الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اعتذار غير مقبول من توني بلير خادم الأمريكان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كأنهم يريدونها قاعدة، ليس علينا إلا الخضوع لها، يدخلون أراضينا، يستبيحون أعراضنا، يقتلون أولادنا، ينهبون أموالنا، يمزقون أوصال أوطاننا، ثم يشكلون لجنة، تعمل لسنوات طويلة، وبعد أن يعتقدوا أن الدماء بردت في قبور أصحابها، يخرجون علينا بوجه إنسانى يقدمون الاعتذار، ويبدون الندم. 
فكرت للحظة أن أجعل من اعتذار تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى عن جريمته في حق العراق، عنوانًا رئيسيًا على صدر الجريدة، فها هو الشريك الأكبر في جريمة الغرب ضد العرب يتراجع عن موقفه، فأى نصر يمكن أن نحققه بعد ذلك، فكرت قليلًا، فوجدت أننا يجب أن نرفض هذا الاعتذار على المستويين الرسمى والشعبى، فهو ليس إلا مثل السفاح الذي يقتل القتيل ثم يسير في جنازته باكيًا منتحبًا، طالبًا منا أن نصدقه عندما يقول إن ما فعله لم يكن إلا بحسن نية. 
شغل تونى بلير منصبه كرئيس وزراء للمملكة المتحدة لعشر سنوات امتدت من ١٩٩٧ حتى ٢٠٠٧، تم خلالها تدمير العراق تدميرًا كاملًا، ودخلت المنطقة في أعقابها في حروب وفتن وتطرف، جاءت على الأخضر واليابس. 
رفض الاعتذار من بلير ليس لأنه يأتى بعد فوات الأوان فقط، ولكن لأنه اعتذار متعالٍ متكبر مغرور، لا يريد أن يعترف بخطئه، صحيح أنه أعرب عن حزنه العميق لما حدث في العراق بعد التدخل العسكري لإسقاط صدام حسين، لكنه أصر على أنه اتخذ القرار في عام ٢٠٠٣ بحسن نية. 
إنه حسن النية إذن، قاتل العباد ومخرب البلاد، وحتى لو افترضنا أن الأمر كذلك، فهو لم يكن حسن النية في أمر يخصه، لم يكن يقرر مصيره، بل كان يتدخل في مصائر ملايين من المواطنين، اعتقد هو أنهم سيكونون أفضل بعد أن يرحل صدام حسين، ولا يزال مقتنعًا بذلك، تدخل دون أن يستلفت هؤلاء الناس، دون أن يأخذ رأيهم، وأعتقد أنه لو فعلها لرفضوا بشكل قاطع الحرب، تلك التي لا تعنى إلا الفناء والدمار. 
اعتذار تونى بلير لم يأتِ من منطق التعالى والغرور والتكبر فقط، ولكنه جاء من منطق الجهل أيضًا، لا يزال يعتقد أن وضع العراق أصبح أفضل بعد إسقاط صدام، فهناك كما يرى حكومة شرعية ومنتخبة في العراق اليوم، وهو ما يعنى جهالته الشديدة، فكون الحكومة شرعية ومنتخبة، فهذا لا يعنى كل شىء، كانت هناك طرق كثيرة لجعل العراق أفضل بدون الحرب والدمار والقتل وانتهاك الأعراض، لكن القاتل الأمريكى وشريكه البريطانى تعجلا، فذبحا الفرخة حتى يحصلا على كل بيضها الذهبى مرة واحدة. 
يعلى تونى بلير من شأن عدم كذبه على شعبه، فهو يصر على أنه لم تكن هناك أي أكاذيب، ولم يتم تضليل البرلمان، ولم يقدم أي التزام سرى بدخول الحرب، ولم يزور المعلومات الاستخباراتية. 
ما الذي حدث إذن؟ 
يصدر لنا السفاح المحترف: كل ما حدث كان بحسن نية. 
وحسن النية هذا جاء كما قال بلير: اتضح لاحقًا أن التقييمات الاستخباراتية التي تم تقديمها عندما كنا نتوجه للحرب، كانت مغلوطة، والعواقب كانت تحمل طابعًا أكثر عدوانية ودموية وأطول مما كنا نتصوره وقت اتخاذ القرار بالتدخل. 
ورغم أن بلير قال للصحفيين الذين كان يتحدث إليهم: لذلك كله أعرب عن حزن وأسف واعتذار أكبر مما يمكنكم أن تتصوروا. 
إلا أنه كذب من جديد ليس على شعبه، ولا على نفسه فقط، بل على العالم كله، قال: لو كانت لندن رفضت المشاركة في العملية العسكرية في العراق لتدخلت واشنطن لإسقاط صدام بمفردها. 
وهو يكذب، لأنه لو كان مواطنًا صالحًا، لترك واشنطن تذهب بمفردها إلى الحرب، لتتحمل وحدها وزر ما يجرى على الأرض، لم يكن بلير مضطرًا لدخول الحرب، فعل ذلك عن مصالح مشتركة تجمعه بـ«بول»، والأهم من ذلك أنه لم يكن إلا تابعًا ذليلًا، أو كما يعرفه العالم كان خادمًا للأمريكان، وليس على الخادم إلا أن يتبع سيده. 
لا تصدقوا هذا الخادم، ليس لأنه كاذب فقط، ولكن لأن الاعتذار لن يحيى موتى، ولن يعيد مشردين إلى ديارهم.