الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد العسيري يكتب: عرفتهم "27".. محسن جابر.. صانع النجوم والذكريات

 محسن جابر .. الشريعي
محسن جابر .. الشريعي و عمرو دياب ولطيفة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طول عمرى مش بحب ألبس بدل.. وتخنقنى «الكرافتات»، لكننى مضطر أفعل ذلك فى المواعيد والمناسبات الرسمية.. ولو كان الأمر بيدى لأحرقت من صنع هذه «الخنّاقة» بجاز وسخ.. المهم المضطر يركب الصعب ويلبس بدلة وكرافتة.
ولأننى اعتدت أن أكون حرًا وبسيطًا.. وأى هدوم تقابلنى فى سكنى ألبسها.. كان من الطبيعى أن أكون كذلك فى ذلك المساء من أحد أيام شهر يوليو عام ٢٠٠٥.
كان الخال تجلى كثيرًا عن علاقته بعبدالحليم حافظ، وفى كل مرة يضيف شيئًا جديدًا عن قصة بداية هذه العلاقة، وفى كل مرة يكشف الأبنودى كيف أن العندليب تواطأ مع بليغ حمدى ضده حتى يستطيع خطفه من مطربه المفضل محمد رشدي، وفى كل مرة يحكى فيها القصة، وتتغير فيها الحكاية يظل رجل ضخم اسمه مصطفى العريف حاضرًا وموجودًا بقوة.
يقول الأبنودى إنه وبعد نجاح «تحت الشجر»، كان يسجل مجموعة جديدة من الأغنيات فى الاستديو مع بليغ حمدي، ودخل مجموعة من الرجال الأشداء، اقتادوه تحت سمع وبصر بليغ حمدى الذى كان يضحك بشدة، حتى ظن أنه «فرحان فى أنه هيخش المعتقل»، وظن الأبنودى أنهم مباحث، بسبب تجهم «العريف» وعدم كشفه له عن وجهته، ولا «رايحين بيه فين ولا عمل إيه».
ولما استقروا به فى شقة عبدالحليم، وخرج العندليب ليجد نفسه أمام الأبنودي، انفجر الأخير الذى راح يجرى وراء العريف يريد الانتقام منه.
طيب مين مصطفى العريف ده، ولو عرفت أنه بيدور عليك، وكل اللى يقابلك يقولك «مصطفى العريف قالب الدنيا عليك»، أنا حصل معايا ده.
كنت قد دخلت فى خناقة صحفية مع عمرو دياب، ووصل الأمر إلى صدور حكم بحبسى ستة أشهر، وفى الدرجة التالية من التقاضى تنازل عمرو عن القضية قبل أن يذهب إلى «خبير الأصوات»! وظننت أن العريف هذا رجل من رجال عمرو، خاصة أن كل الذين سألونى عن علاقتى بالرجل وسر بحثى عنه، لهم علاقة ما بالشركة التى تنتج أعمال «الهضبة»، المهم، خدت توبى فى سنانى وقلت أروح له أنا، ووقوع البلا أحسن من انتظاره.
وحينما قابلته ضحك، وعرفت أن هذا الرجل الضخم لا ضخم ولا حاجة، وأن الجريمة الوحيدة اللى عملها فى حياته هى خطف الأبنودى لصالح عبدالحليم وبترتيب مع بليغ حمدي، وأنه قريب لكمال الطويل، ويعمل فى شركة محسن جابر وأنه لا يعرفنى من الأصل وإن كان سمع إنى صعيدى وراسى ناشفة، وأن من يريدنى هو محسن، وماجاش فى باله إنى «حاجة نحيلة ورفيعة كده»!!
