السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مسلسلات الصوت العالي من محمد ياسين إلى محمد رمضان!

   لقطة من مسلسل
لقطة من مسلسل «أفراح القبة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعرف خبراء الموسيقى أن استخدام الصمت، لا الصوت، هو العنصر الأهم فى الموسيقى، كما يعرف خبراء التصوير أن الظل لا يقل تأثيرا عن الضوء، إن لم يزد. وقد عرف خبراء التمثيل السينمائى أن إخفاء المشاعر والانفعالات أكثر تأثيرًا عن التعبير المباشر عنها بالكلمات والأفعال ولغة الجسد المبالغ فيها.
لكن هذه الوصايا الفنية لم تصل إلى كثير من مخرجى السينما والدراما المصرية، أو ربما وصلت ولم يقتنعوا بها، أو ربما يتصورون أنها تناسب أهل الغرب البارد فى أوروبا وأمريكا، أما فى شرقنا الساخن الساحر، فإن الإفراط فى استخدام الصوت والضوء، والتمثيل الصاخب بالحنجرة والحواجب وبقية أعضاء الجسد، هى صفات أصيلة فى شعوبنا وفنوننا.
قد أفهم ذلك، كما أفهم أسباب المط والتطويل والإعادة والتكرار، التى تضرب المسلسلات مثل الآفة التى تأكل القطن، ومع ذلك لا أعرف لماذا يصر المخرجون، حتى المتميزون منهم، على استخدام الموسيقى التصويرية عمال على بطال، دون انقطاع، لدرجة أننى أظل أسمعها تطن فى أذنى حتى بعد انقطاع الكهرباء. ورغم إعجابى الشديد بمسلسل «أفراح القبة» كما كتبت سابقا، ورغم رأيى فى أن الموسيقى التصويرية التى وضعها الموهوب هشام نزيه، هى أجمل تأليف موسيقى لمسلسلات هذا العام، إلا أن استخدامها من قبل المخرج محمد ياسين مبالغ فيه جدًا، لدرجة الإزعاج أحيانًا، والتغطية على أصوات الممثلين أحيانًا أخرى.
الأمر نفسه ينطبق على «سقوط حر» للمخرج شوقى الماجرى الذى يخونه أسلوبه فى التعبير بالصور الشعرية الفانتازية عن العقد الكامنة لشخصياته، بالإفراط فى استخدام الحوارات التعليمية المباشرة، والمواقف المتكررة، والموسيقى التى تدور لسبب، وبدون سبب، طوال الوقت.
ليس لدىّ تفسير لهذا الاستخدام المفرط للموسيقى، وبعض العناصر الفنية الأخرى من قبل فنانين أثق فى وعيهم وذوقهم، سوى أن هذا من تأثير الثقافة العامة السائدة، ثقافة الزحمة والضوضاء والانفعالات الزائدة علي الحد، التى تجد تجسيدها الأمثل فى «أغانى المهرجانات».
الموضوع يحتاج إلى مناقشة، ولكن واضح أنها مسألة تذوق وتربية فنية وثقافة، بالمعنى العريض للثقافة. وقد يتعجب ذو الحس الراقى من نجاح أعمال فجة غليظة، تعانى كل عناصرها الفنية من إفراط مضحك فى التعبير، ولكن جرب مثلى أن تنزل مرة لتشاهد أحد المسلسلات على المقاهى الشعبية الحديثة، أى تلك الأماكن الشيطانية التى تنبت فجأة فوق الأرصفة ومنتصف الطريق العام، حيث تنثر عشرات الكراسى الخشبية وتنصب شاشات الـ«إل سى دي» العملاقة، ويتحول محمد رمضان ويوسف الشريف وغادة عبدالرازق ورامز جلال إلى أبطال شعبيين. ولو تأملت قليلًا سر النجاح «الشعبي» لبعض النجوم والمسلسلات، سوف تجد أن القاسم المشترك الأعظم بينها هو «الإفراط»، الإفراط فى الفحولة والأنوثة والعواطف والأكشن والكوميديا.
ومثلما يعجب ذو الذوق الرفيع من هذا الإفراط الكاريكاتيري، يتعجب ذو الذوق الشعبى من أعمال مثل «أفراح القبة» و«سقوط حر» لا يستسيغ أساليبها الفنية «الغامضة»، واستغراقها فى التعبير عن «الباطن»، فى حين أن الناس لا يشغلها سوى «بطنها».
كل هذا من الأمور المعروفة، فى الدنيا كلها، ولكم مثل حى فى المقارنة بين السينما الهندية التجارية، وهى أضخم صناعة سينما فى العالم بالمناسبة، وبين السينما السويدية أو غيرها من المدارس الفنية الإسكندنافية، وربما يكون لدرجة الحرارة تأثير بالفعل على الذوق والثقافة وأساليب التعبير الفني!!