد أن محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا كانت لها أسبابها الموضوعية والمتعلقة بمحاولات لاستلاب هوية الدولة التى أسست على مبادئ مصطفى كمال أتاتورك، وإسباغها بالطابع الدينى، بل إن أردوغان تجاوز هذا الأمر إلى حد محاولاته المستميتة لاستعادة هوية الخلافة العثمانية وفرضها على الدولة المدنية العلمانية الحديثة.
وفى سبيل ذلك، كان على أردوغان أن يمضى قدمًا فى مخطط تمكين عشيرته من مفاصل الدولة، وهو ما رأيناه جليًا فى جهاز الشرطة وجانب كبير من الجيش، علاوة على جهاز المخابرات فى الأزمة الأخيرة، وواصل النهج ذاته بعد فشل الانقلاب بالإطاحة بما يقرب من ٣ آلاف قاضٍ، علاوة على حملات الاعتقال الموسعة داخل صفوف الجيش، وعملية التطهير الشاملة التى أعلنها أردوغان.
ولا يمكن من نظام سياسى يسلك هذا الدرب أن يحافظ على القيم الديمقراطية فى الممارسة العامة، وهو ما انعكس خلال السنوات الأخيرة فى إجراءات، من قبيل إغلاق صفحات الفيس بوك ومصادرة الصحف واعتقال الصحفيين المعارضين، وفوق ذلك كله الدخول فى مصادمات عنيفة مع معظم خصومه من القوى السياسية.
ما جرى فى تركيا يؤكد أننا بصدد نظام دينى فاشٍ تسبب فى انقسام مؤسسات الدولة والمجتمع، شأنه فى ذلك شأن كل الأنظمة الدينية التى حكمت بالمنطقة، والنموذج السودانى ربما يكون أبرزها، ولولا ستر الله كان ذات المصير ينتظر الدولة المصرية إذا قدر للجاسوس مرسى الاستمرار فى الحكم إلى ثلاث أو أربع سنوات.
تركيا الآن منقسمة على نفسها، ورغم أن أردوغان نجح فى احتواء الانقلاب العسكرى إلا أنه لا يمتلك أغلبية شعبية ولا حتى أقلية، وهذا هو مكمن الخطر، فحالة الانقسام تبدو وكأنها تنصف الشعب التركى، وهذه الوضعية لا تخلق تعادلا فى موازين القوى فى ظل انقسام واضح داخل صفوف الجيش على نحو ينذر بقلاقل وتوترات قد تعبر عن نفسها فى شكل مواجهات مسلحة ربما لن تنتهى إلا بسقوط أردوغان، أو أن تدخل تركيا دوامة من الاضطرابات لا تنتهى أبدًا. 
ومع ذلك يبقى أن وضع تركيا كدولة عضو فى حلف الناتو ولها أهميتها الاستراتيجية فى الملفات الشائكة بمنطقة الشرق الأوسط سيدفع القوى الدولية للتدخل فى لحظة ما ضد نظام أردوغان للحفاظ على مصالحها التى لا يمكن أن تتحقق دون استقرار دولة أتاتورك العلمانية.