الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا يحدث داخل الأزهر؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من حسن الطالع أن العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب هو الإمام الأكبر للأزهر الشريف في ذلك التوقيت الدقيق من الزمان، فصورة المسلمين - وليس الإسلام- أصبحت مشوهة بندبات التطرف والإرهاب والتعصب الدينى، والشيخ معروف بأخلاقه العالية المتسامحة وبعلمه الغزير والوافر وفهمه العميق لدور الأزهر ومكانته.
ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن الأزهر في عهد الدكتور الطيب تحول إلى مؤسسة عالمية تمثل صورة الإسلام الوسطى القابل للتعايش لا الصراع، ونجح خلال جولاته الخارجية ولقائه مع بابا الفاتيكان في ترسيخ صورة جديدة عن شيخ الأزهر ليصبح الرمز الوسطى والروحى للإسلام والمسلمين ولأهل السنة في العالم بأسره، وليس في مصر وحدها.
لكن حركة الرجل لا يتناغم معها أداء المؤسسة العريقة، وما يدور داخلها يثر القلق، ولعل حملة الدعاية الأخيرة للأزهر خير دليل على ذلك، فلأول مرة في تاريخ مصر تظهر في شوارعها إعلانات دعائية للأزهر الشريف تحمل عبارات مثل منبر الوسطية وأكبر جامعة إسلامية، وحينما تسأل عن حاجة الأزهر إلى الإعلان عن نفسه عبر بنرات يتكلف الواحد أسبوعيا أكثر من ٢٠٠ ألف جنيه وهو ما يعنى أن الحملة تعدت كلفتها عشرات الملايين من الجنيهات دون داعٍ، فما هو معلوم بالضرورة عن أهمية ودور الأزهر لا يحتاج لإعلان، خاصة مع الأزمة الاقتصادية، والحديث عن قلة موارد الأزهر، فالحديث عن قلة الموارد يسحبنا إلى ما قاله الزميل أحمد الخطيب في مقال له بجريدة «الوطن» ولم ترد عليه المشيخة حول قيام أحد معاونى شيخ الأزهر بطلب دعم مادى لقناة الأزهر من الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، أثناء زيارته للأزهر رغم أن القناة لم تر النور وتم سحب ملفها من الدكتور على جمعة المفتى السابق لتصبح في عهدة محمد عبدالسلام، المستشار القانونى للمشيخة، ومنذ ذلك الوقت لا أحد يعلم شيئا عن مصير تلك القناة.
طريقة طلب الدعم المادى من السعودية وبعدها ظهور الحملة الإعلانية الإماراتية تعطى انطباعا غير لائق عن المؤسسة العريقة يصاحبها سوء إدارة لأموال الأزهر، ناهيك عن أولويات الميزانية التي يتحكم فيها المستشار القانونى.. الرجل القوى الذي تبدأ وتنتهى عنده كل دوائر القرار في المشيخة ويمسك بيده كل الخيوط المالية والإدارية والدعوية وسط غضب المشايخ الكبار.
يتزامن ذلك مع الوقائع المخلة لتسريبات الامتحانات في المدارس الأزهرية بنفس طريقة تسريبها في المدارس الحكومية والتي تعطى انطباعا بأن هناك خللا عميقا في منظومة القيم، فكيف وصلت أخلاق طلبة الأزهر لذلك المنحى الخطر ليصبح الغش في مواد القرآن والحديث مباحا ومستباحا في مؤسسة قائمة على نشر تعاليم الدين الصحيح، وتعميقه في المجتمع، وبالتأكيد فاقد الشىء لا يعطيه.
أمر آخر أضعه بين يدى فضيلة الإمام الأكبر وهو دور الأزهر في معركة الإرهاب، ولماذا توقفت القوافل الدعوية التي يقوم الأزهر بإيفادها إلى شمال سيناء؟ فالمعركة هناك لا يمكن أن تنتهى بالرصاص، فالإسلام «الجهادى» لا يمكن محاربته بالآليات العسكرية فقط بل يحتاج في المقام الأول إلى أئمة يصححون وخطباء يجمعون الناس على كلمة سواء وذلك لقطع الطريق على وصول الدعم اللوجيستى لبؤر الإرهاب، والحيلولة دون تفريخ إرهابيين جدد.
لقد تصدى الإمام الأكبر في كل زياراته الخارجية لمعركة تصحيح المفاهيم ومواجهة المفردات التي زرعها الإسلام الجهادى والسياسي، ورسالة الأزهر لن تتم قبل أن تقود المؤسسة الأهم والأكبر في العالم الإسلامى للعبادات والتعليم الدينى والفتوى والإرشاد العام، لكن الأزهر ما زال جامدا ولا يريد التحرك في هذا الاتجاه فعليا مكتفيا بدعاية بلا تأثير، بل أتصور أن من واجب الأزهر التصدى لمن يحاولون إشعال الفتنة، فما رأيناه في المنيا والعامرية ضد المسيحيين أمر يندى له الجبين وكان يتطلب تحركا من مشايخ الأزهر يوازى تحرك الإمام الأكبر لاحتواء هذه الأزمات على مستوى الأمة، وتوجيه الناس في هذه المناطق لاحترام حقوق المواطنة والالتزام بتطبيق القانون والتوقف عن إثارة الفوضى.
الأمر جلل يا فضيلة الإمام الأكبر، والشعب المصرى يثق في حكمتك وقوة بصيرتك.