الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد كمال .. المرشد الخفي لـ"إرهاب الإخوان"

الوجه الآخر لآلهة العنف "٢٥"

محمد كمال المرشد
محمد كمال المرشد الخفي لـ«إرهاب الإخوان»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من المؤكد أننا بحثنا عن الشخص الذي كان يدير الإخوان خلال الـ3 أعوام الأخيرة.. كلنا كان يريد أن يعرف من هو المسئول عن كل هذه المظاهرات، والعنف، والدم، والمجموعات النوعية، وحتى عن الفعاليات والبيانات الدعائية للجماعة. أنا بحثت مثلكم كثيرًا، وكان عقلى في النهاية يصل بى إلى القيادى في الجماعة، عضو مكتب الإرشاد، محمد كمال، ولعل ذلك كان لأسباب غاية في الغرابة، وهى أن الرجل من أسيوط، وأنه في طفولته بدأ كعضو في الجماعة الإسلامية، ثم سرعان ما انفصل عنها إلى الإخوان، وهذه الأمور الغريبة البسيطة، تؤثر بشكل فعّال على الشخصية لوقت ليس بالقصير.
قبل أن أكتب عن محمد كمال، طرحت سؤالًا على أعضاء سابقين في الجماعة، وزملاء آخرين مهتمين بظاهرة الإسلام السياسي (كيف فوجئنا بعضو داخل مكتب الإرشاد، بهذا الشكل، وهذا الفكر، وهذا العنف؟!).
الزميل «أحمد بان» عزا ذلك إلى الفكر القطبى، وأن كمال كان أحد أقطابه في مصر، وأما الزميل طارق أبوالسعد فرأى أن عسكرة الإخوان كانت تتم في العشر سنوات الأخيرة بشكل منظم، وكمال أحد وجوهها.
لاحظوا أن أسرته المتزمتة سمّته (محمد محمد محمد) كمال الدين، ومن البدايات يمكننا بسهولة أن نعرف النهايات.
هو من مواليد محافظة أسيوط وشهرته (محمد كمال الدين)، بدأ حياته طالبًا في كلية الطب جامعة أسيوط، وعاصر في السبعينيات عودة جماعة الإخوان، ونشأة الجماعة الدينية، ثم تحولها لأن تكون الجماعة الإسلامية، وفى هذه الفترة كان متفوقًا دراسيًا وتم تعيينه معيدًا بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب بجامعة أسيوط عام ١٩٨٤، ثم مدرسًا عام ١٩٩٢، وترقى لدرجة أستاذ مساعد بقسم الأذن والأنف والحنجرة عام ١٩٩٧، وتم منحه درجة الأستاذية بنفس القسم والتخصص عام ٢٠٠٢، ليتولى رئاسة القسم في أول سبتمبر من عام ٢٠١١.
لكى تفهموا كيف صعد محمد كمال في جماعة الإخوان عليكم أن تربطوا بين عمله كأستاذ بقسم الأذن والأنف والحنجرة بكلية الطب جامعة أسيوط، وذلك الزحف الإخوانى فترة مبارك على أروقة الجامعات المصرية، واهتمام الإخوان بإدخال أي أستاذ داخل الجامعة داخل الجماعة، وتنصيبهم زعماء، ومسئولين.. كانت الجماعة تحرص على ذلك بشكل ضخم، وتقدم أي حاصل على الدكتوراه على أقرانه، حتى لو كانوا أسبق منه التزامًا بالجماعة، أو أعلم منه بأفكارها.
الأمر الأهم الذي ساهم في صناعة ظاهرة محمد كمال، هو أنه كان قطبى الهوى والقلب والفؤاد، وكانت فترتا الثمانينيات والتسعينيات تطبيقًا عمليًا لسيطرة تنظيم العشرات (الذين حصلوا على ١٠ أعوام في عهد ناصر)، وتوغل السلفية داخل جماعة الإخوان وسيطرتها على لجنة التربية، لذا فإن محمود عزت الوالد الحقيقى للقطبيين والرجل القوى في التنظيم، هو من رشح كمال لأن يكون صاحب دور قيادى.
يقول كمال عن نفسه في أحد الحوارات الصحفية: انضممت وعمرى ١٥ عامًا إلى جماعة الإخوان، بعد اقتناعى بأفكارها.
