الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حقوق المواطن العادي في دستور الحمقى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل أصبح المواطن العادى مستباحًا؟
هذه التساؤلات وغيرها فرضت نفسها بقوة على خلفية حزمة من الوقائع، جرت خلال اليومين الماضيين، سنتوقف أمام واقعتين أثارتا اهتماما واسعا فى الدوائر الإعلامية والسياسية، إحداهما بين نائبة برلمانية وضابط شرطة، جرت مشاهدها داخل قسم مدينة نصر، أما الأخرى فتخص مدرب كرة قدم ومصور حدثت فى ستاد الإسماعيلية الرياضي، المثير فى الأمر، أن المخطئ فى كل واقعة، أراد التنصل من مسئوليته عن فجاجة أفعاله وسوء تصرفاته، فارتكب جرما أشد وقاحة وقبحا من الفعل الذى أراد تبريره.
فى الحالتين قيل إن التصرف صدر من مرتكبه، ظنا منه أن الطرف الآخر مواطن عادي، وليس شخصا ينتمى إلى مؤسسة ذات سلطة ووجاهة، حدث هذا عندما أراد ضابط الشرطة تبرير إهانته أو اعتدائه البدنى على النائبة البرلمانية، متصورا أنها مواطنة عادية، أما الثانية فأراد مدرب كرة القدم تبرير اعتدائه على مصور ينتمى لجهاز الشرطة، ظن أنه مواطن عادي. 
بعيدا عن اللغط الذى يدور فى فلك تبادل الاتهامات باستخدام العنف بين أطراف تلك الوقائع، وبعيدا أيضا عن تأكيد الإدانات ضد طرف أو تبرئة الطرف الآخر، لا بد من الإقرار بأن تلك الوقائع أذاحت النقاب عن حقيقة التجاوزات والممارسات غير القانونية التى يتم ارتكابها ضد المواطن العادى باعتبار أن تلك التجاوزات من الأمور الطبيعية، المعتادة، التى لا تستوجب المساءلة أو المحاسبة سواء كان مرتكبها ضابط شرطة أو مدرب كرة، مادام ذلك فى حق مواطن عادى فالواقع على الأرض يؤكد حقيقة التجاوزات والممارسات غير القانونية، التى يتم ارتكابها وعادة تبدأ بالشتائم والسباب ولا تنتهى بالعنف البدنى. 
إذا كان الصمت على هذه الحقيقة يرقى إلى مستوى الجريمة، فإن معاداة مؤسسات الدولة بأكملها جراء تجاوزات بعض الأفراد جريمة أكبر فهذه المؤسسات جزءا من المجتمع بكل ما به من عورات، حيث يوجد بين صفوفها الصالح والطالح، الشريف والفاسد، المتزن العاقل والمريض النفسي، وهذه حقيقة لا بد من الإقرار بها.
كشفت أزمة النائبة والضابط عن قبح السلطة ونظرتها المتعالية على المواطن البسيط العادى الذى لا ينتمى إلى كيانات تدافع عن حقوقه سواء البرلمان الذى انتفض أعضاؤه احتجاجا على زميلة لهم ومن حقهم أن ينتفضوا، لكن فى المقابل من حق المجتمع، خاصة المواطنين العاديين قليلى الحيلة ممن لا توجد كيانات أو مؤسسات تدافع عن حقوقهم، أن يطالبونهم، باستخدام أساليب الضغط القانونية لحمايتهم من العابثين بالقانون.
الأكثر خطورة، هى خلط الأوراق فى هذا النوع من القضايا التى يتفاعل معها الرأى العام، التفاصيل المرتبطة بواقعة اتهام الضابط بالاعتداء على النائبة، تشير إلى أنها ذهبت لإخراج أحد أقاربها من قسم الشرطة، ولا نعلم ما هى القضية التى بموجبها تم احتجازه، بما يعنى أنها أرادت القفز على القانون بالوساطة وبحكم موقعها البرلمانى، فلو كان موقف قريبها قانونيا، لماذا لم تستخدم أدواتها البرلمانية لإرساء دولة القانون فى مواجهة ضابط متغطرس يريد أن يدهس القانون بسلطته.. لماذا لم تطلب إخراج بقية المحبوسين داخل القسم، فهل هى نائبة عن قريبها فقط، أم أنها نائبة عن الشعب المصرى بأكمله؟ فى المقابل لماذا تراجع الضابط عن موقفه لو كان هذا الموقف قانونيا، وإذا كان موقف الضابط قانونيا.. لماذا ذهب قيادات من الداخلية لزيارة النائبة فى منزلها لترضيتها والاطمئنان عليها.. السؤال الأهم كم قيادة من الوزارة تدخلت لترضية مواطن عادى جرى دهس كرامته من ضابط مغرور أو فرد أحمق، بالطبع لم يحدث لأنه مواطن عادى.
