الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رفاعي طه.. كيف انتهى الرجل الحديدي المفخخ؟

الوجه الآخر لآلهة العنف "٢٧"

رفاعي طه
رفاعي طه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشخص الوحيد الذي كان عليه شبه إجماع أنه خطر، ووراء كل أحداث العنف في التسعينيات، ولم يقبل أي مبادرة لوقف العنف، هو رفاعى طه. كانوا يضربون حول هذا الرجل الأساطير، أقل ما كانوا يصفونه به أنه (الرجل القوى)، (الحديدى).. كلهم كانوا يخشونه، وكان هو ساعتها الأول في التنظيم.. جمع في مرة مجلس شورى الجماعة، كل واحد من الجالسين أمامه قدم له تقريرًا.. كان ساعتها أقل ما وصف به أحدهم (أنت حمار).. كان صلفًا خشنًا وجامدًا.
الجميع كان يتمنى أن يرى هذا الرجل الذي يدير التنظيم، لكنه لم يقابل أي أحد، ولم يشاهد في المجالس العامة، سوى مرة واحدة، حين تزوج شقيقة الدكتور حسن طه (قتل في أحداث التسعينيات)، وساعتها ظهر في لحظة عقد القران، ثم أخذ عروسه في سيارة نقل!!، واختفى حتى لا يعرفه أحد، ولا يصل الأمن إليه.
المرة الثانية التي ظهر فيها، هي في فيديو مطول كان بعنوان (خالد الإسلامبولى قاتل الفرعون).. ظهر يومها وخلفه جبال الهندكوش بأفغانستان، وأخذ يهدد ويتوعد نظام مبارك بمزيد من العمليات المسلحة.
رفاعى أحمد طه، من مواليد ١٩٥٣م، انتظم بكلية التجارة في جامعة أسيوط حيث عاصر بزوغ الجماعة الإسلامية في جامعات الوجه القبلى الممتدة من بنى سويف وحتى أسيوط وقنا، وكان أحد مؤسسيها، وكانت له واقعة عرف بها، وهى هدمه لسور جامعة أسيوط بالقوة، حتى يستطيع طلاب الجماعة أن ينتقلوا بين الكليات بسلاسة وسهولة، فوقعت أحداث كبيرة مع الأمن كان هو بطلها.
شارك مع من شاركوا في أحداث أسيوط وقتل السادات، وساعتها حكم عليه بـ٧ أعوام سجنًا، لكنه في الحقيقة قضى منها ٥ أعوام فقط، فقد فر من السجن أثناء ترحيله لأداء الامتحان، وألقى بنفسه من نافذة القطار الذي رحلوه به، فوقع على القضبان، وأصبحت في يده اليمنى عاهة مستديمة، لكنه نجح في الفرار، ولم يقض باقي حكمه، وظل في مصر سنوات بعدها، حتى فر لأفغانستان، وقاد التنظيم طوال فترة التسعينيات من هناك، وكان المخطط الأول لكل العمليات المسلحة، وكان منها حادث أديس بابا، كذلك حادث الأقصر، الذي خطط له متعمدا لإفشال مبادرة وقف العنف، التي أطلقت لأول مرة في عام ٩٧، وبالفعل أفشلها.
كان ناجح إبراهيم حينما سئل: لماذا لم تتخلص منهم الدولة؟ فقال: طالما أن رفاعى طه خارج السجون فنحن بخير.
شكل رفاعى طه جناحًا عسكريًا كبيرًا، وأقام معسكر الخلافة داخل أفغانستان، وهو المعسكر الذي كان مدربه الأول هو أبوصهيب عدلى يوسف من مدينة سمالوط بالمنيا، وكان أمراء الجماعة في الداخل هم من يرشحون له العناصر التي ستكون أعضاء فيه، ثم يتم تسفيرهم إليه، وهناك يتلقون تدريبات ودورات مكثفة، حتى يكونوا جاهزين للعمل المسلح.
قرر رفاعى أن تبدأ الجماعة الإسلامية خطواتها المسلحة الحقيقية، عقب اغتيال متحدثها الإعلامي علاء محيى الدين، بمنطقة الطالبية بالهرم، وقال كلمته المشهورة «الرصاص بالرصاص حياة».
اغتالت الجماعة رفعت المحجوب، ثم فرج فودة، وحاولت اغتيال رفعت المحجوب، وقررت الهجوم على السياحة، وضرب البنوك والاستثمار، وغارت جماعة الجهاد فكلفت نزيه نصحى راشد، أن ينزل مصر، ويقوم بعمليات مسلحة تسحب البساط من الجماعة، فنزل، وحاولت الجهاد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى، وقامت بعدد من العمليات الخطيرة.
