الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"البوابة" تحاور الشاعر الفائز بجائزة الدولة للإبداع.. زين العابدين فؤاد: الثقافة مكانها في الشارع

الشاعر زين العابدين
الشاعر زين العابدين فؤاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن قضى معظم حياته مطاردا من الأنظمة السياسية التى حكمت مصر، ومغضوبا عليه أيضا، فاز الشاعر زين العابدين فؤاد بجائزة الدولة فى الإبداع لهذا العام، بعد عمر كامل من النضال لم تهتم به الدولة، وبعد سنوات قضاها بين المنع من النشر وبين السجون، وبعد أن قدم العديد من المواهب والمشاريع المهمة فى حياته وآخرها «الفن ميدان».
«البوابة» التقت عم زين، وتحدثت إليه عن عدد من القضايا الثقافية والفنية، وعن استقباله لخبر فوزه بجائزة الدولة، والتى قال عنها فى بداية حديثه: «رشحت من قبل أتيليه الفنانين والكتاب بالإسكندرية، وهذا يعنى مدى جديتهم، خاصة أنى أعيش بعيدا عن الإسكندرية، ولا أشكل ضغطًا عليهم، وقد فوجئت بالترشيح وسعدت به، ولم أكن أرغب فى التعليق على الجوائز، لأن هذا ليس اهتمامى الرئيسى، واهتمامى الأكبر هو الثقافة السياسية، وعلاقتى بالجوائز غير وطيدة، وعندما كنت أرى أن هناك أسماء تأخذها عن استحقاق كنت أعلق مباركًا، وحينما يحدث العكس لا أعلق، وألتزم الصمت، ولم أكن أتصور أن هناك جوائز يمكن للفرد أن يرشح ذاته لها، كما أن هناك أسماء أستغرب حصولها على جوائز، وأسماء أستغرب من عدم حصولها على جوائز».
وروى زين حكاية الناقد الكبير إبراهيم فتحى، صاحب الإسهامات فى تكوين أجيال كاملة من المبدعين منذ ستينيات القرن الماضى حتى الآن، ورغم ذلك لم يحصل على أى جوائز، والذى صنع أهم الدراسات التى كان محورها أدب نجيب محفوظ، ولكن لا يعنى عدم حصوله على أى جائزة انعدام قيمته، وقال زين إن مثل هذا الأمر يثير لديه علامة استفهام، وتعجب من كيفية عدم حصوله على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب بشكل عام، ولم يكن إبراهيم فتحى وحيدًا، بل هناك مبدعون آخرون فى مجال العلوم الاجتماعية ومنهم حلمى شعراوى، الذى شملت إسهاماته قارة إفريقيا بالكامل، وقال زين: «علمت أن الجامعات ترشح أساتذة فيها، رغم فقر إنتاجهم، فمثلًا جامعة القاهرة ترشح مدير الجامعة أو عميد إحدى الكليات، رغم أن هناك أسماء لأساتذة سابقين يستحقون الجوائز، وهذا يظهر أن آلية الترشيح تحتاج إلي تفكير، خاصة بعد ذكر المثلين اللذين طرحا».
وتحدث زين عن الأدب النسائى الذى يرفض تسميته وتصنيفه بذلك العنوان وقال: «هناك مبدعات وكاتبات وهناك مبدعون وكتاب، انحاز للإبداع بشكل عام دون تصنيف، حينما أقرأ نصًا لإيرين يوسف، وفاطمة قنديل، وأمينة عبدالله، ومى التلمسانى، وسحر الموجى، أو أتأمل لوحة فن تشكيلى لإيفيلين عشم الله، وهبة فكرى، وسوزان التميمى، فإنى لا أتأمله وفق مقياس نوعى، أنا لا أقيس النص أو العمل الإبداعى بأنه نسائى أم غير ذلك، بل أسأل: هل هذا عمل جيد أم لا؟، وبهذا لا أضع الأدب فى تصنيف أدب نسائى وأدب رجالى، فقط أنظر إلى الإبداع على إطلاقه وبشكل عام، وحين أشاهد عملًا مسرحيًا أراقب إبداع الممثل والممثلة، ولا أقسم الأمر على أنه تمثيل ستات أو تمثيل رجالة، لكن لأسباب كثيرة، اجتماعية وثقافية، فإن عدد المبدعات أقل من عدد المبدعين من ناحية الكم وليس الكيف».
