الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المحتفلون بتقرير "شيلكوت"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستطيع المرء أن ينتقى ما يشاء من تقرير حجمه أكثر من مليون ونصف المليون كلمة، أصدرته لجنة التحقيق البريطانية التى يرأسها السير شيلكوت، واستغرق زهاء سبع سنوات.
لكن لم يرد فى التقرير الضخم إدانة تجريم واحدة ضد رئيس الوزراء حينها تونى بلير. ولم يعتبر قراره بشن الحرب على العراق غير قانوني. ولم يطالب بمحاسبته ولا بالتحقيق معه. بل أكثر من ذلك، برأ بلير لأول مرة من التهمة الرئيسية بأنه كذب على البرلمان. ذكر التقرير أن رئيس الوزراء الأسبق بالفعل نقل ما ورده من الاستخبارات عن أسلحة صدام الكيماوية.
وبلير نفسه لم يعتذر عن الحرب ولم يتراجع. اعتذر عن الأخطاء المتصلة بالحرب، مثل حلّ جيش وحكومة صدام. وبالمناسبة بلير كان ضد قرار واشنطن هذا، فى وقتها.
بكل أسف ما ينشر عربيًا مترجمًا ينمّ عن خليط من الدجل والجهل.
ومع احترامى لجريدتى «الشرق الأوسط»، المعروفة عادة بدقتها ومهنيتها، اعتمدت تصريح حزب هامشى هو «الأسكتلندى الوطني» عنوانًا، مع أنه لا قيمة لرأيه: «تجب محاسبة بلير»!
وفى الحقيقة، كنت أتوقع أن يظهر تقرير التحقيق قاسيًا، لأن نتائج الحرب جاءت فاشلة بخلاف ما تعهدت به الحكومة. فالتقرير لام بلير على أنه لم يستنفد السبل السلمية قبل شن الحرب، وهذا يعنى أن اللجنة لم تخطئ قراره بشن الحرب، بل لأنه لم يصبر بما فيه الكفاية على الوساطات.
أما حول مساندته الرئيس الأمريكى السابق، وخوض الحرب معه، فإن علينا فهم العلاقة الخاصة بين البلدين، وأن أى رئيس وزراء بريطاني، مهما كان حزبه، سواءً كان عماليًا مثل بلير أو محافظًا مثل مارجريت تاتشر، لا يمكن أن يتخلى عن تحالفه مع الولايات المتحدة، خاصة فى الأزمات، لأن العلاقة بواشنطن تمثل أعظم قيمة لبريطانيا فى حضورها الدولي.
لكن ماذا عن الحرب، قرارًا ونتائج؟
الحرب عمل سياسى قبل أن تكون عملًا عسكريًا، والحروب السيئة فقط تلك التى تخسرها. فالاعتراضات على حرب أمريكا على العراق فى تحرير الكويت ١٩٩٠. كانت أكبر مما واجهته حربها على العراق فى عام ٢٠٠٣. فى أعقاب هجمات سبتمبر، وعجز الغرب عن السيطرة على مراوغات صدام وفشل سياسة الحصار. ولو أن الولايات المتحدة خسرت حربها الأولى على العراق فى الكويت لقال الجميع إنها حرب خاطئة، إنما توصف اليوم بأنها عمل سياسى وعسكرى عظيم. بصراحة، لا توجد حروب صائبة وحروب خاطئة، هناك انتصار وهزيمة. الأمريكيون كسبوا حربهم على صدام ٢٠٠٣ بيسر شديد فاجأهم وفاجأ العالم، وقد غرّر بهم الانتصار السهل إلى درجة أنهم استسهلوا إدارة الأزمة لاحقًا وأساءوا التصرف.
بالنسبة لواشنطن، فشلت فى تحقيق هدفها الأساسي، إقامة نظام حليف مستقر، يمثل نموذجًا سياسيًا يُحتذى به فى منطقة الشرق الأوسط. أما بالنسبة لدول المنطقة فقد تعاملت مع الأزمة بشكل مختلف. معظمها اعتبرت إقامة واشنطن نظاما فى بغداد يمثل تهديدًا لنظامها. مثلًا، نظام بشار الأسد، الخائف أن يكون التالي، تولى إدارة المقاومة العراقية، وسهل على تنظيم «القاعدة» العمل فى العراق من خلال سوريا، وانساق وراءه إعلام عربى يهلل لـ«القاعدة» والمعارضة المسلحة، فخدم إيران والأسد. وقد استغلت إيران امتناع السعودية عن التعاون مع الأمريكيين فقامت بالدور عنها بالنيابة مرتين، فى غزو أفغانستان ثم العراق. منحتهم حق استخدام أجوائها، وتعاونت معهم استخباراتيًا وسياسيًا، وهو الذى غير معادلة العلاقات لاحقًا فى المنطقة. أما بالنسبة للسعودية والخليج ومصر فقد تسبب امتناعها عن التدخل والتعاون فى اختلال معادلة الحكم فى بغداد، وصعود التطرّف الشيعى سياسيًا، وقد كتبت مقالًا فى هذا الشأن من قبل، كما فشلت محاولات مهمة لإقامة نظام مركزي، من خلال الاستفتاء الشعبى على الدستور والانتخابات، وبدلا من الانخراط فيها حاربها الجهلة ودعوا لمقاطعتها، فضيعوا حقوقهم الدستورية وحصصهم البرلمانية، ولا يزالون يعانون منها إلى اليوم.
أما العرب الذين احتفلوا هذه الأيام بتقرير «شيلكوت» البريطاني، فهم لا يفهمون نظام المراجعة والمحاسبة فى الثقافة الغربية، ويريدون استخدامه لتعليق فشلهم على الغير. ولا عجب أن هذا ديدنهم، فبدلًا من القراءة الموضوعية للأحداث يلجأون للوم والانتقام، صفتان مستمرتان فى الثقافة العربية منذ «معركة الجمل»، من ١٤ قرنًا وحتى اليوم.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»