الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تساؤلات حول ملكية الإعلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت ولا تزال ملكية الصحف ووسائل الإعلام تطرح العديد من التساؤلات التى يتصدى لها الباحثون المتخصصون فى مجال الإعلام.
فطبيعة المالك للوسيلة الإعلامية هى العامل الرئيسى المؤثر فى سياساتها التحريرية وتوجهاتها، بل وصياغة الرسالة التى يراد توصيلها إلى الجمهور، ومهما قيل بشأن الفصل بين الإدارة والتحرير، تظل تلك المسألة فى الواقع العملى دربًا من دروب الخيال واليوتوبيا «المدينة الفاضلة»، وهو ما لا يمكن تصور وجوده بشكل عملى، والحديث عنه لا مكان له إلا فى النظريات الافتراضية.
الصفقات التى أبرمها رجل الأعمال الشهير أحمد أبو هشيمة خلال الأسابيع الماضية، واستحوذ بموجبها على جانب كبير من الصحف والفضائيات المصرية تدفع بعشرات التساؤلات وعلامات الاستفهام، لا سيما أنها جميعا تم بعيدا عن الأضواء ودون مراعاة لمبدأ الشفافية، وهو هنا حق أصيل من حقوق الجمهور المستهلك، لما تبثه تلك الوسائل من معلومات وأفكار وآراء.
ليس بوسع أحد إنكار حقيقة أن الجمهور طرف ثالث فى عقد البيع والشراء، فهو وحده من يقرر مدى نجاح هذه الصحيفة أو تلك الفضائية، وهو أيضًا القاضى الذى يحكم على مدى مصداقية الوسيلة الإعلامية، لذلك كان ينبغى على البائع والمشترى إعلام الجمهور ببنود العقد، وأظن أن هذه المسألة أضحت مهمة إذا كنا جادين فى احترام الجمهور وحريصين عليه، وعلى المتخصصين من رجال الإعلام واقتصادياته بحث الأمر من زاوية أن الجمهور طرف أصيل فى أى عقد لبيع أو شراء أى وسيلة إعلامية قائمة بالفعل ولها سياساتها التحريرية المعروفة التى ارتضاها الجمهور المتلقى. لا أظننى أبالغ فى حق الجمهور، ودليلى فى ذلك التطبيقات التفاعلية بالمواقع الإلكترونية والبرامج التليفزيونية التى تتفاعل أيضًا مع الجمهور إما بشكل مباشر وإما من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما يعنى أن الجمهور أضحى شريكًا فى صناعة وصياغة الرسالة الإعلامية، وهذا يعنى بالضرورة أن المالك الجديد لا يمتلك الحق المطلق فى تغيير محتوى وشكل الرسالة، وعليه أن يدرك أن الجمهور شريك أصيل له فى هذه العملية.
من السذاجة الاعتقاد بأن رجل الأعمال خاصة إذا كان يمتلك إمبراطورية مثل إمبراطورية أبوهشيمة لا يؤثر فى المجال السياسى، والأنظمة الديمقراطية توجد عندما تتسع فئة أصحاب المصالح الاقتصادية، ومن ثم تتعدد وتتنوع تلك المصالح، الأمر الذى يدفعها إلى الولوج فى العملية السياسية بإنشاء أحزاب وخوض انتخابات حتى تستطيع التعبير عن تلك المصالح والدفاع عنها، والتأثير بما يحقق أهدافها.
ولأن الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار والأفكار، بل صانع للأحداث السياسية، وقادر على التأثير فى توجهات الرأى العام، فقد أصبح الكعبة التى يقصدها كل رجل أعمال يريد أن يكون له دور سياسى فاعل، ولكن ليس بالطواف حوله ثم المغادرة، وإنما للاستحواذ والامتلاك ليكون منصة يطلق من خلالها قذائفه الإعلامية والسياسية، إما فى مواجهة خصومة، وإما للاحتفاظ بميزان القوى متعادلاً ومتكافئًا.
مشكلة الصفقات الأخيرة أن الجمهور فى عمومه لا يعرف عن السيرة الذاتية لأبو هشيمة الكثير أو حتى القليل، ولا توجد معلومات كافية حول تاريخ صعوده فى عالم البيزنس ليصبح فى سن مبكرة إمبراطور الحديد فى مصر، كما لا توجد أى معلومات بشأن حقيقة توجهاته السياسية، وماهية أفكاره ومواقفه تجاه القضايا الثقافية والاجتماعية.
ببساطة "أبو هشيمة" الأكثر غموضًا فى طريقة صعوده فى عالم الاقتصاد، وفى صفقاته التى أبرمها من أجل الاستحواذ على الإعلام المصرى على عكس رجل الأعمال أحمد عز الذى كان يعرف الجميع خلفياته السياسية والاجتماعية.
من المهم أن يعرف الجمهور من هو أبو هشيمة، وماذا يريد من الإعلام؟ لأنه وببساطة من سيحدد السياسات التحريرية الجديدة للصحف والفضائيات التى اشتراها، وعلى إعلام الدولة أن يدرك جيدًا حقيقة مسئوليته تجاه الرأى العام حتى لا يتركه لقمة صائغة بين أيدى رجال الأعمال وتوجهاتهم.