تماسك الأمن وأجهزة الدولة، وكانت أيامًا تشبه إلى حد ما، ما يجرى في سيناء، وتوصلت لعدد كبير من قادة المجموعات والأجنحة العسكرية، فقرر رفاعى أن يكلف أحمد حسن (الأستاذ) خبير المتفجرات، أن ينزل مصر، ونزل هذا الشاب، وأقام معسكرا بأسوان، وعددا كبيرا من مخازن المتفجرات، لكن تم الوصول إليه وقتله.
قرر رفاعى أن يغتال مبارك، فقام بالتخطيط لـ١٤ محاولة اغتيال له، كان أخطرها في الداخل، عملية مطار سيدى برانى، وكانوا ساعتها قد اقتربوا بالفعل من اغتياله، ولما فشلت العملية قرر نقل عملياته للخارج، فخطط لاغتيال مبارك في أديس بابا، وفشلت أيضا العملية ونجا مبارك بأعجوبة.
اختار قيادات الداخل تغيير الإستراتيجية، واختاروا إستراتيجية الهدوء، وأطلقوا مبادرة وقف العنف من جانب واحد في عام ٩٧، لكن رفاعى قرر إفشالها، فقام بإصدار أوامره بمذبحة الأقصر التي قتل فيها عدد كبير من السياح.
أصرت الجماعة بالداخل على السير قدمًا في مبادرة وقف العنف، وفى عام ٢٠٠١ بدءوا تفعيل ما يسمى بندوات تصحيح المفاهيم، فقرر رفاعى أيضًا إفشالها، وأعلن انضمامه لما يسمى جبهة محاربة اليهود والنصارى بقيادة بن لادن، والذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم القاعدة، وهو في طريقه لحشد عدد ضد المبادرة ألقى القبض عليه في سوريا، وتم تسليمه لمصر في مفاجأة قوية.
الغريب أن المبادرة التي كان يريد إفشالها دائمًا، هي التي أنقذت رقبته من حبل الإعدام، حيث خفف حكما إعدام عليه لبراءة، ولم تنفذ فيه الشرطة الظالمة، وفق قوله، الحكمين، بل وضعوه في أحد فنادق الضباط، لمدة تزيد على ٦ أشهر، حتى جهزوا له مكانا في أحد السجون القريبة من منزله، وسمحوا بزيارة أهله له في أي وقت.
لما خرج رفاعى من السجن نسى أن الشرطة سمحت لبعض المعتقلين، وهو منهم، بزيارة أهلهم داخل المنازل، ووصلت السجون من الفسحة والراحة، إلى أن تحولت إلى مكان يُعقد فيه القران، وتقام فيه أفراح المعتقلين، وحصلوا فيه على ماجستير ودكتوراه، رغم أنه أمر المعتقلين أن يمتنعوا عن كتابة إقرارات التوبة من العنف، وأصر على مواجهة الدولة بالسلاح فتسبب في قتل ما يزيد على ٤٠٠ من الجماعة، والمئات من الداخلية، في حرب غير متكافئة، وذلك غير العشرات الذين أعدموا، والذين قُتلوا من السياح، والأهالي، الذين اتُّهم بعضهم، بأنهم عملاء للدولة، فاغتيلوا بدم بارد.
لا يزال بعض الشباب إلى الآن معتقلين في السجون بسبب أوامر رفاعى، ومنهم المتهمون في أديس أبابا، وأذكر أننى في شهر سبتمبر عام ٢٠١٣، ذهبت لتغطية مؤتمر كان سيعقده في أحد مساجد قنا، وكنت مهمومًا بالتحولات التي ستصيب الحركة بالكامل بعد الإفراج عن هؤلاء القيادات، وساعتها قال بالنص، إن بعض ضباط الشرطة كانوا يساعدوننا، وما زالوا يعملون في الأجهزة الأمنية، وقاطعه شاب، وأصر أن يتكلم، وأمسك بالميكروفون، وقال له: «إنك تسببت في أن أخى لا يزال مسجونا في أديس أبابا منذ ١٩ عاما، لأنك كلفته هناك بالاشتراك في محاولة قتل مبارك، وها أنت خرجت وهو مسجون، وأمه لا تعرف حتى الآن أنه مسجون في إثيوبيا، نحن لا نسامحك حتى تخرج أخى كما سجنته»، فرد عليه قائلا: «إن أخاك هو من جاءنى طالبا منى أن يستشهد في سبيل الله».
