الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طلقات قبل الختام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أولاً: الخلافة التى نعتوها بالإسلامية هى فى حقيقتها خلافة عربية قرشية، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم، وأن دعوة إحيائها من جديد تبدو أكثر تناسقًا مع منهج القومية العربية والدعوة للوحدة بين أقطار العرب، منها إلى الدعوة لدولة دينية إسلامية، وبهذا المنطق نقلبها على أساس كونها دعوة سياسية بحتة، إن استهدفت التوحد فعلى أساس المصلحة، وإن توجهت للتكامل فعلى أسس حضارية عقلانية، وإن استلهمت التاريخ فعلى أساس وطيد من (الجغرافيا).
ثانيًا: الإسلام دين لا دولة، وعلى المحتج علينا بالعكس، أن يرد علينا بحجة التاريخ، وليس أقوى من التاريخ حجة، أو أن يعرض علينا منهجه فى إقامة الدولة على أساس الإسلام، وليس أقوى من تهافت ما قدم إلينا حتى الآن من أفكار، حجة على المدعين أن الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، ليس هذا فحسب بل إننا نعتقد أن الدولة كانت عبئًا على الإسلام، وانتفاضًا منه وليست إضافة إليه، ولسنا فى حاجة بعد الصفحات السابقة إلى دليل.
ثالثًا: الفرق بين الإنسان والحيوان، أن الأول يتعلم من تجاربه، ويختزنها مكونًا ما نعرفه باسم (الثقافة)، ويبدو أن المنادين بعودة الخلافة يسيئون بنا الظن كثيرًا، حين يدعوننا إلى أن نجرب من جديد ما جربناه من قبل، وكأن تجربة ثلاثة عشر قرنًا لا تشفع، أو كأنه يفزعهم أن تسير على قدمين، فيطالبوننا بالسير على أربع.
رابعًا: الثابت لدينا من قراءتنا للتاريخ الإسلامى أننا نعيش مجتمعًا أرقى بكل المقاييس، وعلى رأسها مقاييس الأخلاق، وهو مجتمع أكثر تقدمًا وإنسانية فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والرعية، وأننا مدينون فى ذلك كله للثقافة الإنسانية التى لا يرفضها جوهر الدين، ولحقوق الإنسان التى لا تتناقض مع حقوق الإسلام.
خامسًا: التاريخ يكرر نفسه وكأنه لا جديد، غير أننا لا نستوعب دروسه، ونركز فى دراستنا له على أضعف جوانبه، وهو جانب الفكر الدينى، ونحن فى دعوتنا لدراسة التاريخ والاستفادة من دروسه، لا نكرر خطأ المتطرفين حين يدعوننا إلى منهج النسخ الكربونى وإنما ندعو إلى ترجمة حوادث التاريخ بمصطلحات الحاضر، وإلى الاستفادة من دروسه بأسلوب العصر، ولكى نؤكد للقارئ أن التاريخ يعيد نفسه، ندعوه إلى قراءة ما ذكره ابن الأثير تحت عنوان (ذكر فتنة الحنابلة ببغداد)، حيث قال (الكامل فى التاريخ – ابن الأثير – الجزء السادس ص٢٤٨)
(وفيها – يقصد سنة ٣٢٣هـ فى خلافة الراضى – عظم أمر الحنابلة وقوة شوكتهم، وأنهم صاروا يكبسون من دور القواد والعامة، وإن وجدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء، واعترضوا فى البيع والشراء، ومشى الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذى معه من هو؟ فإن أخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة فأرهجوا بغداد).
ولنا أن نسأل القارئ: ماذا لو استبدلنا بغداد بأسيوط، والحنابلة بالجماعات الإسلامية، وعام ٣٢٣هـ بعام ١٩٨٦م، ثم قرأناه من جديد؟ غير أن ذلك كله كان فى خلافة الراضى، حين اهتزت هيبة الحكم، وعجز عن استخدام أدواته، التى كانت نطعًا وسيفًا فى عصره. بينما أدواتنا اليوم هى الدستور والقانون والديمقراطية الكاملة، وهى أدوات لا يعيبها إلا عدم الاستخدام فى أغلب الأحيان.
سادسًا: تنامى الجماعات الإسلامية وتيارات التطرف السياسى الدينى فى مصر، يعكس تأثير التربية والتعليم والإعلام فى مجتمعاتنا، حيث التفكير دائمًا خاضع للتوجيه، والمنهج دائمًا أحادى التوجه والاتجاه، والوجه الواحد من الحقيقة هو الحقيقة كلها، وما سبق عرضه فى هذا الكتاب لا يزيد عن محاولة لعرض الحقيقة المتكاملة، الأمر الذى يدعو إلى التفكير، وهو أمر جد مختلف عما يدفع إليه المنهج السائد إعلاميًا، والذى لا يعرض من الحقيقة إلا الجانب المضيء، ولا يعلن من الآراء إلا رأيًا واحدًا، ولا يدفع المواطنين إلا إلى اتجاه واحد، وهو من خلال ذلك كله يهيئ الوجدان لقبول التطرف، ويغلق الأذهان أمام منطق الحوار.
سابعًا: الإسلام على مفترق طرق، وطريق منها أن نخوض جميعًا فى حمامات الدم، نتيجة للجهل وضيق الأفق وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقى العصر والإسلام، وذلك هين يسير، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير، والقياس الشجاع، والأفق المتنور، ولست أشك فى أن البديل الثانى هو الوحيد، وهو الذى سيسود رحمة من الله بعباده، وحفظًا منه لعقيدته، غير أن أخشى ما أخشاه أن يطول الانتظار، وأن يحجم الأخيار، وأن يجبن القادرون، وأن ينجح المزايدون فى دفع العجلة إلى الوراء، ولو إلى حين، لأن المجتمع كله سوف يدفع ثمن ذلك، وسوف يكون الثمن غاليًا.
