الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

عفريت مبارك...!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الجاهل وحده من لا يدرك أن ثورة الثلاثين من يونيو كانت تعبيرًا واضحًا عن مستوى النضج السياسي والوعي المجتمعي لدى الأغلبية الصامتة أو حزب الكنبة كما يحلو لأفندية النخبة تسميتها.
والجاهل أيضًا هو من لا يعي أن هذه الأغلبية هي التي تخلق البيئة السياسية والمجتمعية ووحدها من يتحكم في تطورها وتغيرها من مرحلة لأخرى.
لا يمكن التعويل على أفراد النخبة في إحداث تغيير جذري طالما أن الكتلة الحرجة من السكان لم تتدخل بثقلها في عملية التغيير، لذلك ظل الثوار الذين شاركوا في انتفاضة 25 يناير يرددون عبارة “,”خلعنا مبارك ومع ذلك لم يتغير النظام“,” وكأنهم في انتظار من يحدث فعل التغيير.
والواقع أن هذا كان لسان حالهم إلا أنهم لم يعوا أهمية دور الأغلبية الصامتة، وبدلا من أن يتوجهوا إليها بخطابهم الثوري راحوا يوجهون اللوم إلى المجلس العسكري في زمن المشير طنطاوي، ويكيلون الشتائم لتلك الأغلبية مبتكرين مصطلح “,”حزب الكنبة“,”.
لذلك أدار حزب الكنبة وجهه عنهم وعن مشروعهم متشككا في صدق نواياهم، واتجه مباشرة بأصواته نحو جماعة الإخوان المسلمين كونها مرادفة للحزب الوطني، بمعنى آخر أنها الكيان السياسي القوي القادر على حماية الدولة من نزق أولئك الثوار.
وحافظت الأغلبية الصامتة على البيئة السياسية والمجتمعية دون تغيير لذلك كان طبيعيا أن تنهج جماعة الإخوان نفس سبيل الحزب الوطني في كثير من الأمور لاسيما السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولات شراء أعوان ومناصرين.
ولولا أن الجماعة تعاني الغباء السياسي لكان من الممكن أن تنجح في خداع المصريين لوقت أطول إلا أنها كانت أكثر نهما للسلطة فخرجت عن خط سير الحزب الوطني علاوة على ذلك اكتشف المصريون أنها ليست فقط جماعة استبدادية وإنما أيضا جماعة غير وطنية خائنة وعميلة لا تعترف بمصر وطنا، لذلك سارع حزب الكنبة إلى المشاركة في عملية التغيير الجذري فأطاح بحكم المرشد وحرر بلاده من جماعة احتلال فاسدة وقرر تغيير قواعد اللعبة.
هذه المرة تغيرت البيئة السياسية جذريا وتغيرت شروط المشاركة في بنائها فلا مجال لشعارات جوفاء، ولا مكان للافتات دينية حمقاء.
هذه البيئة لم تعد تسمح تفاعلاتها بمناخ ملائم لتكاثر بكتيريا وفطريات السياسة من المتسلقين والمتطفلين والمراهقين، لذلك هناك من يحاول مقاومتها عن جهل غير واعٍ بأنه صار خارج الزمان والمكان.
ولأن الجهل تخلف ومرض فإن صاحبه يلجأ للخرافات باستدعاء العفاريت والشياطين حتى يستطيع الاستمرار في حياته.
بعض الكائنات السياسية لم تعد بوسعها التعايش في البيئة الجديدة لذلك هي تلجأ لتحضير عفريت مبارك ودولته البوليسية، وبالطبع لا يحضر هذا العفريت إلا في خيالهم المريض، من تلك الكائنات ما هو ثوري أو ينتمي للأحزاب المدنية وهذا النوع لا يقوى على العمل السياسي وليس لديه تصور محدد لبناء الدولة إنما هي بعض أحلام يحولها إلى شعارات، فشل في مقاومة نظام مبارك سياسيا والحصول على دعم شعبي رغم استبداده وفساده، كما فشل في مقاومة الإخوان متحججا أن الزيت والسكر يكسب، هذا النوع يتغذى على الصراخ والنحيب ليلا نهارا، وهذا الغذاء لا يوفره غير نظام أمني قمعي، لذلك هم يقومون باستدعائه بالحديث المتكرر عن عودة نظم مبارك ومعتقلات أمن الدولة.
هذا النوع تجده ينتشر في بعض أحزاب ما، كانت تسمى بجبهة الإنقاذ، وبعض التيارات والقوى اليسارية، بعضهم من حسنى النوايا العاجزين عن أي فعل سياسي إلا الصراخ، وبعضهم باع حناجره لتنظيم الإخوان الإرهابي مقابل المال، لكن الجميع يكررون خطاب جماعة الإخوان المحظورة، ودليل جهل حسني النية منهم انهم لا يدركون أن حديثهم الأحمق بشأن عودة دولة مبارك يقود تلقائيًا إلى ترويج رسالة الإخوان حول أن “,”خروج الملايين في الثلاثين من يونيو لم يكن ثورة وإنما انقلاب عسكري“,” رغم أن معظمهم شارك فيها.
عفريت مبارك لا يستفيد من تحضيره السياسيين فقط وإنما أيضا من اعتادوا الحياة في بيئة سياسية تقوم على النفاق والتملق وشبكة المصالح الشخصية المعقدة وهؤلاء ينتشرون وللأسف فيما تسمى بحملة “,”كمل جميلك“,”.
فبعضهم يحاول تصور وجود نظام سياسي مطابق في مواصفاته لنظام مبارك والفارق الوحيد أن هذا النظام قد صار على رأسه فعليا الفريق أول عبد الفتاح السيسي متصورين أن الرجل مجرد مرادف لشخصية مبارك.
في الأسبوع الماضي التقيت مصادفة أحد من يدعون أنهم من الأضلاع الرئيسية في حملة “,”كمل جميلك“,” وفوجئت به يخبرني بأن الحملة تجهز البرنامج الانتخابي الذي سيتبناه الفريق أول عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هكذا وببساطة واستباقا لكل الظروف والأحداث وإرادة الرجل.
المفاجئة أن هذا الشخص تحديدا له سوابق في النصب والاحتيال بمنطقة وسط البلد، مثل هذه الكائنات الفطرية المتطفلة التي لا تعرف سوى النفاق والتملق لم يساعدها عقلها على إدراك أن عبد الفتاح السيسي أضحى رمزًا للدولة المصرية وأن هذه الرمزية قد صنعتها تلك الأغلبية الصامتة من حزب الكنبة وأنها التي خلقت بيئة تمنع كل محاولات العرقلة والمساس بعملية التطور سواء كان ذلك عن طريق الصراخ وأعمال الفوضى، أو من خلال منهج النفاق والتسلق والقوادة السياسية.
مجمل القول إن ثورة الثلاثين من يونيو قد نجحت في تخليق مضادات حيوية قادرة على حماية البيئة السياسية الجديدة من أوهام المراهقين، وأحلام المنتفعين ولن يسمح بالعيش إلا لمن هو قادر على ممارسة العمل السياسي، محترمًا وعي وإرادة الأغلبية الصامتة.