رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رمضان كوم 3 .. احترسوا من بيومي فؤاد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا أفعل مثل الذين يلومون الأعمال الفنية على الصورة القاتمة التي ترسمها هذه الأعمال للعالم.
المسلسلات مليئة بالعنف والفساد والجريمة، لأن المجتمع يغرق فيها، أو لأن هذه هي الصورة التي انطبعت في أذهان ونفوس صناع هذه الأعمال، أو على أقل تقدير لأن هذا هو نوع الخيالات التي يريد الناس مشاهدتها.
الكثيرون علقوا على جرعة "الأمراض النفسية" التي يعاني منها عدد كبير من أبطال مسلسلات رمضان، مثل نيللي كريم في "سقوط حر" وليلى علوي في "هي ودافنشي" ويسرا وصديقاتها في "فوق مستوى الشبهات" ومعظم شخصيات مسلسل "الخروج"، وفي الطريق غادة عبدالرازق الذي لحقت ببقية زميلاتها في "الخانكة".
لا أعتقد أن الدراما المصرية اهتمت بالعقد النفسية والجانب المظلم من المجتمع بمثل هذا القدر من قبل. والفكرة ليست في الكم فقط، ولكن في المعالجة، دراما الجريمة يمكن أن تشعرك بالإثارة والبهجة، ويمكن أن تزعجك، أو تحبطك، أو تجعلك تفكر في العالم بشكل مختلف، وتذكر مثلا فيلم "سبعة" الذي سرقوا منه مسلسل "الخروج".
الحديث عن الفساد هذا العام لم يقتصر على المسلسلات، الظريف أنه وصل إلى الإعلانات أيضا من خلال حملة دعاية لمكافحة الفساد استعانوا فيها بالممثل الكوميدي بيومي فؤاد تتكون من مواقف تمثيلية قصيرة يؤدي فيها أدوار الرجل المرتشي والراشي والمستغل والمتربح..
الفساد هو أم المصائب القومية، ولا أمل يرجو في التقدم خطوة واحدة إلى الأمام قبل أن نقوم بحملة قومية لمكافحة الفساد حتى لو أدى الأمر إلى إعدام الآلاف في ميدان عام، كما كانوا يفعلون في الصين مع الفاسدين ومدمني الأفيون.
ولكن القضاء على الفساد لا يكون بالاستعانة ببيومي فؤاد،  ولا بهذه الاسكتشات الكوميدية التي تحبب الناس في الفساد والفاسدين، كما يحبب مسلسل "الكيف" الناس في المخدرات والمدمنين.
حملة مكافحة الفساد هذه مجرد "سبوبة" لصناعها مثلما هي "سبوبة" لبيومي فؤاد، لا فائدة ترجو منها سوى إضحاك المشاهدين وجرجرتهم إلى "التطبيع مع الفساد".
الاعتماد على بيومي فؤاد خطأ قاتل من صناع هذه الاعلانات، ودليل على الاستخفاف الذي نعاني منه في معالجة مشاكلنا.
الخطأ نفسه وقع فيه مسلسل "شهادة ميلاد" عندما استعان في حلقته الأولى ببيومي فؤاد ليلعب دور تاجر سلاح خفيف الدم وصاحب منطق مقنع وإحساس مرهف لدرجة أنه يقتل نفسه بنفسه قبل أن يقبض عليه البوليس. والنتيجة أن المشاهد يستخف دم هؤلاء القتلة ويستخف بالدمار الانساني والاقتصادي الذي يتسببون فيه.
أكبر مظاهر الاستخفاف هذا العام هو ظهور بيومي فؤاد في جميع المسلسلات لمجرد أنه نجح وتألق في السنوات السابقة، وهو دليل على الاستسهال الذي يعاني منه صناع المسلسلات، وعلى استخفاف بيومي فؤاد نفسه بعقول مشاهديه. لأن النتيجة الوحيدة لهذا الإسهال البيومي هو إصابة المشاهد بالملل والتشوش.
كنت مشغولا بالتفكير في هذه الأمور عندما اتصل بي محرر زميل ليسألني عن برامج المقالب التي تحولت إلى برامج رعب يتعرض خلالها الضيوف النجوم إلى ضحايا للحرائق والحيوانات المفترسة، على عكس ما كانت عليه هذه المقالب زمان، خفيفة وظريفة وبنت حلال.
العنف ليس قاصرا على هذه البرامج، وبجانب العنف هناك غلظة في السلوكيات واللغة وحتى برامج الكوميديا والمقالب تتسم بالغلظة والفجاجة...وهي امتداد لثقافة عامة يمكن أن تراها بعينيك وتسمعها بأذنيك بمجرد أن تغادر منزلك وتنزل إلى الشارع، وحتى لو هربت إلى أحد المنتجعات السكنية الحديثة فسوف تسمع هذه الغلظة وتراها بمجرد أن تفتح التليفزيون على أحد برامج "التوك شو".
المشاهد البسيط، بحكم ظروفه الاقتصادية والتعليمية والجنسية، يقبل على هذه البرامج الغليظة لأنها تفرغ طاقة العنف داخله وتوجهها نحو هؤلاء النجوم الأغنياء المشاهير الذين ينعمون بحياة شديدة الرفاهية اقتصاديا، وجنسيا.
وهكذا يفرح المشاهد بالفرجة على نجمات الاغراء وأبطال العضلات وهم يتعرضون "للبهدلة" والارهاب من قبل رامز وهاني وبقية مهابيل برامج المقالب، ويشعر المشاهد الغلبان لدقائق بالتفوق لأنه يعرف ما لا يعرفه ستيفن سيجال وأنطونيو بانديراس وإلهام شاهين وغيرهم من ضحايا البرنامج، ويضحك على خوفهم وضعفهم. ولكن المشاهد الغلبان لا يعرف أنه الضحية الوحيدة في الموضوع، لأن هؤلاء النجوم تقاضوا مئات الآلاف من الدولارات والجنيهات من أجل تأدية هذه الأدوار السخيفة والضحك على عقلك.