رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

البشرية على حافة الخطر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أوروبا اليوم، يكثر القائلون أنّ زمننا يكرّر الثلاثينيات التى سبقت الحرب العالميّة الثانية. فالحركات المتطرّفة، الشعبوية منها والقومية والفاشية، تقوى ويشتدّ عودها. وإذا ما قُيّض لدونالد ترامب أن يصل إلى البيت الأبيض، فهذا ما سيجعل الأطلسى فى حيرة يطوقه التطرف على أنواعه، والخطر على البشر وعلى التمدّن فى آن. وفى هذا السياق، تظهر دعوات إلى إنشاء «جبهات شعبية» و«جبهات وطنية»، تقاوم المد المتطرف وتحاول الحدّ من آثاره، فيما يأتى «تقرير تشيلكوت» ليوثّق الانحطاط الذى أصاب بيئة السياسيين فى البلدان الديمقراطية على مدى عقود ثلاثة.
لقد عاد باحثون فى عدادهم إمى شوا فى كتابها «عالم على النار» (٢٠٠٢) إلى نهاية الحرب الباردة، أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كنقطة انطلاق. فحينذاك سقطت كتلة الدول السوفيتية، بحزبها الواحد وعبوديتها المُحدَثَة، ليجد العالم نفسه أمام تحوّل مزدوج.
من جهة، انطلقت موجات ديمقراطية متعاقبة شملت مناطق من المعمورة، كأفريقيا وأمريكا اللاتينية والأقصى الآسيوى، كانت خاضعة لهذا النمط من الاستبداد أو لذاك.
ومن جهة أخرى، وفى ظلال العولمة، وسط انهيار الاستقطاب الكونى الذى ثبّت حدود الدول بين الخمسينيات والتسعينيات، وجّهت النيوليبرالية ضربة قاصمة إلى الليبرالية الكلاسيكية ودولتها، وهى بعد إلحاقها الهزيمة بالشيوعية، تقدّمت لتهزم المسألة الاجتماعية وتقدمها بوصفها لزوم ما لا يلزم. وهذا ما خالف تمامًا نهاية الحرب العالمية الثانية التى فتحت باب الاستقلالات فى «العالم الثالث» وأنشأت دولة الرفاه فى «العالم الأول».
هكذا تحوّل التمكين الديمقراطى المستجدّ، بسبب ترافقه مع تحطيم الدولة وتجفيف التقديمات الاجتماعية وتوسّع جيوب الفقر والإزاحة إلى خارج العملية الاقتصادية، تمكينًا للشعبوية الهائجة التى وجدت صوتها فى خليط من قوى قومية ودينية أو إثنية. وحين حلّت أزمة ٢٠٠٨ المالية، بدأت التناقضات الحادة بالظهور حتى فى البلدان الديموقراطية، المتقدمة والثرية، خصوصًا أن الناس باتوا مطالبين بالتكفير عن ذنب ارتكبته المصارف. والحريةُ حين تقضم العدالةَ فى مجتمع ديموقراطى، فإنها تصبغ حريات الجموع المتضررة من نقص العدالة بغضب على الحرية نفسها، وباحتمال قضمها هى الأخرى.
وفى موازاة تهديدات كالتوظيف السياسى والغريزى الواسع للنزوح الكثيف، واحتمال انتخاب ترامب فى أمريكا ومارين لوبن فى فرنسا، أو إشارات بالغة الإقلاق كنتيجة الاستفتاء البريطانى أو الانتخابات الرئاسية النمساوية التى سيعاد إجراؤها بما قد يفيد اليمين المتطرف، أو العنف العرقى والبوليسى الذى تستعرضه المدن الأمريكية، وآخرها دالاس، تصارع اليونان إفلاسها، وتعيش إيطاليا إفلاسًا مقنّعًا، بينما يعجز بلد كإسبانيا عن الإتيان بائتلاف أكثرى تنهض عليه حكومة جديدة.
واقع الحال أن إحساسًا ما بالخطر بدأ يضرب البيئة السياسية فى بعض البلدان المعنية. هكذا، مثلًا، رأينا هيلارى كلينتون تتبنّى الكثير من البنود الاجتماعية المتقدمة فى برنامج بيرنى ساندرز. ومنذ اختيارها لقيادة المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية، لم تتوقّف تيريزا ماى عن وصف الضعفاء والفقراء بأنهم أولويتها! فحين شكّلت حكومتها، استبعدت وزير الخزانة ورمز التقشف جورج أوزبورن (مع أنها جاءت ببوريس جونسون للخارجية). وهذا بالطبع لا يكفى، إلا أن رفع الدولة فى مقابل الهويات الجزئية، وإعادة الاعتبار للمسألة الاجتماعية، لا بد من بادئ يبدأهما، وإلا ارتسم الانحطاط والاحتراب فى أفق العالم كلّه. وهذا تحديدًا ما أعادت التذكير به حادثة نيس الأخيرة، حيث يكمل الإرهاب ما يفعله الجشع من تحويل النظر عن الإصلاحات السياسية والاقتصادية المُلحّة. فهذه الأخيرة هى التى تستطيع وحدها أن تبرر إجراءات أمنية وتشريعات قانونية صارمة ومطلوبة ضد الإرهاب تحمى المواطنين بمقدار ما تحدّ من استفادة القوى المتطرفة. أمّا فيما يعنى «العالم الثالث»، وبلداننا العربية خصوصًا، فالأمر أعقد على أيّ حال، فى ظل الافتقار إلى مؤسسات تمتص النزاعات، وقادة لا يملكون حلًا لأيّ من تلك النزاعات سوى الوحشية العارية.
نقلًا عن الحياة اللندنية