الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

مؤذنون يتحدثون لـ"البوابة" عن الأسرار الخلفية لـ"رافعي الأذان"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يا بلال قم فناد بالصلاة».. كانت المرة الأولى التى أمر النبى بها الصحابى بلال ابن رباح، بعد مشاورات مع الصحابة، بعد أن كان المسلمون يجتمعون للصلاة دون منادِ.. مضى 14 قرنًا والأذان يرفع فى بلاد المسلمين، لكن بطرق مختلفة أخذت فى التطور فى كل عصر عن الذى سبقه، فقبل ظهور الميكروفونات كان المؤذن يعتلى سطح المسجد أو المئذنة، ليعلو صوته بالنداء للصلاة.
معايير اختيار المؤذن فى مصر مرت بمراحل، ففى تراث مصر كان المؤذن يجب أن يكون كفيفا، حتى لا يطلع على عورات المنازل من فوق المئذنة أثناء الأذان.. لكن اختيار وزارة الأوقاف للمؤذنين الآن يكون عبر إعلان للوظائف ينشر على الموقع الإلكترونى للوزارة، بعد أن كان قديما تنشر عبر الصحف القومية الكبرى مثل «الأهرام» و«الأخبار» شروط التقدم للوظيفة بسيطة، فهى لا تحتاج سوى لشخص لم يتخط الأربعين من عمره، حاصل على شهادة محو الأمية أو الشهادة الابتدائية، انتهى من أداء الخدمة العسكرية، وأن يتخطى المقابلة الشخصية التى تحتاج إلى أن يكون حافظا لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، وأن يكون ذا صوت حسن.
فى مواقيت الصلاة يبدأ المؤذنون فى رفع الأذان.. صوت التكبيرات يعلو بأصوات جميلة تمتزج بأخرى مشوهة، تختلط أصوات الأطفال مع أصوات شباب وعجائز تخرج من الميكروفونات، وخلف كل صوت منها قصة.
«البوابة» تجولت فى بعض مساجد وزوايا القاهرة، تعرفت على مؤذنيها واستمعت إلى قصصهم، مساجد لا تتبع الأوقاف يؤذن فيها كل من هب ودب، وأخرى يسيطر عليها الأهالى ويختارون المؤذن حسب أهوائهم، بالإضافة إلى مساجد بها مؤذنون أصحاب أصوات لا تصلح للأذان.
منذ عشر سنوات رأى مخزنا مهجورا فى أحد العقارات، فاقترح على الأهالى أن يحوله إلى مسجد، ولم يكن قد مر أكثر من ثلاثة أشهر حتى أنشئ المسجد بالمجهودات الذاتية والمساعدات من أهالى المنطقة، وأطلق عليه اسم مسجد المدينة المنورة.. وليد حمدى، صاحب محل بقالة، سخر نفسه ليصبح مؤذنا، إماما وخطيبا للمسجد حتى الآن، وسيظل كذلك بقية حياته.
اختياره ليكون إماما ومؤذنا للمسجد جاء بإجماع أهالى المنطقة، فهو معروف بحسن أخلاقه والتزامه الدينى وإتقانه لأحكام التجويد، لكنه يعيب على طريقة اختيار المؤذنين والأئمة فى المساجد التى لا تتبع وزارة الأوقاف، لأنها طريقة تعتمد على مدى شهرة الشخص فى المنطقة، وعلى صاحب السن الأكبر، بغض النظر عن مستوى صوته أو إجادته لقراءة القرآن.
يقول «وليد» إنه يعرف الكثير من المساجد التى يقوم عليها رجال كبار فى السن، أصحاب أصوات سيئة للغاية، ما يجعل السكان ينفرون من صوت الأذان ومن الصلاة: «المفروض المؤذن يبقى صوته حسن عشان يجذب الناس ويحببها فى المسجد وصلاة الجماعة، لكن العكس هو اللى موجود، معظم المساجد الصغيرة خصوصا فيها مؤذنون أصواتهم سيئة، وبيبقى الميكروفون قديم وبيخلى أصواتهم تظهر أسوأ، ومثلا جنبنا مسجد بنى قريبا، فلما جم يختاروا المؤذن اتفقوا على واحد من أكبر رجال المنطقة سنا ومعروف وسط الأهالى وله عقارات ومتسمى شارع باسمه، قالوا هو الحاج جبر اللى له الحق، رغم أن صوته مش حسن ومش حافظ قرآن».
لا يسمح «وليد» لأى شخص بالوقوف خلف الميكروفون لرفع الأذان إلا عندما يتأكد من أن صوته حسنا، فيجعله يرفع الأذان أمامه أولا ليعرف مستوى صوته، ويقرر إذا ما كان مناسبا لرفع الأذان أم لا: «لما شاب يطلب منى إنه يؤذن بخليه يورينى صوته فى الأذان الأول، ولو طلع حلو بطلب منه بعد كدا ييجى يؤذن فى الصلوات المختلفة، لأن عدد المصلين وانجذابهم للمسجد بيعتمد بشكل كبير على صوت المؤذن».