ويقول عن تجربة كتبتها الشاعرة سامية مصطفى، التى تعيش بالعاصمة الثانية الإسكندرية: «أعجبنى نصها الذى أسمته «شخبوطة»، ودون أن أعرف شكلها، كتبته لها إشادة للنص وأخبرتها رأيى فى أنه نص جيد وليس مجرد «شخبوطة»، أما سامية فترتدى ما هو أكثر من الحجاب، هو الإسدال، وقد عرفت المجتمع السكندرى عليها وحكت لى حكايتها مع الشعر، منذ أن علقت معلمتها على شعرها بالقول «بطلى كلام فارغ»، حتى كبرت وذهبت لعرض إنتاجها الشعرى وواجهت الكثير من البيروقراطية والأحكام غير الصائبة بسبب زيها، هنا المجتمع ينظر للأنثى نظرة تفتقر إلي الجدية، وهذا يجب أن يعالج عن طريق التعليم».
وتابع: «المجتمع الذى أنتج رضوى عاشور وفتحية العسال وإنجى أفلاطون، وأهداف سويف، بالطبع قادر على أن ينتج غيرهن، واليوم لدينا عدد من النساء المبدعات اللواتى يحاربن من أجل أن يعرضن أعمالهن، وهذا يجب أن يكون من مهام وزارة الثقافة، لكن أداء الوزارة أداء حكومي، ويتغير حسب القائمين على المؤسسات الثقافية، وهمى أولًا وأخيرًا السياسة الثقافية، ومفهوم الثقافة المصرية التى تتشكل من محاور كثيرة، جزء منها يتعلق بوزارة الثقافة، والجزء الأكبر يتصل بالتعليم والإعلام، فمدارك الطفل تتشكل من المدرسة والتليفزيون أو الجريدة ومن البيت، ومن الكنيسة والجامع».
وأعلن فؤاد إقامته لعدد من الورش، منذ سنوات، فى محاولة لتدارك إهمال وزارة التربية والتعليم فى واجباتها، وقال عن هذه المبادرة: «الإهمال جاء فى إلغاء وإهمال كل الحصص التى لها علاقة بالإبداع من المدارس كالموسيقى والرياضة والرسم، وهذا كان موجودًا فى المدارس وقتما كنت طفلًا، ولم أتربَ فى مدارس للأثرياء، بل فى مدارس حكومية فقيرة، كانت هناك مكتبة فى الفصل، ومكتبة أكبر فى المدرسة كما كانت هناك حصص فى المكتبة، وفى هذا تعودت على القراءة منذ الصغر، أما المناهج فأصبحت «حشوًا للدماغ» وليس للإبداع، وأضعت من عمرى ٤٠ سنة فى محاولات لجعل الأطفال يرسمون، لأنها طريقة تسمح للطفل أن يعبر عن نفسه، وبالتالى يكتشف أن هناك جميلًا وقبيحًا، وبهذا يستطيع أن يحكم على الصواب والخطأ، والحكم على المواقف والأشياء بشكل عام، والدولة لا تريد الطفل ذا القدرة، بل تريد أجيالًا تنفذ ما يطلب منها فقط، وعلى صعيد الشعر فيقدم بأصعب النماذج بحيث يكره الطفل الشعر ويرفضه».