فى سياق الحديث عن المواطن العادى لا بد من التأكيد على وجود حزمة من المفاهيم، ترسخت فى أذهان الكثيرين، مفادها أن التجاوزات المتكررة كافية بأن تجعل سلطات الدولة بأكملها فى مرمى سهام الاتهامات من الرأى العام الذى يعتقد غالبيته أن صمت قيادات الدولة على التجاوزات نوع من التعبير عن الرضا، هدفه إرهاب المجتمع ودهس كرامته.
فقبل أن نفيق من صدى صدمة أو كارثة، تداهمنا الأخرى بوجه أكثر قبحا من سابقتها، وهذا يفرض علينا تكرار المطالبة، بتطبيق القانون على الجميع ومحاسبة المخطئ على ما ارتكبه أيا كان اسمه ومهما بلغ نفوذه، خاصة أن الحديث عن تطبيق القانون لا يزعج سوى فاقدى الأهلية الوطنية، ممن لا يعنيهم استقرار هذا البلد فى إطار حرصهم الدائم على التميز وفرض سطوتهم بدلا من سطوة القانون وقدسية الدستور الذى ساوى بين جميع المواطنين، فلا يوجد بين نصوصه تفرقة بين مواطن عادى وآخر مسنود، ضابط أو نائب، مواطن ذو مكانة وآخر عادى بسيط يحتمى بالقانون فى مواجهة الظلم، إلا أن الأفعال التى نراها على مدار الساعة لا مكان لها إلا فى دستور الحمقى الذى وضعوه فى أذهانهم، وأضافوا له من أوهامهم وأمراضهم نصوصا تتضمن تفرقة بين أفراد الشعب الواحد، فهؤلاء يعتبرون أن إلقاء الضوء على الممارسات غير المسئولة نوع من الحرب على الدولة.
مثل هذه الاتهامات العشوائية، تفرض علينا فى سياق الحديث عن تطبيق القانون على الجميع التوقف أمام المصطلحات الخادعة التى يتم صكها، وحشرها فى غير موضعها بمناسبة وبدون مناسبة بهدف خلط الأوراق وإيجاد المبررات لكافة الأخطاء التى يرتكبها البعض، إلا أن ترديدها بتلك الصورة الملتبسة يرسخ للباطل، ويمنح كافة الممارسات غير القانونية شرعية ذائفة، لفرض السطوة ودهس القانون، على أيدى قلة أدمنوا التبجح والتعالى على بقية أفراد المجتمع.
الصمت على ما نراه حولنا يمثل جريمة، ترقى إلى مستوى التورط فى المشاركة، فمن منا لا يرى ما يحدث من ممارسات، ومن منا لا يتخوف من استمرار هذا الوضع الذى يمثل خطرا على مستقبل الدولة واستقرارها.
علينا جميعا التأكيد على المسلمات والمبادئ الأساسية التى يقوم عليها بنيان أى دولة وتماسك أى مجتمع، جميعها يصب فى خانة واحدة مفادها، الدولة القوية تفرض هيبتها على الكافة، مواطن عادى وصاحب سلطة، بإعلاء القانون، فقوة الدولة وحدها تمنح القانون سطوته، تجعله يقظا ساهرا على حماية المجتمع من العبث، تنتصر به على الفوضى وتدحر به قوى الظلام، تطبقه على الجميع، لا فرق بين فرد وآخر، الكبير والصغير، الغنى والفقير، صاحب السلطة، والمواطن العادى قليل الحيلة الذى صار مستباحا من فئة كارهة لاستقرار هذا البلد المستهدف من قوى الظلام وأعوان الشيطان وأجهزة لا تريد لنا التقدم.