الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة فى أوراق العباسيين "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان هناك بابان للتمتع بالحياة، والحياة فى المتع، باب منهما لم يختلف أحد عليه، وإن جهله بعض المعاصرين أو صعب عليهم تصوره، وباب آخر أثار ولا يزال يثير كثيراً من الخلاف.
أما الباب الأول فهو التسرى بالجوارى، وهو جانب من جوانب نظام الرقيق، الذى ظهر الإسلام وهو جزء من إطار الحياة، فلم ينكره أو يدينه، وإنما حث على العتق، وهو باب من أبواب الخير العظيم، وجانب ذو شأن جليل من جوانب روح الإسلام، تلك التى نجدها اليوم متناسقة مع عالم المساواة بين الجميع، ومتناغمة مع إلغاء الرقيق عالمياً، بينما لو توقفنا عند ظاهر النص لأنكرنا المساواة، ولاستنكرنا الإلغاء، ولأننا من أنصار الروح والجوهر، فإننا نفسر موقف الإسلام من الرق بما نكرره ونعيده دون أن نمل، وهو أن الدين لم ينزل من أجل عصر واحد، وأن القرآن لم يتنزل لكى يناسب زمناً معيناً، وإنما نزل الدين وتنزل القرآن لكل عصر ولكل زمان، وهو وإن سمح بالرق فقد تسامح مشجعاً العتق، ومال إلى الحرية، ولم يكن له أن يضيق بعصر أو يتوقف عند زمن، وهو فى سماحه بالرق أباح للمالك أن يتمتع بالجارية الأنثى، وأن يتسرى بها (أى يعاشرها) وراعى أن ينسب الأبناء لآبائهم فى الفراش.
وكان للجوارى مصدران، أولهما الشراء، وثانيهما غنائم الفتح، وقد اتسع المصدر الثانى فى صدر الدولة الإسلامية، وتعددت موارده، فظهرت الجوارى المولدات، الحور، الروميات والفارسيات والحبشيات، وكثر (العرض) بلغة حياتنا المعاصرة، وتجاوز (الطلب) كثيراً، حتى أصبح معتاداً فى كتب التاريخ الإسلامى أن نقرأ أن فلاناً أهدى لغلامه جارية أو جاريتين، وحتى ذكر المؤرخون أن الإمام (علي) وهو أحد أكثر الخلفاء زهداً قد (مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية رضى الله عنه) (البداية والنهاية لابن كثير م٤ ج٧ص٢٤٤. تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ١٧٦).
وقد زاد هذا الرقم حتى أصبح بالعشرات فى عهد أوائل خلفاء بنى أمية، ثم بالمئات فى عهد يزيج بن عبدالملك، ثم بالآلاف فى عهد الخلفاء العباسيين، حتى وصل الرقم إلى أربعة آلاف سرية كما ذكرنا فى حديث المتوكل، الذى (وطئ الجميع) خلال خلافته التى دامت نحو ربع قرن، وهو رقم قياسى فيما نعتقد، ويستطيع القارئ أن يجد مزيداً من الحديث عن هذا الباب فى (الأغاني) للأصفهانى، وفى (أخبار النساء) لابن قيم الجوزية، و(طوق الحمامة) لابن حزم، و(الإمتاع والمؤانسة) لأبى حيان التوحيدى، وفى أقوال كثير من الخلفاء التى نذكر منها قول عبدالملك بن مروان (من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية) (تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٢٢١).
ولعل هذا القول كافٍ لإفحام من يتصورون أن منهج (التخصص) منهج غربى معاصر، ولعلنا به أيضاً ننهى حديث الباب الأول من البابين اللذين أشرنا إليهما، وهو الباب الذى وصفناه بأنه متفق عليه بلا خوف، ومباح بلا شبهة، وإن كنا نلمح ظاهرة إيجابية تتمثل فى عتق الخلفاء لأمهات الأولاد، وهى خطوة فى طريق طويل انتهى بإنهاء الرق واستنكاره دون حرج دينى، ودون خروج على روح الدين وجوهره كما ذكرنا.
