الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الديمقراطية والإسلام "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى إلى مفكر لبنانى آخر هو إبراهيم حيدر الذى يبدأ دراسته قائلا:ً «تكتسى مسألة الشورى فى الفكر العربى الإسلامى طابعًا استثنائيًا يعبر عن النقاش الدائر حول إشكالية العلاقة بين الشورى ومفهوم الديمقراطية، فى ظل واقع يعانى من غياب الديمقراطية وانعدامها فى الوعى، إضافة إلى افتقاد مؤسسات المجتمع المدنى وسيادة النسق الثقافى اللا عقلانى.
وعند الحديث عن الشورى والديمقراطية تظهر نقاط اختلاف وافتراق، حيث يبدو أن مسألة الديمقراطية هى بذاتها موضوع اختلاف فى الفكر الإسلامى كما أن التأويل حول مسألة الشورى هو أيضًا مصدر اختلاف» [صـ٢٠١]، ويرى حيدر أن تعقيد الأمر يأتى من أن النقاش يدور من خلال ما هو سائد منذ البداية وليس على أساس انفتاح فكرى وممارسة ديمقراطية متجددة، حيث تبدو ممارسة التيار الدينى إزاء الأمرين كاختصاص دينى سلطوى يسعى إلى توحيد الوظيفة الدينية مع الوظيفة المعرفية. فيتم استظهار النص المقدس إلى مالا نهاية كمرجع وحيد لا معنى للتاريخ إلا به ولا قدرة للعقل خارجه، فلا يتجدد العقل إلا من خلال النص ووفق مشيئة صاحب الـتأويل» [صـ٢٠٢].
ثم ينعى حيدر حالنا إزاء الديمقراطية، فالاتجاه الغالب للتيارات السياسية الإسلامية إزاء الديمقراطية يرى أنها مصطلح غربى تنشأ فى مجتمع وثقافة تتناقضان مع الإسلام وثقافته. أما الشورى فإن النظر إليها يضعها أمام إشكالية العلاقة مع المجتمع المدنى المعاصر، كما يفاقم علاقتها مع مشكلات الفرد وحريته فى المجتمع العربى المعاصر، وفى مواجهة أنظمة الحكم المختلفة» [صـ٢٠٣].
.. ويثار عند الحديث عن الشورى مسألة حاسمة هى من هم أهل الشورى؟ هل هم أهل الحل والعقد؟ ومن يمثل هؤلاء، وممن يكونون؟ هل هم رؤساء القبائل وأمراء الجند؟ أم هم ممن لهم سلطة العلم والفتوى؟ وهذا يوضح عشوائية الشورى فى تحديد أهلها، وحيث تبقى طاعة ولى الأمر واجبة فى غير معصية.. وهذا أيضًا اجتهاد وتأويل. فالماوردى مثلًا يرى أن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة فى حراسة الدين وسياسة الدنيا، وابن تيمية يقول «إن السلطان هو ظل الله على الأرض»، كما أن مفهوم الشورى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأن الخروج عن طاعة ولى الأمر قد يعنى إثارة الفتنة، وهكذا فإن الرأى المعارض كلما تبدت إمكانية انتشاره تمت مواجهته ومقاومته باعتباره مؤديًا للفتنة، وتفكيك وحدة الأمة، وهكذا فإن مجمل التاريخ الإسلامى يصعب القول بأن فيه ما يمكن القول بأنه ديمقراطى أو مشروع مدنى. وهكذا فإن مبدأ الشورى قد تحول إلى خطاب استبدادى، واختطفت كلمة الحرية من كتابات الفقهاء.
أما محاولات التوفيق بين الشورى والديمقراطية فقد تبدت مثلًا فى كتابة رفاعة الطهطاوى عندما قال: «إن المعرفة الأوروبية التى يظهر لنا أنها أجنبية هى علوم إسلامية»، لكن الحقيقة هى أن الوعى العلمى لا يمكن أن يكون هو نفس الوعى الدينى والعكس بالعكس، كما أنهما لا يمكن أن يكونا متداخلين لأن لكل منهما شروطًا ووظائف مختلفة. ورغم ذلك فإن عديدًا من المفكرين الإصلاحيين تحدثوا عن الشورى وكأنها إصلاح يشبه الديمقراطية، داعين إلى سيادة الأمة على التشريعات القانونية وإلى انتخاب مجلس نيابى إسلامى وجعل ولاية الحاكم بالاختيار. أما الشيخ محمد عبده فقد تجمعت اتجاهات متضاربة فى مشروعه الإصلاحى فى التعليم، وقال فى بعض كتاباته إن الديمقراطية لا يمكن أن تطبق إلا بعد أن ينتشر العلم الصحيح وتتم التربية السليمة، وهو يستخدم فى نفس الوقت مصطلح الشورى للحديث عن الديمقراطية، فالشورى عنده تعنى غياب الاستبداد المطلق. وقال إن الشريعة لم تضع إطارًا معينًا للشورى، والشورى بهذا المعنى تعنى «مناصحة الأمراء»، ولعله رأى أن نهوض الشرق سيأتى على يد مستبد عادل. وهكذا نرى أن التيار التوفيقى يتفق فى مختلف مراحله على ذات المفهوم للشورى، بما منح التيارات السلفية صلاحية العداء للديمقراطية عداءً كاملاً. ويرجع ذلك إلى أن الفقه الإسلامى يؤكد أن الشورى غير ملزمة للحاكم ويختص بها أهل الحل والعقد. وبهذا نجد أن التيار التوفيقى قد نظر إلى الأمر نظرة ملتبسة وغير متجانسة جمعت بين العلم والإيمان، فوحدت منهجين مختلفين لكل منهما وظيفة مختلفة. ويمضى الأمر حتى الآن ليمنح التيار السلفى القدرة على الزعم بأن الديمقراطية تقليد للغرب [النصراني]، وإذا طالبت هذه الحركات بتطبيق الديمقراطية فإنها تستهدف بذلك الوصول إلى السلطة. فالاحتكام للديمقراطية عندها هو مجرد وسيلة للسيطرة على الحكم، [ونلاحظ أن هذا البحث قد نشر عام ١٩٩٥ واتخذت تجربة الجزائر نموذجًا، لكن النموذج الحقيقى قد تجلى بوضوح على الجماعة الإرهابية وحكم مكتب إرشادها بواسطة الرئيس الصورى محمد مرسى، وهو أمر اكتشف الشعب المصرى أنه حكم شمولى، مستبعد لكل من ليس إخوانيًا، وأنه تتعين إزاحته.. وإزاحته].
ويختتم حيدر دراسته، مؤكدًا «أن الديمقراطية تسعى لتحويل الديمقراطية إلى نظام، وذلك ما لا تحققه الشورى، فذلك لا يتم إلا فى مجتمع مدنى قائم على الديمقراطية نفسها. وصياغة مطلب الحرية كقيمة مطلقة يتطلب وعيًا مختلفًا. فالديمقراطية هى غاية فى ذاتها وليست وسيلة.
ونواصل...