الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

البحث عن الشهداء في مسلسلات رمضان

الدكتور محمد الباز،
الدكتور محمد الباز، رئيس تحرير جريدة البوابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من حق كل مؤلف أن يختار الموضوع الذى ينسج منه قصة مسلسله، ومن حق كل مخرج أن ينحاز إلى الرؤية التى يرى أنها تناسبه، ومن حق كل منتج أن يميل إلى ما يرى أنه سيكون مربحا له، لكن ليس من حق هؤلاء أن يصدعونا بأنهم ينقلون الواقع، ويستمدون أحداثهم من مجريات الأمور التى تحيط بنا.. فهذا ليس صحيحا على الإطلاق.
صحيح أنهم لا يخترعون شخصيات من الفراغ، فأبطال المسلسلات يعيشون بيننا، تاجر المخدرات والراقصة، السياسى الفاسد وضابط الشرطة المتسلط، الإعلامى المضلل والمريضة النفسية.. وعدد فى هذه القائمة ما تشاء من شخصيات، ستجدها تتحرك من حولك، وتتفاعل معك.
ليس من حقنا بالطبع فرض شخصيات معينة على صناع الدراما، ليس منطقيا أن نقول لهم: قدموا شخصيات وتجاهلوا أخرى، فلسنا ممن يحجرون على آراء الآخرين أو أفكارهم، لكننا وفى هذه اللحظة التاريخية التى تعيشها مصر من حقنا أن نتوقف قليلا لنتساءل عما نفعله بأنفسنا.
لا أعرف سببا واحدا منطقيا أو مقنعا لتجاهل قصص كل الشهداء الذين قدموا دماءهم برضا فى معركة الإرهاب الكبرى، من أجل أن نعيش، نمارس حياتنا دون توتر أو قلق.. فى مسلسلات رمضان جميعها لم أعثر على قصة شهيد واحد، حتى الآن لم أطالب بمسلسل يكون بطله ومحور أحداثه شهيدا من شهدائنا الأبرار، لكننى أضع علامة استفهام على تجاهل معركة الإرهاب كلها، كأنها ليست موجودة، أو كأنها تحدث فى عالم مواز لنا نشاهده من على بعد، لكننا لا نستحضره فى حياتنا الواقعية.
يمكن أن يحتج أحد صناع الدراما (كاتب أو مخرج أو منتج) ويقول إن قصص الشهداء لا دراما فيها، تفاصيلهم لن تكون قادرة على صنع عمل مشوق، يربط الناس به ثلاثين يوما، ونحن لن نضحى بمجهودنا وأموالنا من أجل أعمال فاشلة، فالناس لا تتابع مثل هذه الأعمال التى يشعرون من اللحظة الأولى أنها موجهة.
لا أتحدث بالطبع عن أعمال موجهة سطحية، تروى قصص الشهداء بشكل جاف، ولكن أتحدث عن دمج قصصهم - وفيها فعليا عناصر درامية غير عادية - فى الأعمال التليفزيونية.
ثم لنكن صرحاء مع أنفسنا.
هل يحتاج المجتمع الآن أن يكون بطله تاجر سلاح وبلطجيا وتاجر مخدرات؟ أم هو فى حاجة حقيقية ليكون بطله على الشاشة هو بطله الحقيقى، هذا البطل الذى يحمى وطنا وأرضا، يقدم دمه وروحه وحياته ولا يطمع إلا أن نقرأ له الفاتحة؟
المقارنة مخجلة وتدخل فى مساحة العيب، لكن للأسف الشديد نجد أنفسنا مضطرين لها، لأننا أمام حالة من تغييب الوعى العام.
لا أنكر أن كثيرا مما نشاهده فى الدراما الرمضانية يعكس واقعا نعيشه ونعانى منه، لكن مصر ليست ما نراه فقط، ليست العصابات والكباريهات ورجال الأعمال الفاسدين والسياسيين الفاشلين وشبكات الدعارة ومافيا تهريب البشر، مصر بها بطولات نادرة وشباب زى الفل ضحوا بحياتهم، وأعتقد أنهم لم يفعلوا ذلك لنشاهد هذه المسلسلات التافهة فى غالبها.
هذه ليست دعوة ليحشر صناع الدراما قصص شهدائنا فى أعمالهم، لكنها تنوه بتقصير يجب أن نعترف به جميعا.
اصنعوا من قصص شهدائنا ملاحم تتغنى بها الأجيال القادمة، لأنهم يستحقون ذلك، اجعلوا منهم رموزا، لأنهم هم من رفعوا سقف أحلامنا، وليس الننى ومحمد صلاح فقط، لا تقصروا فى حق من حفظوا علينا حياتنا بدمائهم، فهم لا يستحقون منا ذلك.