في أواخر عهد مبارك، كان د. محمد حبيب (من أسيوط) يشغل منصب نائب رئيس مكتب الإرشاد، ومحمود حسين (من أسيوط) رئيس المكتب الإدارى لأسيوط، والمشرف على شمال الصعيد، في صراع مرير، وقرر باقى القطبيين ضرب حبيب والقضاء عليه بتلميذهم محمد كمال، وكان حسين قد أصبح أمينًا عامًا للجماعة، فتم تنصيب كمال رئيسًا للمكتب الإدارى لأسيوط، إلا أنه بعد فترة وجيزة اختلف هو وأستاذه محمود حسين، وسامه الأخير سوء العذاب، ولعل هذا السبب كان من أهم أسباب خلافه مع الفريق الآخر فيما بعد، وما يفسر كيف أن محمد كمال كان أول قرار أخذه بعدما سيطر على الجماعة هو إقالة محمود حسين من منصبه كأمين عام للجماعة، وكان القرار الوحيد الذي تم تنفيذه بالفعل في الثلاث سنوات الأخيرة، حتى ظهر محمود عزت وأعاد محمود حسين للواجهة مرة أخرى.
استغل محمد كمال منصبه في أسيوط في تجنيد العشرات من أعضاء الجماعة كموالين له، وحينما تمت ترقيته فيما بعد كعضو بمكتب الإرشاد، ومشرف على شمال الصعيد، عمل على نفس الأمر جيدًا، فهادن البعض وقرب آخرين منه، وعرض على بعضهم العمل في الشركات المملوكة للإخوان.
وقع ما وقع في ٢٥ يناير، وأدار المجلس العسكري أمور الدولة، حتى أجريت انتخابات الرئاسة، وصوت كمال على دخول الجماعة السباق الرئاسى، ووصل مرسي للحكم فعلًا، وجرى ما جرى، وفى هذه الآونة تم القبض على محمد كمال، ومحمود حسين معًا، كان ذلك في ١ سبتمبر ٢٠١٣ على يد قوات الأمن بأسيوط، لكن سرعان ما تم الإفراج عنهما، في يوم ندم عليه الأمن كثيرًا فيما بعد.
فر محمود حسين إلى تركيا، وبقى محمد كمال داخل مصر، وبعد القبض على أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، أصبح محمد كمال هو القائد الفعلى لجماعة الإخوان بالداخل.
طرح محمد كمال مبادرة وقام بتنفيذها، وهى اختيار سبعة أفراد ممثلين عن كل قطاع، لهم كامل الصلاحيات، وإرجاع إدارة الجماعة والحرس القديم خطوة للخلف، وبدأ يتجه بالجماعة إلى ما يسمى تشكيل الخلايا النوعية، وأوضحت اللجنة الشرعية فيما بعد خطوات التنظيم في إنهاك الدولة، أو إفشالها، إما للوصول للسلطة مرة أخرى، أو الجلوس على مائدة المفاوضات وجهًا لوجه، وهى مرحلة الإعداد، ثم الوصول للتوازن، ثم المرحلة الأخيرة، وهى الحسم.
كما طرح كتاب (أبجديات العمل المقاوم)، الذي نشرته الصفحات الإخوانية وأحتفظ بنسخة منه، وفيه خطوات وطريقة وتشكيل الخلايا النوعية، التي ليست من الضرورة أن تعمل بشكل مباشر مع التنظيم، إلا أنها تدور في فلكه، وتنفذ أوامره بما يشبه قطعان الذئاب المتفردة المتوحشة، فشهدت مصر في هذه الآونة حركات مثل (ولع) و(مولوتوف) كما شهدت مجموعات أكثر حرفية مثل (العقاب الثورى) ومجموعات أخرى أكثر عنفًا مثل (المقاومة الشعبية) التي كان أول بيان لها قد نشره الموقع الرسمى لجماعة الإخوان.
كان كمال يدعم كل تلك المجموعات، سواء ماليًا عبر رجاله (خلية حلوان تم تمويلها بالكامل من قبل أحد قيادات الإخوان تم القبض عليه واعترف تفصيليًا بذلك)، أو دعائيًا عبر اللجان الإلكترونية للجماعة.
الجماعات الأخرى مثل أنصار بيت المقدس، أو أجناد مصر، كانت تدور في نفس الفلك، إلا أنها منفصلة هيكليًا وتنظيميًا وأيديولوجيًا بالكامل عن الجماعة، رغم أنها تحقق ذات الأهداف.
حين تم القبض على محمود غزلان وعبدالرحمن البر، قال الأول في تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا بالحرف: إن محمد كمال هو عبدالرحمن السندى الجديد (كان رئيس الجناح العسكري للجماعة أيام البنا، وكان متشددًا للغاية، وهو من خطط لقتل النقراشى باشا، واغتال زميله السيد فايز بقنبلة في علبة حلاوة المولد لأنه تولى مكانه).. حاولنا أن نقنعه كثيرًا بالتوقف عن اللجان النوعية إلا أننا لم نقدر عليه.
