رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشكلتي مع "ونوس"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندى مشكلة مع مسلسل «ونوس»: في البداية أحببت الفكرة، بالرغم من أنها مقتبسة طبعا من أسطورة «فاوست»، الدكتور الذي يعقد صفقة مع الشيطان، يتنازل فيها عن روحه مقابل أن يحظى بقمة السعادة الدنيوية. وهى التيمة، أو الفكرة، التي ترددت عبر عشرات ومئات الأعمال من فلكلور ومسرح وأدب وسينما بكل اللغات.. يمكننى أن أشير إلى بعض الأعمال الشهيرة لجمهورنا من باب التذكرة: عندك أفلام «المرأة التي غلبت الشيطان» لنعمت مختار، و«سفير جهنم» ليوسف وهبى و«اللعب مع الشيطان» لنور الشريف، و«محامى الشيطان» لآل باتشينو وكيانو ريفز.
أحببت فكرة أن يقدم كاتب السيناريو عبدالرحيم كمال، وهو مؤلف جاد ومجتهد، معالجة مصرية عصرية لفاوست، يقوم فيها بدور الشيطان النجم يحيى الفخراني، صاحب أطيب وأحب وجه على الشاشة!
وبالفعل أبهرنى الفخرانى في الحلقات الأولى، وبدا دخول الشيطان وسط هذه الأسرة البسيطة مختلفا عن معالجات أخرى تدور فيها الصفقة بين الشيطان وعالم يبحث عن المعرفة، أو امرأة تبحث عن الجمال، أو محامٍ يبحث عن النجاح.. وأن «ونوس» ليس مجرد اقتباس للأسطورة الشهيرة أو أحد الاقتباسات المأخوذة عنها، ولكنه أيضا عن الغوايات والوساوس اليومية التي يهمس بها الشيطان في آذان البشر.. وهى صورة مستمدة من القرآن الكريم والوسواس الخناس الذي يوسوس في قلوب الناس، أكثر مما هي مستمدة من الصفقة المباشرة بين الشيطان مفيستولس والدكتور فاوست.
بمرور الوقت بدأ السيناريو يتباطأ ويدور حول نفسه، والخطوط الدرامية تتفكك، والإيقاع يرتخي، وبات من الواضح أن المخرج شادى الفخرانى لا يستطيع الإمساك بالعمل جيدا، دراميا وأسلوبيا.
مع هذا استطاع فريق الممثلين وعلى رأسهم الفخرانى طبعا أن يحافظوا على حيوية العمل وتشويقه، وأخص بالذكر منهم حنان مطاوع، ومحمد شاهين الذي لعب دور الأخ الأكبر، ونهى عابدين التي لعبت دور خطيبته ثم زوجته، وسماح السعيد التي لعبت دور زوجة الأخ الأوسط الشيخ فاروق، ورغم أن اختيار الممثل نيقولا معوض الذي لعب دور الشيخ فاروق غريب، لأن ملامحه وأسلوب حديثه وحركته تبدو «أرستقراطية» فإنه استطاع إقناعنا بالشخصية بمرور الوقت.
ستلاحظ أننى لم أذكر لا هالة صدقى ولا نبيل الحلفاوى. واضح أن المخرج لم يكن يملك السيطرة عليهما، فراحت الأولى تصرخ بصوت حاد مزعج طوال الوقت، والثانى يزفر ويتنهد ويبرق بعينيه دون داعٍ طوال الوقت.
ما علينا.. المهم أن العمل راح يلف ويدور ويعود من حيث جاء ليلف ويدور ثانية، دون أن يجرؤ كاتب السيناريو على فعل الشىء الأساسى والوحيد الذي ينبغى فعله في هذه التيمة الدرامية، وهو «رحلة السقوط» إلى الهاوية لبعض الشخصيات. الوحيد المسكين الذي ضحى به مؤلف العمل هو شخصية «الغريب» الذي يتزوج من صاحبة الكباريه «حياة» ثم يقتلها ويشنق نفسه. باقى الشخصيات ظلت تراوح المكان، خطوة لتحت، وخطوة لفوق. في الحقيقة كلهم طيبون وأبرياء وأخطاؤهم وخطاياهم «بشرية» للغاية، وليست «شيطانية» بالمرة. فقراء يبحثون عن الستر، مراهقة تعذبها الحيرة بين أخين، رجل يبحث عن الشهرة وتقدير الناس، مطلقة لديها طفل مقعد أصابتها الضغوط بالإرهاق أو المرض النفسى فمشت وراء الخرافة، فنان يغنى وراقصة وزجاجة بيرة ومائدة للعب القمار. هل هذا كل مفهوم كاتب السيناريو البرىء عن الشر؟ اسمح لي: هذه تفاهات وهؤلاء عيال لا أعتقد أن الشيطان يكلف نفسه ويضيع وقته معهم.. الشيطان مشغول مع الذين يقتلون الأبرياء بالآلاف وينهبون الشعوب، مع السياسيين وصناع وتجار السلاح ورجال الأعمال اللصوص وتجار المخدرات الثقيلة والدعارة المنظمة ورجال القانون الذين يحمون كل هؤلاء. 
الشر لا يكمن في زجاجة بيرة وسيجارة حشيش والفرجة على صوفينار. هذه متع بريئة وخطايا قديمة للغاية، استطاع الشيطان أن يخدعنا ويجعلنا نركز عليها، حتى لا ننتبه للشرور الحقيقية في هذا العالم.
هذه الرؤية البسيطة للعالم ليست كل مشكلة «ونوس». المشكلة الحقيقية أنه يتعاطف مع الشرير الوحيد في هذه الأسرة الغلبانة، وهو الأب الذي تخلى عن زوجته وأبنائه وهجرهم لعشرين عاما ارتكب فيها جرائم سرقة وقتل، ومع ذلك يأتى صناع العمل بنبيل الحلفاوى ليلعب الدور وكأنه ولى من أولياء الله الصالحين، يعظ أبناءه ويؤنبهم ويحاسبهم، دون أن يفكر أحدهم في صده وشتمه أو البصق عليه!
هذه الرؤية الرجعية لمكانة «الأب»، حتى لو كان مجرمًا متعاقدًا مع الشيطان، هي أساس كل المصائب التي يعانى منها عالمنا العربي!.