ثامنًا: ما عرضناه من تفاصيل وما ناقشناه من وقائع لم يكن هو القصد، بل كان قصدنا أن نعرض منهجًا للتفكير، يسمح باستخدام العقل فى التحليل، والنطق فى استخلاص النتائج، والشجاعة فى عرض الحقيقة دون زيادة أو نقصان، ولا نحسب أننا فى هذا مبتدعون، بل نحن متبعون لما أملاه علينا إخلاصنا للعقيدة وولاؤنا للوطن، وانتماؤنا للمستقبل.
***
أعلم أن الحديث قد طال، وأخشى أن يكون قد تشعب، ولعلى أوجز العرض والقصد فى الرفض الكامل لخلط أوراق السياسة بالدين، وفى التأكيد على الفصل بينهما، حجتى فى ذلك ما يلي:
أولاً: أن البينة على من ادعى، وإذا كنا ندعو للفصل فحجتنا جلية فيما هو قائم، أما دعاة الوصل فعليهم أن يوضحوا لنا كيف يكون، ولا مناص عن صياغة برنامج سياسى كامل، وهو فى تقديرنا أمر عسير عليهم، وإن كان يسيرًا علينا أن ندرك الأسباب، وقد عرضناه بالتفصيل فى الكتاب.
ثانيًا: إننا نقبل فى منطق الصواب والخطأ فى الحوار السياسى، لأن قضاياه خلافية، يبدو فيها الحق نسبيًا، والباطل نسبيًا أيضًا، ونرفض أن يدار الحوار السياسى على أساس الحلال والحرام، حيث الحق مطلق والباطل مطلق أيضًا، وحيث تبعة الخلاف فى الرأى قاسية لكونه كفرًا، وتبعة الاتفاق والمتابعة قاسية أيضًا لمجرد كونها فى رأى أصحابها حلالًا، حتى وإن خالفت المنطق، بل حتى وإن خالفت الحلال ذاته، ولم تكن أكثر من اجتهاد غير صائب تسانده سلطة الحاكم باسم الدين، ويؤازره سلطان العقيدة فى ساحة غير ساحتها بالقطع، ولعل ممارسة النميرى فى السودان لا تزال فى الأذهان، ولعل مباركة علمائنا الأفاضل لما فعله النميرى وقت أن كان فى السلطة لا تزال فى الوجدان، ولعل نقدهم المرير له ونكيرهم اللاذع عليه بعد أن ترك السلطة واضحان للجميع، ولعلنا نتساءل دون أن نغضب أحدًا، هل هو الخداع فلا نقبل منهم قولًا، أم هى الغفلة فلا نقبل منهم ريادة؟
أم هو الخطأ – وكل ابن آدم خطاء فندعو لهم بالمغفرة؟ وقريب من هذا موقفهم من الرئيس السابق فى مبادرة السلام حين رفعه بعضهم إلى أعلى عليين بالقرآن والسنة، وهبط به بعضهم إلى أسفل سافلين بالقرآن والسنة، وتركونا حيارى، بل إن شئت الدقة أسارى، لعلامات التعجب والاستفهام، وما لنا نذهب بعيدًا؟ وأمامنا الآن حوار دائر بين فريقين منهم، يراه بعضهم كافرًا وآخرون يرونه قديسًا، بينما نحن الرعية – الحيارى – الأسارى – نضرب كفًا على كف ونحن نتابع حوارًا لا يدور بين رأى ورأى أو بين صواب وخطأ، بل بين كفر وإيمان، وهو ما نرفضه دون أن يؤثر هذا على ما فى وجداننا من عقيدة، وما فى قلوبنا من إيمان.
ثالثًا: إن وقائع التاريخ التى سردناها فى الكتاب، تنهض دليلًا دامغًا على ضرورة الفصل، وعلى خطورة الوصل، وعلى سذاجة المتنادين بعودة الخلافة.
رابعًا: إذا تجاوزنا وقائع التاريخ وانتقلنا إلى ممارسات نظم قائمة ترفع شعار الإسلام، وتتبنى مفهوم الحكم به، فإننا نرى أنها جميعًا حجة فى صالح الفصل، ودليل جديد على خطورة الوصل، وكم نتمنى أن يحتج بها البعض حتى نلزمه حجته، غير أنا نحسب أن أحدًا لن يفعل، لما نعلم ويعلم.
خامسًا: يبقى السبب الأخير والأهم، وهو أن الفصل هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية، وأن الوصل هو السبيل الأكيد لهدم صرحها العتيد، لا يغنى عن ذلك التشدق بمقتطفات من التاريخ تؤكد على السماحة والتسامح فى معاملة أهل الذمة، فقد ضربنا صفحا عن أضعافها، مما يؤكد العكس، وتقشعر له الأبدان، ونحن نؤمن بأن الإسلام قد بلغ الذروة فى التسامح مع أهل الكتاب، بل ومع الكافرين، لكن القرآن لا يفسر نفسه بنفسه، والإسلام لا يطبق نفسه بنفسه، وإنما يتم ذلك من خلال المسلمين، وما أسوأ ما فعل المسلمون بالإسلام، ولسنا فى حاجة إلى نكء الجراح أو إثارة النعرات أو تفجير الخلافات، بقدر ما نحن فى حاجة إلى تأكيد الإيجابيات ولم الشمل وتماسك الصفوف.