رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ظاهرة الالتباس الحراري في الموقف من الرئيس العثماني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حالة من «الالتباس الحراري» سيطرت على الكثيرين عقب انتشار أخبار محاولة الانقلاب التى قام بها عدد كبير من ضباط الجيش العثمانلى للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، وهى المحاولة التى انتهت، كما بدأت، فجأة، وإن كانت أسفرت عن مشاهد عنف مأساوية راح ضحيتها المئات، ويتوقع أن تبقى آثارها السلبية لشهور وسنوات قادمة، على الجيش والمواطنين وبالتأكيد على أردوغان.
ظهرت علامات هذا «الالتباس» على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتمثلت فى التعامل بعاطفة مبالغ فيها مع الأمر، ما بين تهليل مطلق للانقلاب من قبل كارهى أردوغان والإخوان، ثم تهليل مطلق لأردوغان من قبل اللجان الإلكترونية والعناصر «الإخوانجية»، كما تمثلت فى الانفعال الغوغائى بين الطرفين، وكأننا نشهد مباراة كرة قدم بين الأهلى والزمالك، بل الأسوأ وكأننا نشهد مباراة للأهلى أو الزمالك مع فريق أجنبي، حيث يهلل أنصار «الأهلي» لفريقهم معتبرين الفوز بالمباراة «إنجازًا وطنيًا»، بينما يشجع أنصار «الزمالك» الفريق الأجنبي، متمنين الهزيمة لفريق وطنهم، بل الأسوأ من كل هذا أننا فى حالة الانقلاب التركى ليس لدينا فريق يلعب أصلًا، يعنى الإنجاز الوطنى أو الهزيمة الوطنية لا توجد سوى فى خيال مشجعى وأنصار كلا الفريقين.
لا أعتقد أن هذه الحالة من تشجيع فريق الدولة الأجنبية ضد فريق بلدك موجودة فى أى مكان فى العالم غير مصر. وقد كنت أراها على استحياء زمان، لكنها الآن سائدة وببجاحة. وهى تعكس مناخًا يشيع بالتعصب الأعمى والكراهية، كما تعكس حالة من الوضاعة وصغر النفس ليس لها نظير. هذا الشعور بالدونية والعجز الذى يؤدى إلى فقدان الاتزان الأخلاقى والإنسانى والوطنى شاهدتها أول ما شاهدتها عقب تفجيرات ١١ سبتمبر، فى عيون الشامتين والمهللين لموت آلاف الأبرياء، ولم يكن أصحاب هذه العيون الشامتة من «الإرهابيين» «المتطرفين»، ولكن مثقفين ومتعلمين ومواطنين عاديين خربت نفوسهم ومعتقداتهم حتى النخاع. وقد تبين لى يومها كيف نجح تيار الإسلام السياسى عبر عقود من تخليق التعصب والكراهية فى تشويه مكونات الشخصية العربية وتجريدها من الحس الإنسانى والأخلاقي.
فيما يتعلق بالانقلاب التركى بدأ الالتباس بمجرد إذاعة الخبر فى وسائل الإعلام، حيث انطلقت الأصوات تهلل مرحبة... شامتة فى أردوغان وعصابة الإخوان التى يؤويها.
 هذا «الالتباس الحراري» فى الموقف مما حدث فى تركيا ناتج فى اعتقادى عن المقارنة التى يعقدها الكثيرون من أنصار الإخوان وأنصار السيسى بين ما حدث فى تركيا منذ أيام، وما حدث فى مصر عقب ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهى مقارنة خاطئة تمامًا إذا صح أن يخترعها ويصدقها الإخوان فلا يصح أبدًا أن يصدقها ويتصرف على أساسها أنصار السيسي.
بغض النظر عما حدث فى مصر بعد ٣ يوليو ٢٠١٣... فلا مجال للمقارنة بين ما يحدث فى تركيا وما حدث فى مصر وقتها.