يشجع «وليد» بعض الأطفال من ذوى الصوت الحسن ليعرفوا رفع الأذان منذ الصغر، ويكونوا نواة لمؤذنين جيدين فى المستقبل، يوضح: «فيه بعض الأطفال عندهم موهبة الصوت الحلو، بشجعهم يرفعوا الأذان، زى طفل عندى اسمه عمر والناس بتسميه بلبل من كتر ما صوته حلو فى الأذان، وأتوقع إنه فى المستقبل هيبقى من المؤذنين الرائعين».
وزارة الأوقاف لا تتدخل فى عمل المسجد، فـ«وليد» الوحيد الذى له الحق فى اختيار المؤذن، وموعد إقامة الصلاة، وتحديد خطبة الجمعة واختيار من ينوب عنه إذا مرض أو غاب لأى سبب، ورغم قرار وزارة الأوقاف بضم جميع المساجد والزوايا إليها، منذ أكثر من عامين، إلا أن هذا القرار لم يطبق بعد فى الكثير من الأماكن.
فى مسجد أم القرى فى شارع العشرين بفيصل، جلس رجل تخطى عمره الستين عاما، يقرأ القرآن بعدما انتهت صلاة العصر بصوت ضعيف.. «الحاج يحيى» بعد أن انتهت حياته الوظيفية بخروجه على المعاش، بعد سنوات قضاها موظفا بأحد مكاتب البريد، اختار أن يكون قائما على شئون المسجد الصغير، دون مقابل مادى.
المسجد تحت سيطرة أهالى العقار الذى يجاور المسجد، فهم من يختارون الإمام والمؤذن، وعند الاختيار تكون الأولوية لشخص يهتم بنظافة المسجد ودورة المياه، ويرفع الأذان فى موعده، ولا يولون أهمية كبيرة لصوته سواء كان حسنا أم سيئا، أو مستوى معرفته بأحكام التجويد فى قراءة القرآن، بل إنه قد يكون أميا ولا يكترثون لذلك.
«يحيى» يقول إنه غير ملم بأحكام التجويد ومخارج الحروف، ويرى أنها ليست مشكلة كبيرة، فهو يحاول التعلم وممارسة ما يتعلمه، حتى يصل لمستوى جيد فى قراءة القرآن بصورة صحيحة، وفى نفس الوقت يستمر فى الأذان وإمامة المصلين، لأن الأهالى راضون عن مستوى اهتمامه بالمسجد: «ماسك المسجد بقالى ٣ سنين، بأذّن فى كل الصلوات وبصلى بالناس أنا أو أى واحد كبير فى السن، وبهتم بنظافة المسجد كله من سجاد ودورات مياه، ومباخدش فلوس لأنى بعمل كدا لله، ولو تعبت أو مرضت بخلى واحد صاحبى يؤذن بدالى».
شباب وأطفال يأتون إلى «يحيى» طالبين منه أن يرفعوا الأذان بدلا منه، حبا فى التجربة، وهو بدوره لا يرفض من يأتى إليه، فيجعله يرفع الأذان ويقيم الصلاة، حتى وإن كان صوته ليس حسنا، فهو يرى أن من حق أى فتى أو شاب أن يجرب ويتعلم رفع الأذان: «مقدرش أقول لا لأى حد يجيلى ويقولى إنه عايز يؤذن، لأنى ممكن أخليه ينفر من المسجد وميحبش يدخله تانى، وبقول يمكن يكون صوته حلو ويبقى مؤذن فى المستقبل، طالما حابب الأذان من صغره أو شبابه».
لا يهتم «يحيى» كثيرا بضم تبعية المسجد إلى وزارة الأوقاف، فهو يرى أن المساجد التى تتبع الأوقاف لا تتميز بشيء عن المساجد الأخرى، سوى فى المرتب الذى يتقاضاه الإمام والمؤذن والعامل: «مش لازم كل المساجد تبقى تبع الوزارة، كل المساجد فيها مؤذنين متطوعين مش مستنيين فلوس مقابل الأذان والاهتمام بالمسجد».
منذ خمس سنوات علم بوجود وظائف شاغرة فى وزارة الأوقاف، فأعد الأوراق المطلوبة وتقدم لشغل إحدى الوظائف، ليتم تعيينه مؤذنا فى مسجد الصحابة فى منطقة المطبعة بالهرم.. جابر منعم حقق حلمًا تمناه منذ طفولته بأن يصبح مؤذنا، فبعد حصوله على مؤهل متوسط، استطاع الوصول إلى مبتغاه بالعمل مؤذنا.
عشق صوت الأذان، فكان ينتظر أوقات الصلاة المختلفة من أجل الاستمتاع بالأذان، بل إنه كان يعرف أسماء المؤذنين الذين يرفعون الأذان عبر الراديو وقنوات التلفاز، يحكى «جابر»: «لما كنت ألعب مع إخواتى كنا نعمل جامع فى البيت، وأنا بعمل دور مؤذن، كنت بقلد الأذان اللى بسمعه فى الراديو أو التليفزيون، لحد ما كبرت وبقيت مؤذن بجد».
لا يسمح «جابر» لأى شخص آخر برفع الأذان فى المسجد، حتى وإن كان ذا صوت جيد، يقول إن الوزارة تمنع ذلك منعا باتا، بالإضافة إلى كونه تشتيتا للمصلين الذين يعرفون المسجد من خلال صوته.