وتابع انتقاده لأداء وزارة الثقافة وقال: «هى فى النهاية مرتبطة بسياسات الحكومة، ولكن الفارق الشخصى يلعب دورًا مهمًا، وهذا لغياب السياسة العامة بشكل عام، وبالتالى حينما ينتقل مسئول ما نرجع إلى نقطة الصفر وعلينا أن نبدأ «من أول وجديد»، بغض النظر عن الأداء الوزارى ولكنى أرى أن الثقافة ليست فى المكتب والوزارة، بل فى الشارع والميدان والبيت والحارة».
وانتقل إلى الحديث عن مشروعه المتوقف «الفن ميدان» وقال: «بدأنا الفن ميدان فى الثانى من إبريل ٢٠١١، وكان فى السلطة وقتها المجلس العسكرى، واستمررنا وقت مرسى حتى سقوط نظام الإخوان وخلال فترة حكم الرئيس المؤقت، وتوقفنا تمامًا فى سبتمبر ٢٠١٤ فى القاهرة، أما آخر فن ميدان فى المحافظات أقيم بالسويس أكتوبر ٢٠١٤، وهناك عقلية أمنية ترى أن المنع هو الأساس، هناك قانون منع التظاهر، بالإضافة لكونه قانونًا غير دستورى وهناك تعسف فى تطبيقه، لكن أيضًا من آثاره الجانبية السيئة منع الفن ميدان بحجة أنه تجمع، رغم أننا قمنا بهذا التجمع السلمى أربع سنين متصلة، ولم تكن هناك حماية من الشرطة أو الأمن، بل كانت الحماية الحقيقية أهالى المنطقة سواء فى القاهرة حى عابدين مثلًا».
وتابع: «ما زلت متفائلًا تمامًا لأنى أرى التاريخ، ويصبح تاريخى منارتى ورفيقى، كما تقول كلمات أغنية أنا الشعب، ومصر مرت بفترات صعبة جدًا فى تاريخها، أسوأ فترة مرت فى حياة المصريين بعد هزيمة العرابيين فى ١٨٨١، وانتهت بنفى زعماء الثورة خارج مصر، ودخول الاستعمار البريطانى، ولكن المصريين أكملوا طريق البناء بكل تفاؤل، وفكروا فى المواجهة عن طريق التعليم فأنشئت الجامعة المصرية من تبرعات المصريين فى بداية القرن الـ٢٠ تحديدا فى عام ١٩٠٣، وفى الفترة تلك ظهر مصطفى كامل كزعيم وطنى، ويمتص المصريون الضربات، ويجدون الوسيلة للنهوض دائما، أما على صعيد التاريخ المعاصر، فلنا فى يوم ٢٨ يناير المعروف إعلاميًا بجمعة الغضب مثالًا لنزول الملايين من المصريين، الذين فاجأوا العالم بمقاومتهم، ولهذا السبب خاصة أنا متفائل».
ويقول أيضًا: «ينهزم الإنسان حينما يرضى بالهزيمة، وفى ذلك أضرب مثلًا بفؤاد حداد الذى قضى سنين طويلة فى السجن، وخرج من السجن منبوذا، ولم يتوقف عن الكتابة لأن توقفه قبول للحال، وحينما دخلت السجن سنوات عديدة، ومنعت من نشر حرفًا واحدًا لم أتوقف عن الكتابة، فهدفى أن نقدم للناس نماذج بالحكى سواء عن شهداء مثل عبدالحكم الجارحى، شهيد مظاهرات الطلبة فى عام ١٩٣٥، وهو مثل الشباب الذين نعاصرهم اليوم فى حياتنا اليومية مثل الشباب الذين ألقى القبض عليهم حينما قالوا إن جزيرتى تيران وصنافير مصريتان، وفى الفترة من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٠ شهدت مصر أكثر من ٢٠٠٠ نشاط ما بين مظاهرة واحتجاج وإضراب واعتصام، والإعلام لم ينشر عنها حرفًا، إلا كأخبار عن يوم ٦ إبريل عام ٢٠٠٨ فى المحلة، هل معنى أن الإعلام لم يذكر عنها شيئًا أنها لم تحدث على أرض الواقع؟.. بالطبع لا».