فى ذلك اليوم من سنة ٩٧، عرفت محسن جابر، رجل مبتسم، ذكي، يملك صندوقًا للذكريات لا حدود له، كان الرجل وقتها هو منتج عمرو دياب، واختلفا، لكنه كان يملك خطوط إنتاج لعشرات غيره من المصريين والعرب.. وردة، هشام عباس، مياده الحناوي، لطيفة، سميرة سعيد، فى الوقت نفسه هو يعمل فى «الإعلام».. كان يصدر مجلة مزيكا بالتعاون مع عمرو الليثي، وحصل على ترخيص أول قناة مصرية متخصصة فى «الموسيقي»، وحصل على ترخيص إصدار صحيفة يومية باسم «العربية»، وظننت أن الرجل يريدنى فى أى أمر يخص الجريدة أو المجلة.. لكنه فاجأنى:
«أتابع ما تكتبه منذ فترة، وكلما سألت عنك، عرفت أنك رجل دوغري، ولما هاجمت أكثر من ألبوم لنا.. كنت فاكر أنك مزقوق علينا من حد، فلما تأكدت أنك رجل يكتب ما يريد، وأن ما تكتبه حقيقى فى غالب الأحيان، قررت أن إحنا نبقى صحاب!! فقلت له بهدوء: «ومالقيتش غير مصطفى العريف تكلفه يدور علينا»!
اقتربت كثيرا من الرجل رقم واحد فى صناعة الكاسيت فى البلاد، وكنت فى كل مرة أشاهده فيها يحكى له قصته مع أحد عمالقة الموسيقي، بدون قصد كان يحدث ذلك، ولأننى أدركت ما يجلس عليه من كنوز أسرار، كنت أسأله كثيرًا، وكان يحكى بمودة بمجرد أن يتأكد أننى لا أفعل ذلك من أجل النشر.
كان رحيل عمرو دياب عن شركة جابر حدثا إعلاميا كبيرا وضخما، المفروض أنه يزعل، وأنه يطلع القطط الفطسانة فى مطربه الذى تركه وذهب للشركة الخليجية إياها، لكنه لم يفعل «عمرو أخويا الصغير، الشغل رزق، هو عايز يشتغل فى حتة تانية مافيش مشاكل، طالما ماضرنيش فى حاجة أنا أتمنى له الخير».
بهذه الأريحية يتحدث دومًا عن منافسيه، لم يعد له منافس الآن فى السوق، أو عن مطربين وقف بجوارهم وتركوه للحصول على أموال أكثر من شركة، قرر احتكار السوق كله، بالمناسبة استطاع هو فى وقت ما أن يشترى من تلك الشركة نصيب عدد من الشركاء الكبار، واستحوذ كل إنتاج صوت الفن التى كان يملكها عبدالحليم وعبدالوهاب.
سألته مرة، كيف كنت تستطيع السيطرة على بليغ حمدي؟!
فضحك «ومين قالك إنه كان فيه حد يقدر يسيطر عليه؟! أبدا أنا كنت فى كل مرة أعمل حسابي، أبقى حاجز الاستديو فى اليونان، وبليغ هيجى من باريس، وميادة من سوريا، كنت أخلى محمد سلطان جاهز أو عمار الشريعي، بألحان كل منهما، يعنى أحجز الاستديو للتلاتة، بليغ جه فى ميعاده وسجل والشغل عاجبه وخلاص تمام، نكمل مع عمار وسلطان، ماجاش وضرب الميعاد، أخش أسجل شغل الاتنين التانيين، وكده».
ذكاء محسن جابر فى التعامل مع الناس هو سر نجاح «مزيكا وعالم الفن»، رجل بسيط لكنه ذكي، جاء مجرد شاب من طنطا، يحب التجارة، جاب القصة من أولها، يعرف سر مهنته من أول «الكرتونة اللى بيعبوا فيها الشرايط، لحد كل كلمة تايهة فى قانون الملكية الفكرية».
اشتكى عدد من رجال الأعمال الكبار منهم أحمد بهجت فى بداية ظهور القنوات الخاصة، وأعلن بعضهم فى الكواليس أنهم اشتروا هذه القنوات عافية، إرضاء لصفوت الشريف، ولما رحل وجاء البلتاجى لم يستطع مقاومتهم فتخلصوا منه، يومها سألت محسن جابر، لكنه كالعادة لا يكشف لك من الأسرار إلا ما يريد، وبعيدًا عن أسرار تلك المرحلة توقفت أمام جملته «هما الكسبانين»، يومها قال لى الرجل «الشاشة هتاكل كل حاجة، والاتصالات هى المستقبل، بكره هتشوف الأغانى على موبايلك، وفى عربيتك» لم يكن هذا قد حدث - لكنه حدث الآن، ولهذا أعتقد أن جابر كان ذكيا عندما اخترق مجال «خدمة الاتصالات»، مثلما كان ذكيا عندما «لف العالم» ليحصل على حقوقه من «الرنج تون»، هو الوحيد فى مصر الذى استطاع أن يحصل على بعض حقوق مبدعيه من النشر الإلكترونى ولا يزال يجاهد.