لقد استمرت الاحتجاجات من قبل معظم التيارات وفئات المجتمع ضد حكم الإخوان لشهور طويلة، ثم نزل عشرات الملايين إلى الشوارع للمطالبة بخلع مرسى والإخوان فى ٣٠ يونيو تلبية لنداء حركة «تمرد» والجبهة الوطنية وغيرهما من التيارات المدنية المعارضة. ولولا هذه الملايين لما استطاع السيسى أو الجيش كله أن يتحرك خطوة باتجاه الشارع أو قصر الرئاسة.
ومهما كان ما يردده بعض «المتخلفين» من أن أجهزة فى الدولة دبرت هذه الاحتجاجات، وأنها لم تكن ثورة بل انقلاب عسكري، وهى ادعاءات لا تزيد تخلفًا عن ادعاءات فلول نظام مبارك الذين يرددون أن ٢٥ يناير كانت مؤامرة من تنظيم جهات أجنبية بالتعاون مع شباب ٦ إبريل والجمعية الوطنية للتغيير، ومهما كان ما يردده البعض الآخر من أن الشعب المصرى «جاهل» قابل للخداع ينزل للشوارع بالملايين لمجرد «بوست» من وائل غنيم أو تحريض من شباب «تمرد»، فإن النتيجة واحدة وهى أن هناك ملايين من البشر نزلت إلى الشوارع معرضة نفسها للموت والإصابة فى سبيل الإطاحة بنظام حكم لا يرغبون فى وجوده.
هذه الحقيقة لا يرد أن يعترف بها أو يراها من لا يؤمنون بالثورات أو بالشعوب، ويعتقدون داخلهم أن الحكم مصدره الحق الإلهى أو السيف فقط.
وإذا كان الجيش قد ركب ثورة ٣٠ يونيو، فالإخوان فعلوا ما هو أسوأ عندما سرقوا ثورة ٢٥ يناير دون أن يكون لهم فيها ناقة ولا جمل، ودون أن يكون فى قاموسهم كلمة «ثورة» أصلًا، وقد استغلوا «جهل» الناس بنواياهم الخبيثة فى السيطرة الاستبدادية على الحكم والقضاء على الحياة السياسية فى مصر، ولما تبينت هذه النوايا ثار الناس ضدهم.
حتى لو لم تحقق ٢٥ يناير أو ٣٠ يونيو أهدافهما، وحتى لو كان نزول الناس وراءه مؤامرة، فالنتيجة واحدة، وهى أن ٣٠ يونيو و٢٥ يناير كانتا ثورتين شعبيتين أو موجتين فى ثورة واحدة ممتدة لم تحقق أهدافها حتى الآن.
الوضع فى تركيا مختلف... بغض النظر عن استبداد وغلظة ووقاحة أردوغان، لكن مظاهرات الأتراك ضده لم تتجاوز آلافًا معدودة، ولم تتحول بعد إلى ثورة شعبية يشارك فيها الملايين، وبالتالى لم يجد المتمردون فى الجيش ثورة أو انتفاضة يحتمون بها. 
الوضع فى تركيا مختلف لأسباب كثيرة أخرى، فالأتراك تحت حكم حزب العدالة والتنمية يحتفظون بالكثير من حقوقهم وحرياتهم الشخصية، والاقتصاد التركى مزدهر ومستوى المعيشة يرتفع، وبالتالى لا يوجد سبب حيوى يدفع المواطن البسيط للاحتجاج أو الانحياز لحركة الجيش.
الأهم من هذا كله أن علاقة المواطن التركى بجيشه مختلفة تمامًا عن مصر. فى تركيا مات الملايين من المواطنين المدنيين فى انقلابات عسكرية سابقة، وذاكرة المواطن التركى ممتلئة بمشاهد الرعب والعنف الناتجة عن الانقلابات العسكرية.
الآن تمتلئ هذه الذاكرة بالعنف المضاد الذى يمارسه أنصار أردوغان، ووقت الحساب على هذا العنف لم يأت بعد، لكنه سيأتى فى وقت ما، بالتأكيد.