الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الانقلاب المزيف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى لعبة الشطرنج هناك طريقتان للفوز المحقق، الطريقة الصينية والتى تعتمد على الفوز بأقل تكلفة، والثانية الطريقة الأوروبية والتى تعتمد على الفوز بأى تكلفة، وفى ساحات انقلاب العسكريين الأتراك المزيف اعتمد أردوغان على الطريقة الأوروبية للقضاء على هذه المسرحية الهزلية والمزيفة، وانتصر لنفسه على حساب كل شيء.
أعرف أن الرئيس التركى سياسى محنك، واستطاع تحويل بلاده إلى عملاق اقتصادى وتجارى وصناعى منذ وصوله الى السلطة، إلا أن انتماءه لفصيل معاد للإنسانية أفقده الكثير من الدهاء الذى مكنه من إعادة بناء دولته، وهو نفسه الدهاء الذى ساعده فى خداع شعبه طوال هذه السنوات بفضل معاونة حزبه (العدالة والتنمية) وميليشياته، وهو ما اتضح جليًا فى أحداث الخامس عشر من يوليو، ولكن لا شىء يدوم كما كان، لذلك قام النظام التركى بعمل هذه المسرحية العبثية والتى تعد أقصر مسلسل تركى يشاهده الجمهور على الإطلاق، لأنه فى عرف الانقلابات يتم القضاء على الرئيس أو إلقاء القبض عليه.
استهدف الانقلاب المزيف فى تركيا أربع نقاط وهى: 
١- اقتلاع جذور المعارضة والقضاء على دورها تماما خلال الفترة المقبلة. ٢- ترتيب صفوف قيادة الجيش ليكون جميعهم من حزب العدالة والتنمية على غرار رئيس الأركان. ٣- ترتيب القضاء لإنقاذ أردوغان ونجله من قضايا الفساد التى تلاحقهم بدليل إعلان النيابة العامة إلقاء القبض على بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا. ٤- غلق القنوات الإعلامية والصحف المعارضة.. وبذلك يكون النظام ضمن لنفسه الاستمرار فى الحكم إلى مالا نهاية.
لذلك فإن ما شهدته المدن التركية ليل الجمعة الماضي ليس انقلابًا عسكريًا على أردوغان، بل انقلاب الأخير على تركيا، بدليل قيامه بشن حملة اعتقالات لقضاة وعسكريين وإعلاميين مع دعوة أنصاره للنزول إلى الشوارع لدعمه وهو ما يعنى الفوضى. ويقول ميكافيلى «إذا أردت أن تبرز قوتك للجميع، اخلق انقلابا وقم بالقضاء عليه»، وهو ما فعله الرئيس التركى، إلا أن اللعبة أصابته هو فى مقتل، وقضت عليه تمامًا، إلا أن اختفاءه عن المشهد مسألة وقت.
كنت قد طرحت سؤالًا (بعد المحاولة الفاشلة للانقلابيين الأتراك، هل سيلجأ أردوغان إلى جيش مواز مثل الباسدران حامى الثورة الإسلامية فى إيران، أو يقوى أجهزة الأمن على حساب الجيش فى تركيا؟) وجاوبنى أحد الأصدقاء بقوله: الجيش التركى وضعه مختلف لأنه جزء من الناتو، والحلف لن يتخلى عن أحد أهم مكوناته لكى يعبث به قادة الانقلاب، وعلى عكس ذلك فإنى أرى أن الناتو تخلى بالفعل عن أردوغان، ليس بسبب تصفية حسابات، فالسياسة الدولية لا تعتمد على هذه النظرية، ولكن بهدف تغيير موازين القوة فى المنطقة والتى تبدأ بتقليم أظافر تركيا ثم إيران ليعقبهما بعد ذلك روسيا. 
إن قيام أنصار الرئيس التركى بذبح أحد جنود الجيش، وقيام آخرين بجلد عدد من الجنود، واعتداء غيرهم على مدرعات الجيش، كل هذه مشاهد توضح مستقبل هذا البلد الذى أصبح على مشارف الحرب الأهلية، بالإضافة إلى أن استمرار نظام أردوغان يعنى توسع داعش فى أعمال الإرهاب بالمنطقة وهو ما تريده الولايات المتحدة من تركيا، الأمر الذى ستدعمه أنقرة بكل قوتها خلال الفترة المقبلة حفاظًا على بقاء بقايا النظام المطالب بدفع فواتير كثيرة للاستمرار فى المنظومة الدولية ولكن بقوة الإرهاب.