سر آخر يجب أن تعرفه عن جابر، هو يعرف «الوقت المناسب جيدًا»، لقد كسب محسن من ألبومات «فاطمة عيد» ولم يكن أحد يتخيل أن مطربة شعبية ممكن تكسر الدنيا وتوقف السوق على رجل «أنت عارف مقر الشركة القديم فى التوفيقية، كانت الطوابير بتاعة متعهدى الشرايط بتوصل لحد ميدان رمسيس، قعدنا يومين مش عارفين نلاحم طلبات المحلات، وصار منير الوسيمى وجمال سلامة لا يتوقفان عن العمل بعد (هشكيك للقاضي.. ولا تجيبلى شيكلاتة) الناس كانت فى حاجة لهذا النوع وقتها».
محسن جابر الذى استطاع السيطرة على فايزة أحمد لسنوات، وظل ينتج لوردة الجزائرية لسنوات، وعمرو دياب لسنوات، نجح بنفس الطريقة فى تقديم «نادية مصطفي»، ونجحت ألبوماتها معه، لكنه فى يوم من الأيام لم تستطيع إقناعها بغناء «سيبولى قلبى وارحلوا».. وأدرك أنها تملك الصوت الذى يؤدى ذلك اللحن العبقرى الذى وصفه عمار الشريعى.. لكنها «مش حباه».. وبنفس الطريقة تعامل هو مع كل ما يفعله «لازم تحب الحاجة اللى بتعملها».
أغلق مجلة مزيكا، لأنه لا يحب الخسارة، وجريدة أخرى طبع منها عددًا تجريبيًا مع عمرو الخياط، وقناة «زوم»، فى الوقت الذى يجرى فيه الكثيرون على شراء القنوات، هو يعرف الوقت المناسب، صناعة الموسيقى تمر بمرحلة «رقمية جديدة من وجهة نظره»، ولذلك اكتفى بقناة مزيكا.
سر آخر يجعل الرجل واحدًا من أهم صناع النجوم والذكريات فى بلادنا، هو «العناد»، محسن عنيد جدًا، وكتوم جدًا، عرف منذ وقت مبكر عندما كان مع فايزة أحمد فى لندن أهمية أن تجرى كشفًا طبيًا كاملًا كل فترة، فذهب وفعلها، واكتشف الرجل فى الوقت المناسب إصابته، وظل يقاومها دون أن يعلم أحد لسنوات، تراه يعمل، ويضحك ويجرى الصفقات، يتعامل مع ملوك ورؤساء وعازفين، ولا أحد يعرف أنه يقاوم «تعبًا ما»، حتى شفاه الله.
حدثته آخر مرة منذ شهور لنجلس ونسجل بعضًا من ذكرياته عن شخص ما، نجم ما، فوعدنى أنه بعد عودته من العمرة، هنقعد، منذ سنوات، والرجل الذى جاء من طنطا يذهب إلى بيت الله الحرام فى نفس الموعد.
لا يؤخر هو موعدًا حدده لنفسه أبدًا، ولا يتوقف أبدًا أمام ذكرياته مع رجال السلطة والمال، والفن، فقط يفكر فى «التراك الجديد» الذى سوف يعيش عليه، هو الآن يجهز ابنه محمد، لا ليغنى أو ليخرج الفيديو كليب ولكن ليكمل قصة، قصة أحد أهم صناع الموسيقى فى مصر، قصة أتمنى أن أكتب كل تفاصيلها، حتى لو تعرضت للخطف على يد رجل ضخم مثل الراحل مصطفى العريف.