قبل هذا اللقاء ذهبت إليه في منزله بنجع حمادى.. التقيت بالرجل الحديدى، فوجدته من أسرة فقيرة جدا، وهو ضعيف الحيلة، قليل الثقافة، وليس بالعلم الواسع الذي كانوا يصفونه به، سألته عن مبادرة وقف العنف، قال إنه لا يزال مصرًا على رفضها، ويعتبر كرم زهدى وناجح إبراهيم قد أجرما في حق الجماعة الإسلامية، ولما سأله ناجح عن تلك التصريحات، ادعى كذبًا أنه لم يقلها مطلقًا، وأنه كلف صديقه منتصر الزيات برفع قضية، ولما سألنى الراحل عصام دربالة زعيم الجماعة في مكتبه بالمنيا، عن تلك التصريحات أعطيته التسجيلات لأدلل على صدقى، ومن ثم على كذبه!!.
سألته عن تحالفه مع بن لادن، فقال: أنا لم أتحالف معهم، لكنهم عرضوا عليّ حلفًا لنصرة المسلمين، ووافقت بشكل عام على ذلك، ولم أوافق على إعلان الحرب على كل العالم كما فعل بن لادن.
الغريب أن رفاعى طوال حديثه معى كان يصر على أنه هو السبب في ثورة ٢٥ يناير، وأنهم هم من خططوا للثورة، وكانت أعمالهم في التسعينيات هي ثورة لكنها مسلحة.
عقب عزل مرسي، فر رفاعى إلى تركيا، ومنها كان يتنقل بسهولة إلى سوريا، كانوا يشيرون إلى أنه من يشرف على أحرار الشام، لكن هذا غير مؤكد، الحقيقى فعلًا أن له دورًا كبيرًا مع جماعة أحرار الشام، ولما قتل مع ٤ من رفقائه، كانوا في طريقهم لاجتماع تنظيمى بين جبهة النصرة، وأحرار الشام، وأحرج بموته الجماعة الإسلامية إحراجًا بالغًا، وهى التي كانت تحاول طيلة الأيام الماضية، تقديم ما يثبت أنها نحت منحى جديدا في علاقتها بالإخوان، وأنها جزء من الحل وليست جزءًا من المشكلة، وأنها ما زالت تفضل السلمية وتعمل بها وستستمر على ذات النهج.
نعته الجماعة على صفحاتها واعتبرت أعماله بطولة، واشتراكه في قتل السادات جهادا، وهروبه من السجن شجاعة، وإنشاءه لمعسكرات أفغانستان تخطيطا إستراتيجيا، ورفضه لمبادرة وقف العنف موقفا سياسيا، واشتراكه مع بن لادن والظواهرى في جبهة محاربة اليهود والنصارى رجولة، وذهابه لسوريا ومقتله فيها شهادة.
مات رفاعى وترك لنا أسئلة حول ما هية الدور الذي كان يلعبه رفاعى في سوريا؟ ولماذا هو كان ذاهبًا لعمل صلح بين جبهة النصرة، وأحرار الشام، وعمل وحدة بين التنظيمين الفترة المقبلة؟ ومن أعطى لرفاعى هذا الحجم الكبير الذي يؤهله لعمل اتحاد بين تنظيمين كبيرين في سوريا؟ هل تم تكليف رفاعى من قبل أيمن الظواهرى، الذي كان عضوًا معه في جبهة محاربة اليهود والنصارى؟ أم تم تكليفه من قبل تركيا التي كان حاصلًا على لجوء سياسي بها بلعب هذا الدور؟ هل بالفعل رفاعى طه هو الزعيم الفعلى لأحرار الشام كما يدعى البعض؟.
الأسئلة الأخرى التي يجب أن تسأل: كيف هرب رفاعى طه من مصر؟ ولماذا تسمح تركيا ببقائهم فترة على أرضها، ثم تسمح لهم بالذهاب لسوريا؟ أليس ما تفعله تركيا دعمًا للإرهاب؟ وهل هؤلاء كلهم يلعبون دورًا لصالح إسطنبول؟ وما علاقة الإخوان برفاعى، وما يحدث في سوريا؟ وهل جبهة الأنصار التي شكلها عاصم عبدالماجد أيام حكم مرسي، للجهاد في سوريا، كان يقودها رفاعى؟ وهل هي نواة لجناح عسكري جديد للجماعة الإسلامية، خاصة أن بها أعضاء قدامى، منهم إسلام الغمرى، وأحمد عشّاوى وغيرهما؟.