الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بريطانيا والإخوان والخروج من الاتحاد الأوروبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زالت تمتلك العاصمة البريطانية لندن مفاتيح القرار في الشرق الأوسط، فالحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في إثارة الفتن ونشر الفوضى في المنطقة العربية لن يتخلى عن دوره حتى مع إقرار الانفصال من الاتحاد الأوروبي، فدور إنجلترا لا يخفى على أحد بدءًا من التأييد الأعمى للولايات المتحدة في احتلال العراق عام 2003، ودعم التنظيمات الدينية الأصولية في الشرق قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011 لمواجهة أعداء محتملين لها في المنطقة، واستخدامهم في معاركها من أجل تحقيق أهداف سياسية قريبة وبعيدة الأجل.
بريطانيا أكثر الدول الأوروبية احتضانًا للتنظيمات الدينية بشكل عام والتكفيرية بشكل خاص، بطريقة سرية وعلانية فضلًا عن توفير سُبل الإقامة على أراضيها، فتحتضن بين شوارعها وميادينها قيادات التنظيمات المتطرفة الصادر ضدهم أحكام بالإعدام والمؤبد وما أكثرهم، ولذلك لا تجد غرابة في تصريح الحكومة البريطانية لبعض هذه القيادات بتأجير أماكن للعمل وضعوا عليها لافتة مكتوب عليها "مقر الخلافة الإسلامية المؤقت"، وأغلبهم يصعدون المنابر ويلقون الدروس الدينية داخل المراكز الإسلامية بقلب العاصمة البريطانية، ليس هذا فقط وإنما ذهبت المملكة السابقة لأبعد من ذلك بدعم هذه التنظيمات في العراق وسوريا.
في ظل الحرب الباردة التي تُشكل فيها بريطانيا رقمًا مهمًا بعد صعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية لتحتل مكان عاصمة الضباب كقوى عظمى، أصبحت بريطانيا مقرًا دائمًا للأمانة العامة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بل سمحت لأمينة العام إبراهيم منير بتصريح رسمي للمقر تحت لافتة مركز للخدمات الإعلامية، فأصبح مقرًا لاستقبال كبار الشخصيات السياسية البريطانية ومنه أدار الإخوان أفرع التنظيم في بقية الأقطار الأخرى.
دعم بريطانيا للإخوان المسلمين باعتبارها أولى وأهم حركات الإسلام السياسي في المنطقة كان مبكرًا منذ السنوات الأولى لنشأة التنظيم في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، وكان الإنجليز اللاعب الأساسي وقتها في تحريك السياسة المصرية في عهد الملكية، كما أنها كانت اللاعب الأساسي في العالم كقوى عظمى محركة للأحداث.
وإذا أردنا أن نتحدث عن أعداد الأجانب الموجودين بين تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية "داعش" فسوف نجد بريطانيا الحاضن الأساسي للعقول المدبرة أو الفاعلة بين هذه التنظيمات، فهي تمثل ركيزة أساسية وعاصمة رابطة بين هذه التنظيمات وأتباعها في أوروبا، فيقود التنظيم قرابة ستمائة بريطاني من الكفاءات التي يرُجع إليها في قيادة التنظيم لما تمتلك من كفاءات مفتقدة بين العرب الذين يُشُكلون نواة التنظيم.
تعتمد بريطانيا منذ قيادتها للعالم قبل ظهور الولايات المتحدة كقوى عظمى سياسة "فرق تسد"، ولذلك تسعى لامتلاك كل خيوط اللعبة من خلال روابط وعلاقات تقيمها مع قادة التنظيمات المتطرفة، بهدف تحريك هذه القيادات في إطار سياستها التي تحاول من خلالها الاستمرار في امتلاك زمام القيادة التي تحاول الوصول إليها.
فوعد بلفور عام 1917 وتمكين اليهود الصهاينة كان بدعم بريطاني لخلق شوكة في ظهر الشرق العربي والإسلامي حتى يصبح شرق أوسط من إسرائيل التي ساعدتها من أجل امتلاك مصادر القوة، فنجحت في تفتيت المنطقة بقوتها الصاعدة حتى بعد زوال الاحتلال عنها.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المكون من ثماني وعشرين دولة سوف يكون له آثاره وتبعاته على التنظيمات الدينية سواء التي تقيم على الأراضي الإنجليزية أو التي تدعمها لمواجهة أعداء محتملين لها في منطقة الشرق الأوسط أو استخدامهم في سياستها، وهي التي أرست قواعد هذه المدرسة السياسية في استخدام التنظيمات الدينية، ولا أكون مبالغًا إذا قلت أن تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد قد تكون أحد أسبابه الظاهرة السياسات الأوروبية في التعامل مع ملف الإسلاميين وصعود اليمين المتطرف الذي يرى خطورة من استمرار هذه السياسة بهذه الصورة.
من أهم الإضاءات التي يمكن قراءتها من خروج بريطانيا من جوقة الاتحاد الأوروبي تأثر التنظيمات الدينية بهذا الخروج وتأثر وجود الإخوان المسلمين في العاصمة البريطانية بالقرار الشعبي على خلفية الاستفتاء الذي شارك فيه ثلاثة أرباع البريطانيين بنسبة تصويت تصل إلى 52%، فمواجهة بريطانيا لصعود نجم التنظيمات المتطرفة والاستخدام غير الشرعي لهذه التنظيمات محل خلاف مع القيادة السياسية التي تخلف ديفيد كاميرون في رئاسة وزراء بريطانيا.
حلم استعادة بريطانيا لإمبراطوريتها يراود الساسة الإنجليز الفترة القادمة خاصة بعد احتمالات حدوث تغير سياسي بصعود المرشح الرئاسي المتحمل رونالد ترامب للبيت الأبيض، فتعصبه وتطرفه قد يفقد الحكومة الأمريكية مزيدًا من أسهمها وسيطرتها بخلاف وجهة النظر التي ترى مزيدًا من الردع لإحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، وهو ما دفع أطراف أخرى لمحاولة الظهور وقيادة اللعبة كمحل اتفاق مع السياسة الأمريكية الجديدة.