بدأت الأمور تخرج عن السيطرة، وتدعشنت الإخوان بالفعل، وفى المقابل كانت الدولة تتماسك رويدًا رويدًا، حتى أمسكت العصا من جديد وبدأت تضرب بها على رأس التنظيم، وكلما ضربت ضربة سقطت مجموعة أو أكثر، حتى سيناء التي كانت تراهن عليها الجماعة أنها ستشغل الدولة، وتتوسع التنظيمات منها جغرافيًا إلى الداخل، تموضعت داعش داخلها.
على الفور خرج عزت من القمقم، والمخبأ الذي اختفى فيه، ورأى أن العودة للقيادات التاريخية من جديد هي الأفضل، والحفاظ على التنظيم هو الأولى، وأطلق محمود عزت بيانًا من تركيا يعلن فيه استنكار الجماعة للعنف، وأنه ما يزال الأمين العام للجماعة، وأن عزت هو القائم بالأعمال، وكان هؤلاء يمسكون بعصب الجماعة وهو المال، فيما كمال يمسك بإعلام الجماعة، وأغلب المكاتب الإدارية للتنظيم.
حاول البعض أن يصلح بين الفريقين، وتولى ذلك محمد طه وهدان، إلا أنه تم القبض عليه، ما جعل الأزمة تتفاعل بشكل أكبر.
تم الاتفاق على إجراء انتخابات جديدة، وجرى الاجتماع في أحد البيوت بالتجمع الخامس، وأجريت بالفعل، فأصبح فيها محمد عبدالرحمن المرسي هو أمين عام للجماعة، كان الرجل مقربًا من محمود عزت، فاستمرت الأزمة كما هي.
تم تشكيل لجنة أخرى مكونة من الكبار الذين تم انتخابهم، وممثل عن الشباب، لهم كل الصلاحيات في حل الأزمة، لكنهم فشلوا.
دخل على خط الأزمة التنظيم الدولى، وقيادات بالخارج - مثل يوسف ندا وإبراهيم منير - وأيدوا عزت، وكان الحل صعبًا، لأن الخلاف حول الإستراتيجية، وهى المواجهة بالمجموعات النوعية، محمد كمال، أو مواجهة من خلال فعاليات مثل المظاهرات والتحركات الدولية، محمود عزت.
اتهم محمد كمال، محمود عزت، بأنه مقبوض عليه، وأن الرسائل التي تصدر منه هي من الأمن الوطنى لتفتيت الجماعة وعملها الثورى، وفق قوله.
طالب كمال «عزت» بالظهور، ثم ظهر هو ليعلن الاستقالة، ويطالب شيخه محمود عزت بالاستقالة وترك الأمور للشباب، وفى هذه النقطة تحديدًا، لم يعلن استقالته النهائية، وإنما تقدم بهذه الاستقالة للجنة الإدارية التي يرأسها، وحمل كلامه من بعد ذلك على أنه سيدير الأمر مع لجنته الإدارية إلى حين أن تنتهى الانتخابات، وتتشكل قيادة جديدة للجماعة.
وقد أصر في هذا التسجيل على المضى قدمًا في كل ما مضى فيه من قبل مع لجنته الإدارية، حيث التغيير الذي أجروه على اللائحة، والدعوة لانتخابات قيادة جديدة تقود الجماعة في المرحلة المقبلة.
محمد كمال قاد أكبر انشقاق في تاريخ جماعة الإخوان، فلم يحدث من قبل مثل هذا الانشقاق في البناء التنظيمى للجماعة، وكانت الانشقاقات تقتصر على القيادة العليا، فالمناطق الجغرافية التي تتبعه ليست بالهينة ولا الصغيرة، حتى إننا نرى في المنطقة الجغرافية الواحدة فريقين، فريقًا يتبع عزت، وآخر يتبع كمال.
كما قاد كمال أكبر إستراتيجية للعنف الممنهج ضد الدولة في الثلاثين سنة الأخيرة، لذا فأنا أعتقد أن نهايته إما أن يكون مقتولًا بيد الشرطة حينما تصل إليه، أو مسجونًا إلى ما لا نهاية في القضايا التي تورط فيها، أو مفصولًا من التنظيم، بعد أن حسم عزت الصراع لصالحه مؤخرًا سواء خارج البلاد أو داخلها.