أما الباب الثانى المختلف عليه، فهو ما عرف بزواج المتعة، ذلك الذى أباحه الرسول فى غزوتين، ثم حرمه فى حجة الوداع، وكانت إباحته لما يمكن أن يطلق عليه اسم (الضرورة القصوى) فى ظروف الغزو، وكان تحريمه لكونه إذا أبيح بإطلاق كان أقرب للزنا منه للزواج.
وهنا نتوقف قليلاً حتى لا يحدث للقارئ لبس، فإباحته للضرورة فى واقعتين (فى زمن خيبر وفى عام الفتح) أمر لم يختلف عليه أحد، وتحريمه فى حجة الوداع أيضاً لا خلاف عليه، ووصفه باقترابه من الزنا أكثر من كونه زواجاً رأى ابن عمر حين (قال فيما أخرجه عنه ابن ماجة بإسناد صحيح: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم» أذن لنا فى المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة» (فقه السنة الشيخ سيد سابق).
وفى قول على: لولا تحريم المتعة ما زنى إلا شقى، وفيما نقله البيهقى عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هى الزنا بعينه (فقه السنة ص٤٣).
أما الحل للضرورة فهو منهج شرعى مقبول شريطة أن يكون تقدير الضرورة صحيحاً، وليس أكثر من الرسول قدرة على التقدير أو صواباً فى الحكم، فهو الذى لا ينطق عن الهوى.
وزواج المتعة باختصار شديد هو أن يعقد الرجل على المرأة لزمن محدد يتمتع فيه بها (يوماً أو أسبوعاً أو شهراً..) وذاك لقاء مبلغ معين من المال، وبمجرد انتهاء الأجل ينتهى العقد تلقائياً، وفقهاء السنة جميعاً يجمعون على تحريمه تحريماً قاطعاً، مستندين إلى حديث الرسول فى حجة الوداع:
(يا أيها الناس إنى كنت أذنت لكم فى الاستمتاع، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة) (فقه السنة ص٤٢).
ويجمع أغلب فقهاء السنة (رغم وصفهم لهذا الزواج بالزنا) على استبعاد عقوبة الرجم لوجود شبهة ناتجة (عما روى عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال، واشتهر ذلك من ابن عباس رضى الله عنه) غير أن الأمر قد اختلف بالنسبة لأغلب فقهاء الشيعة حين أباحوه، وفسروا نصاً قرآنياً بما يفيد الإباحة، ونفوا أن تكون السنة ناسخة للقرآن، ورد عليهم فقهاء السنة برأى آخر فى تفسير النص، وبمناقشات مستفيضة عن جواز نسخ السنة لأحكام القرآن، مستدلين بحكم الرسول بالرجم فى الزنا، بينما النص القرآنى لا يتجاوز الجلد ولم يرد حكم الرجم فى القرآن على الإطلاق، وهى قضية خلافية أخرى لا نريد أن نشغل القارئ بها، وإن كنا نناشده أن يحلق معنا فى سماء التخيل لهذا المجتمع، ونقصد به المجتمع الإسلامى فى صدر الدعوة ولعدة مئات تالية من السنوات، حيث تعدد الزوجات هو القاعدة، والطلاق يسير والزواج الجديد أيسر، والبعض يقنع بالزوجات الأربع ولا يطلق منهن إلا نادراً وللضرورة، والبعض الآخر يطلق أربعاً ليتزوج أربعاً دون أن يكون ذلك مدعاة لنقد، أو سبباً لانتقاد، والجميع يتسرى ومنهم الزاهد القانع بتسعة عشر، وزهد (علي) وورعه ونزوعه عن الدنيا واستعلاؤه عن مغرياتها لا يحتاج إلى سند ولا يعوزه دليل.
ومنهم من يصل بالرقم إلى خانات العشرات والمئات والآلاف، وقطاع كبير من المسلمين هم الشيعة يضيفون إلى ذلك حل زواج المتعة، ذلك الذى يبيح للمسلم إن أعجبته امرأة أن يتزوجها يوماً أو شهراً أو بعض شهر، وينفحها مقابل ذلك مبلغاً من المال ثم يفارقها دون إحساس بذنب أو تأنيب لضمير، هذا كله فى إطار الحلال إن جاوزنا زواج المتعة لدى السنة، أو أوردناه لدى الشيعة.