رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

البحث عن الزمن الضائع في مسلسلات رمضان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتاج مسلسل «أفراح القبة» إلى كتابة مكثفة عنه، ولكن حتى نوفيه حقه يجب أن ننتظر للنهاية، أو على الأقل حتى تمر ٢٠ حلقة منه.
«أفراح القبة» عمل فذ لا مثيل له فى الدراما العربية، إخراجا وتصويرا ومونتاجا وتمثيلا، وكل ما أخشاه هو أن ينهار أو يتراجع قرب النهاية كما حدث كثيرا لمسلسلات أخرى فى السنوات السابقة، بسبب الظروف الإنتاجية السيئة التى يعمل فيها صناع المسلسلات، والتى تفرض عليهم أن يتكون المسلسل من ثلاثين حلقة، كما تفرض عليهم تنفيذ العمل فى وقت قصير جدا أحيانا، للانتهاء منه قبل شهر رمضان، وبعض المسلسلات يظل تصويرها مستمرا بينما يجرى عرض الحلقات الأولى منها، ونتيجة هذا الوقت المضغوط والعصبية هى «سلق» ما تبقى من العمل وارتكاب أخطاء كثيرة تنزل بمستواه.
أهم عنصر فى السينما والتليفزيون المونتاج، أو «التوليف» بالعربي، عن طريق المونتاج يتم خلق المعنى فى المشاهد المتفرقة، وعن طريقه يتم اختيار المشاهد الأفضل واللقطات الأفضل وزوايا الكاميرا الأفضل وأحجام اللقطات الأفضل، كما يتم حذف كل ما لا قيمة له مما جرى تصويره. وعن طريق المونتاج يتم أيضا خلق إيقاع العمل وشده أو إرخائه، وبعد إضافة الموسيقى التصويرية والمؤثرات يكتسب العمل قواما ولونا وإحساسا وإيقاعا للأسف كثيرا ما تضيع ملامحه فى المسلسلات، وبالتالى لا يبقى منه سوى الحدوتة والقصة، وبعض الأجزاء الصغيرة جدا مثل وجود ممثل متميز أو كوميديان خفيف الدم، أو موقف درامى ملفت.
مخرجو اليوم يصورون المشهد الواحد بعدة كاميرات، ورحم الله أيام الفقر الجميل حين كان يتم تصوير المسلسلات بكاميرا واحدة، والمتميز يحصل على كاميرتين إحداهما خربانة، لدرجة أن عمل «كلاسيكي» مهم مثل «الأيام» يوجد شرخ واضح فى عدسة إحدى الكاميرات تظهر فى الكثير من مشاهده!
الآن يصور العمل بثلاث وأربع كاميرات، ولكن نتيجة الإهمال فى عنصر المونتاج، وعدم وجود كفاءات كبيرة كثيرة أو وقت مناسب للعمل، حيث يحتاج المونتير والمخرج إلى وقت مضاعف لمشاهدة ما تم تصويره من كل الزوايا، وبناء مشهد قد لا يتجاوز دقيقة من مواد مصورة قد تستغرق نصف ساعة، لذلك يحدث «العك»، ويصيبنى الذهول أحيانا من كم «البلادة» والعشوائية فى كثير من الأعمال المعروضة. 
الحديث عن المونتاج يجرنا إلى الحديث عن الزمن فى الأعمال الدرامية.
هل يتذكر أحد القاعدة الذهبية التى وضعها أرسطو، الفيلسوف اليونانى وأول ناقد أدبى فى التاريخ، فى كتابه «فن الشعر»، وكلمة شعر يقصد بها الدراما المسرحية الشعرية، عندما قال إن المسرحية يجب أن تجرى أحداثها فى زمن واحد ومكان واحد؟
تطورت وتغيرت معظم قواعد أرسطو، ولكن الجوهر واحد. فى الدراما يختلف الزمن عن الزمن الواقعى الذى نعرفه، حيث يتم تكثيفه واختزاله أو زيادته، ويتم هذا وفقا لمنطق العمل من ناحية، والطريقة التى يعرض بها على الناس من ناحية ثانية، إذا كان حكى أو مسرحية ممثلة أو خيال ظل أو فيلم سينمائى أو مسلسل أسبوعى أو يومي.
نظرة سريعة إلى مسلسلات رمضان تظهر وجود مشكلة كبيرة تتعلق بالزمن الدرامي، تعكس إحساسا مختلا و«سائلا» بالزمن يتجاوز المسلسلات إلى الواقع الذى نعيشه.
حتى مسلسل متميز كتابة وإخراجا وتمثيلا مثل «فوق مستوى الشبهات» يعانى من خطأ «زمني» جسيم. بعد مرور عشر حلقات وعشر أيام، فإن الأحداث التى يعرضها يفترض أنها لا تتجاوز أسبوعا، وهذا وحده خطأ لأن المشاهد يشعر بوجود مشكلة حيث إن الزمن الدرامى أبطأ من الزمن الواقعى بكثير. المشكلة الأكبر أن هذا «الأسبوع الدرامي» جرت خلاله أحداث لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تدور فى أقل من شهر، ومع ذلك تصر الشخصيات على أنه لم يمر سوى أسبوعا!