الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"روجر كوهين": البريطانيون ركلوا النظام العالمي في أسنانه بعنف

الكاتب البريطاني
الكاتب البريطاني روجر كوهين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الكاتب البريطاني روجر كوهين إن "البريطانيين قد سددوا للنظام العالمي السياسي والاقتصادي ركلة عنيفة في الأسنان، عبر التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في قرار تاريخي كفيل بأن يغرق بريطانيا في حالة من عدم اليقين لعامين قادمين وأن يقوض التكامل الذي تستقر على أساسه القارة العجوز".
وأضاف كوهين –في مقاله بالـنيويورك تايمز- أن "كافة التحذيرات من مغبة الخروج والتي أطلقها كل من الرئيس باراك أوباما والساسة البريطانيين وكبريات الشركات القائمة في بريطانيا وصندوق النقد الدولي – كلها لم تثمر إلا عن خلق حالة من الغضب المتحدي لتلك الهيئات النخبوية".
ونوه الكاتب عن أن "هذا الغضب له جذور متشعبة لكنها ربما تجمعت في ثورة ضد الرأسمالية العالمية؛ إن غالبية البريطانيين قد سئموا من الساسة الذين تسببوا في حرب كارثية بالعراق وأزمة مالية عام 2008 وتقشف أوروبي وركود في أجور الطبقة العاملة وارتفاع موجات الهجرة وإيجاد ملاذات ضريبية آمنة للأغنياء".
واستدرك كوهين قائلا " إن عدم وجود رابط مباشر بين تلك القضايا والاتحاد الأوروبي أو الموظفين البيروقراطيين في بروكسل – عدم وجود هذا الرابط لم يكن مُهمًا بقدر ما كان بمثابة هدف مريح في تلك اللحظة التاريخية الجموح التي أوصلت دونالد ترامب إلى موقع المرشح الجمهوري في موجة مشابهة من العداء للمهاجرين ومناهضة المؤسساتية."
واتهم الكاتب، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه قاد البلاد إلى كارثة، راصدا تراجع قيمة الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته منذ عام 1985 وترنّح الأسواق العالمية.. "وبينما نعى التيار الرئيسي من ساسة أوروبا يوما سيئا على القارة العجوز وبريطانيا، فإن سياسيين يمينيين أمثال "مارين لو بان" في فرنسا قد ابتهجت.. لقد دخل العالم في فترة من الاضطراب الشديد."
وأكد صاحب المقال أن "الاتحاد الأوروبي هو الأعظم منذ تدشينه في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي ليس فقط لأنه حقق السلم في أوروبا واضعا نهاية لحروب دمرت بتواتر اشتعالها أجيالا من الأوروبيين، ولكن لما أسهم به هذا الاتحاد في إرساء النظام السياسي العالمي".
وحذر كوهين من أن "عملية انهيار هذا الاتحاد ربما قد بدأت بالفعل.. وقد باتت جبهة الاتحاد أضعف من أي وقت مضى منذ تدشينه، وقد انزوت قداسة صور الماضي –حيث الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران والمستشار الألماني هيلموت كول يتصافحان يدا في يد بمدينة "فردان" الفرنسية.. لقد قادت متاعب اليورو وارتفاع أمواج الهجرة (سواء داخل الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء الفقيرة إلى الغنية أو من الخارج) وارتفاع معدلات البطالة- كل ذلك قاد إلى حالة مستشرية من نفاد للصبر وفقدان للذاكرة حتى باتت اللاعقلانية تسري في الهواء".
وقال كوهين إن "هذه القفزة إلى الظلام التي أقدم عليها شعب هو بطبيعته متعقل (الشعب البريطاني) – هذا التصرف يجب أن يؤخذ على محمل الجد؛ إذ هو يشير إلى إمكانية أن تليه قفزات أخرى في أماكن أخرى، ربما في أمريكا في عصر ترامب الذي بات انتصاره في نوفمبر المقبل أكثر معقولية الآن بعد هذه السابقة في دولة ديمقراطية متقدمة غامر شعبُها بحالة الوقت الراهن في سبيل مستقبل مجهول تكتنفه مخاطر مرتفعة."
وأضاف الكاتب "لقد قالت نسبة 52 بالمائة من البريطانيين إنها مستعدة لمواجهة هذا المستقبل المجهول ذي المخاطر المرتفعة من بطالة وتدني قيمة العملة وركود محتمل واضطراب سياسي وفقدان ميزة الدخول لسوق تضم نحو نصف مليار إنسان، في طلاق فوضوي قد تستغرق إجراءاته نحو عامين – كل هذا ضحى به البريطانيون في سبيل ما وصفه نايجل فرج (زعيم حزب الاستقلال البريطاني اليميني) بأنه "يوم استقلال".. على أن بريطانيا كانت أمة ذات سيادة بكل معنى الكلمة قبل التصويت ولا تزال كذلك.. إن الوصف الأجدر لهو "يوم الاغتراب".
وتابع كوهين أن "الشعب الإنجليزي أبدى استعدادا كذلك للمخاطرة بشيء آخر هو تفتيت المملكة المتحدة؛ لقد صوتت اسكتلندا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 62 بالمائة مقابل 38 بالمائة، كما صوتت أيرلندا الشمالية لصالح البقاء بنسبة 56 بالمائة مقابل 44 بالمائة.. ومن المرجح أن يطالب الاسكتلنديون الآن بإجراء استفتاء ثان على الاستقلال".
ومضى الكاتب مشيرا إلى أن "الانقسامات لم تكن فقط قومية؛ ذلك أن لندن صوتت بأغلبية واسعة لصالح البقاء فيما صوتت الأقاليم والمدن الصغرى المنكوبة أكثر بالمصانع بأغلبية لصالح الخروج وحققت فوزا في يوم الاستفتاء – وبذلك انقسم البريطانيون إلى طبقة ليبرالية ومتروبوليتانية متمركزة في لندن مقابل غيرها في الأقاليم الصغرى".
واستدرك كوهين قائلا "على أن الإخفاقات التي مُنيت بها أوروبا على نحوٍ ظهر جليا خلال السنوات العشر الأخيرة – هذه الإخفاقات لا تكفي لشرح ما فعلته بريطانيا بنفسها.. لقد كان هذا تصويتا ضد الاقتصاد العالمي والنظام الاجتماعي الذي أنتجته السنوات الـست عشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين.. وليس من الواضح إلى أين سيقود ذلك، غير أن الأسوأ ليس مُحتمًا وإنما هو معقول".
واختتم الكاتب قائلا "ستبقى بريطانيا قوة مهمة ذات ثِقل، لكنها ستئن تحت ثِقلها.. إنها بصدد مواجهة مجازفة سياسية واقتصادية طويلة المدى".