الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مصر بدون أب.. في مسلسلات رمضان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تقريبا قمت بمسح شامل لدراما رمضان بحثا عن صورة أب إيجابية أو قوية، فلم أجد سوى شخصيات قليلة متناثرة وسط طوفان من صور الأمهات المسيطرات، بشكل لافت وغير مسبوق.
اللافت أيضا أن صورة الأب الغائب، بفعل الموت، أو السجن، أو المخدرات، أو الهروب من البيت، أو لفقدانه مقومات الرجولة والأبوة التقليدية، والعمل كقواد أو محتال أو الاعتماد ماليا على زوجته وبناته، هذه الصورة موجودة فى الأعمال الاجتماعية الدرامية والأعمال الكوميدية وحتى فى مسلسلات الأكشن والجريمة والعصابات التى غالبا ما تعتمد على الصورة النموذجية للأب القوى المثالي.
حتى مصطفى شعبان، الذى دأب منذ سنوات على تقديم مسلسلات تروج لصورة الأب الشرقي، الفحل والمسيطر، التقليدية، يقدم هذا العام شخصية هذا الأب الفحل بعد أن تحول إلى «أبوالبنات»، الذى يبدو هشا وضعيفا أمام النساء، حتى لو كن بناته الصغيرات الحكيمات.
هل هى صدفة؟ وهل يقصد كتاب هذه المسلسلات من وراء تغييب الآباء وتغليب الأمهات شيئا ما يتجاوز القصص والحبكات الترفيهية التى يكتبونها؟ وهل هذه التفاصيل التى قد تبدو غير مهمة فى حبكة المسلسل لها علاقة بالمسار الذى تتوجه له الشخصيات والأحداث؟ يعنى مثلا هل شخصية الأب الشاذ المدمن فى «أفراح القبة» لها علاقة بالمصير المظلم الذى تهوى إليه بناته؟ هذه سهلة، ولكن هل لشخصية الأب غير الموجود فى «سقوط حر» و«فوق مستوى الشبهات» علاقة بمرض «ملك»، نيللى كريم، فى المسلسل الأول، و«رحمة»، يسرا، فى المسلسل الثاني؟ طيب فى أعمال كوميدية مثل «نيللى وشيريهان» أو «بنات سوبرمان»، هل دخول الأب بيومى فؤاد السجن فى المسلسل الأول له علاقة بالمسار الذى ستتوجه إليه ابنته نحو النضج والوعي؟ وهل عدم وجود أب من الأساس وعمل الخال، بيومى فؤاد أيضا، كقواد وصاحب كاباريه، فى المسلسل الثاني، علاقة بتحول هؤلاء البنات إلى بطلات خارقات، أو وفقا للمعنى النفسي، إلى مضطربات يعانين من الهلاوس يتخيلن أنهن يتمتعن بقدرات خارقة للطبيعة؟
طيب هل لغياب الأب فى مسلسل «الأسطورة» علاقة بتحول ولديه إلى مجرمين عنيفين؟ 
خلونا نبدأ من آخر سؤال. تذكر معي فى معظم، إن لم يكن ٩٠ بالمئة من أفلام ومسلسلات الأكشن التى يلعب فيها البطل دور الخارج على القانون، العنيف، سنجد أنه يتيم الأب، مرتبط بأمه بقوة، أو بشكل زائد عن الحد. خذ عندك مثلا آخر أبطال الأكشن محمد رمضان الذى اعتاد على لعب شخصية هذا اليتيم الأب المرتبط بأمه وأخواته فى معظم أعماله، وأحدثها مسلسل «الأسطورة»، وقبلها مسلسل «ابن حلال» فى العام الماضي.
هل تعتقد أن هذه أيضا صدفة؟ يعرف علماء النفس منذ زمن بعيد أن العلاقة «المعقدة» بالأبوين تترك بصمات لا تمحى على الشخصية، وتحدد مسار حياتها فى كثير من الأحيان. ويوجد ارتباط معروف بين الهيستيريا تحديدا والعلاقة «المضطربة» بالأم، سواء لدى الأبناء أو البنات. على أى حال هذه أمور قد تجنح بنا بعيدا، ولكن أريد فقط أن أشدد على حالة «الهستيريا» والعنف التى ضربت المسلسلات هذا العام.
السذج يهاجمون المسلسلات وصناعها ويتهمونها بتشويه البلد وسمعته ويصل التحامل والجهل ببعضهم إلى اتهام صناع المسلسلات بالانحراف وسوء النية المتعمد، دون أن يخطر ببالهم للحظة أن هذه المسلسلات لا تعكس سوى نذر يسير مما يدور فى المجتمع من عنف وانحراف.
ومن أظرف الأشياء أننى أقرأ هذه الاتهامات الساذجة على صفحات الفن فى الجرائد والمواقع، وغالبا ما يكون بجوارها صفحات الحوادث التى تحتوى على جرائم وقصص لا تخطر ببال، ولو قلبت بقية صفحات الجريدة أو الموقع، سوف تذهل من كم أخبار العنف والفساد والانحراف والتفكك الأسري.
والسؤال الأخير، هل تعكس هذه المسلسلات انهيارا متواليا وملحوظا فى البنية التقليدية للمجتمع، التى سيطر عليها الآباء لعقود وقرون، وهل لهذا الانهيار علاقة بالعنف والهستيريا التى تضرب المجتمع؟